في جميع بلدان العالم، وخاصة المتقدمة منها، لا يحق لأي شخص أن يتدخل في خصوصيات وحريات الآخرين، لأن هذا الأمر مرفوض قانونياً واجتماعياً وأخلاقياً، ولا يجوز الحديث عنه، فالناس هناك يتحدثون فقط في ما هو عام، يهتمون بما يضر بمصالحهم ويهدد حياتهم. أما نحن في الشرق الأوسط المتخلف، وفي اليمن بالذات، على العكس من ذلك تماماً، فنحن نصمت عن كل ما يضر بالمجتمع ويهدد مصالحه، ونتكلم ونتدخل في خصوصيات الناس وحرياتهم الشخصية، ونحشر أنفسنا وأنوفنا حتى في مؤخرة الممثلة الأمريكية "أنجلينا جولي". الكثير من الجرائم التي تضر بالمجتمع، وتمس حياة الناس مباشرة، كجرائم القتل والسطو والسلب والنهب وسرقة المال العام وغيرها من الجرائم، تحدث أمام أعيننا دون أن نحرك ساكناً، أو حتى نكترث لها، فيما إذا ضحكت فتاة في الشارع مع زميلتها بصوت عالٍ، فإنها ستكون قد اقترفت الخطيئة التي ستقلب الدنيا فوق رأسها، وسيتم نعتها وشتمها بكل ما هو بذيء ومقزز. الأديبة والكاتبة "بشرى المقطري" لم تكن وليدة لحظة ما، منذ عرفناها وهي تقارع بكتابتها، وتناضل من أجل الفقراء، وتنشد معهم الخلاص، ترفض القهر والعبودية أياً كان شكلهما. ولأنها كذلك اجتمع ما يقارب 100 رجل دين ليكافئوها بفتوى تكفيرية تبيح دمها، لأنها كتبت مقالة عن "مسيرة الحياة"، لم ترقهم، فيما لم نشاهد أية فتوى من قبل هؤلاء تحرم وتجرم إعطاء ضمانة للقتلة المتورطين بقتل المئات من شباب الثورة، بل ذهبوا لمباركتها من خلال تصريحات وفتاوى مثل فتوى "الحزمي" الشهيرة التي تقول بأن "الحصانة هي مفسدة صغرى لدرء مفسدة كبرى". بشرى بصمودها وحب الناس لها، ظلت شامخة، لذلك لجأ "كهنة الدين الجدد" للبحث عن وسائل أخرى، ولو من خارج الدين. هذه المرة من خلال شن حرب إعلامية قذرة، وتنم عن سخافة القوم ومدى الاضمحلال الذي وصلوا إليه، فقد قاموا بنشر إحدى الصور الخاصة لبشرى تظهر فيها ببنطلون جينز تغطيه "دجلة" ألوانها فاتحة، فكان هذا بمثابة التمرد على لونهم المقدس "الأسود"، الذي أصبح يطبع حياتهم وأخلاقهم على السواء، فقد قالوا إن الصورة فاضحة وغير محتشمة، وراحوا يروجون لحدود تفكيرهم هذا، ولغبائهم أيضا، وتلصصهم القميء عبر صفحات "فيسبوك"، وعبر بعض الصحف. هذا الأسلوب الرخيص والوضيع الذي تمارسه ميليشيات الإخوان، يجعلنا نتساءل: ما الذي جناه بنطلون جينز من جريمة حتى يتم التشهير والقدح به وبأخلاق صاحبته؟ وأي أذى أو ضرر خلفه هذا البنطلون للمجتمع؟ هل هذا البنطلون متهم بقطع وتخريب الكهرباء؟ هل هو متورط بقتل شهداء جمعة الكرامة؟ أخبرونا بالله عليكم، ونحن سوف نقوم بتقديمه للمحاكمة، ولن نسمح بإعطائه أية حصانة كما تمنحون، يجب أن ينال جزاءه حسب القانون، أو حتى حسب الشريعة الإسلامية إن أردتم ذلك. مع أني لا أعتقد مطلقاً بخطورة بنطلون فتاة ثائرة ومناضلة خرجت في 11 فبراير 2011 إلى الشارع لتفجر من صوتها الأنثوي ثورة ضد الظلم والطغيان، وما تزال مستمرة إلى الآن في ميدان الثورة، تناضل من أجل استعادة حقوق الناس وكرامتهم، وإنما الخطورة هي في عمائم رجال الدين التي استمرت تمارس الدجل والتضليل بحق هذا الشعب طيلة 33 عاماً، وما زالت حتى اللحظة. رجال الدين هؤلاء لم يساندوا ثورة التغيير، وعملوا على عرقلتها من خلال طريقتين؛ الأولى تتمثل في إصدارهم الفتوى التي تحرم الخروج على ولي الأمر، وتبيح قتل الشباب في الساحات، والثانية الانضمام للثورة ورفع شعارات الخلافة الإسلامية، وهذا كان بهدف إخافة دول الخارج، ومنعها من مناصرة الثورة ودعمها والاعتراف بها، وبالتالي يسهل على النظام قمعها بغطاء دولي بحجة أننا إرهابيون. وإذا كان رجال الدين صادقين بالثورة على ولي أمرهم "صالح"، وبالدعوة للخلافة الإسلامية، كانوا بحثوا لهم عن ساحات غير ساحات الشباب المطالبة بالدولة المدنية. فيما بشرى المقطري كانت تهتف بالشعب يريد، وبحلم الدولة المدنية الديمقراطية، مع جميع من في الساحات. رجال الدين في 2006 وقفوا إلى جانب "علي عبدالله صالح" في قهر هذا الشعب، وراحوا يروجون عبر كل المنابر ويفتون أن "صالح" هو ولي أمر المسلمين الذي يجب على الناس طاعته، وعدم الخروج عليه، ومن يقول بغير ذلك وينتخب شخصاً غيره، فقد خالف كتاب الله عز وجل. فيما بشرى المقطري كانت حينها إلى جانب قضايا الناس، وأعطت صوتها لمرشحهم "فيصل بن شملان"، لأنها تعرف أن انتخاب "علي صالح" هو شهادة زور. في مطلع العام 2010 عندما كان مجلس النواب يعكف على إصدار قانون تحريم تزويج القاصرات، قام رجال الدين بحشد جميع طالبات جامعة الإيمان للتظاهر أمام مبنى البرلمان، واستطاعوا تعطيل هذا القانون بمساندة نواب التجمع اليمني للإصلاح ونواب المؤتمر الشعبي العام، فيما ظلت بشرى المقطري تقول بصوت عالٍ إن زواج الصغيرات جريمة يندى لها جبين الإنسانية. رجال الدين الذين كانوا يحرمون الوحدة مع الجنوب، أفتوا في 94 بتكفير كل الجنوب، وإباحة دمهم وأعراضهم وأرضهم، بينما بشرى المقطري ناهضت كل هذا الظلم. وهذا ليس الشيء القليل من العمائل "المتلتلة" لرجال الدين الأفاضل، التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، والذي أخلص منه بأن بنطلون "بشرى" هو أشرف وأطهر من عمائمهم.