الزنداني و69 عالماً إصلاحياً يكفرون ناشطين وأدباء وصحفيين، ويتوعدون المجتمع بعقوبات "إلهية"، ويطالبون الحكومة بإنشاء هيئة الفضيلة لمتابعة "الكفريات" - بيان علماء الإصلاح اعتبر انتقادات الكتاب والصحفيين لجرائم الإخوان والفرقة في الساحات بأنها إلحاداً وتطاولاً على الذات الإلهية - فتاوى الجهاد التي هلّل لها شباب ساحة الاعتصام عندما زارهم الزنداني انقلبت ضدهم؛ وبعد أن كانوا مبشرين ب"الجنة" أصبحوا الآن موعودين ب"النار" - أكثر من 11 شهراً والشباب ينامون ويصحون في الساحات على سب وشتم رئيس الجمهورية وأقاربه وأنصاره ولم يعترضهم أحد، وحين تطرقوا إلى "كهنة الدين" أهدرت دماؤهم - فتوى العلماء تكشف مخطط الإصلاح ل"طلبنة" الإعلام والتربية وإنتاج هيئة الأمر وإعادة فتح المعاهد العلمية عندما زار الشيخ عبدالمجيد الزنداني ساحة الاعتصام بعد سويعات من خروجه من عند فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي رفع القرآن بيده معلناً الاحتكام لكتاب الله وسنة رسوله، نظر الزنداني إلى الشباب المعتصمين أمام جامعة صنعاء وأصدر لهم فتوى مستعجلة بأن ما يقومون به هو جهاد في سبيل الله، وبشرهم بجائزتين الأولى في الدنيا وهي "براءة الاختراع" والثانية سينالونها في الآخرة وهي الجنة.. وأخبرهم بأن خروجهم إلى الاعتصام هو نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حينها هلل الشباب وكبروا وصدقوا فتاوى الزنداني وأن الجنة على بعد خطوات منهم. وبخلاف ما وعدهم به رجل الدين المتشدد عبدالمجيد الزنداني بأنه سيمنحهم براءة الاختراع، فوجئ الشباب به يتصدى لهم في أول مطلب لهم وهو مطلب الدولة المدنية عبر ما كانوا يسمونه ب"الشرعية الثورية"، فخرج خليفة الله في الأرض عليهم بفتوى تحرم الدولة المدنية وتكفر كل من يطالب بها لأن الأساس – في مذهبه وحزبه- هو الخلافة الإسلامية. ومؤخراً انكشفت الحقيقة التي حاول حزب الإصلاح إخفاءها طوال الفترة الماضية.. واتضح جلياً ألا مكان ل"المدنية والديمقراطية وحرية التعبير والتعددية السياسية" في مخططهم، واعتبار مثل هذه الأشياء منكراً وفسوقاً وكفراً بواحاً، كما فهمنا ذلك في آخر بيان لعلمائهم الذي كفروا فيه كتاباً وصحفيين وناشطين من خارج الحزب؛ فقط لأنهم انتقدوا الانتهاكات والجرائم الحاصلة في الساحة من قبل عناصر الإخوان المسلمين. وبقراءة بسيطة لتاريخ البشرية نجد أن عصور الاستبداد والتخلف والحكم بالحديد والنار وتحويل المواطنين إلى عبيد عند أشخاص يعتبرون أنفسهم أنصاف آلهة استخدموا الدين لإرهاب الشعوب وتطويعها بالقوة.. فعرف في أوربا ما كان يسمى ب"حكم الكنيسة" وعانى الأوربيون وخصوصاً المفكرين والمثقفين من القساوسة والرهبان أشد أنواع العذاب؛ ورغم مجيء الإسلام حاملاً روح التسامح والرحمة والحرية إلا أن نزعة الاستبداد الديني والإلوهية انتقلت عند بعض المتعصبين دينياً من الكنيسة إلى المسجد، وزاد تعصبهم أكثر عندما احتوتهم جماعات متشددة وأحزاب سياسية واستخدموهم لتنفيذ أجندة حزبية ضيقة، ومثلت فتاوى التكفير أبرز سلاح لقهر الخصوم وليس لها أية علاقة بالدفاع عن الله في السماء أو حماية دينه في الأرض. وكذلك استخدم هؤلاء التكفيريون كرأس حربة في مواجهة القومية العربية والنظام الجمهوري والتعددية السياسية والحزبية والديمقراطية في اليمن، وهم أنفسهم من أشعلوا حرباً على التجربة الاشتراكية في جنوباليمن، ومن كفروا الاشتراكيين وحرضوا على استباحة أموالهم وممتلكاتهم، وهي أنفسهم اليوم من يعادون الكتاب والمثقفين والمنادين بالدولة المدنية، ويؤيدون بقوة حرب إبادة على الحوثيين في صعدة وحجة والجوف. لقد عمل علماء الإصلاح وعلى رأسهم الزنداني والديلمي وغيرهم منذ زمن على استغلال رقة قلوب اليمنيين وغيرتهم على الدين الإسلامي، فتصدر هؤلاء العلماء المشهد الديني وأظهروا أنفسهم بأنهم الناطقون باسم الله في الأرض والعاملون على إدارة شؤون عباده والوحيدون الذين يحق لهم تقديس شخص ما أو نفيه من الدين والحياة. ويرى مراقبون أن مثل هذه الحالة من القداسة والإلوهية لا تحدث إلا في مجتمع أكثر تخلفاً وأقل ثقافة؛ لذلك فقد وجد التكفيريون في الأدباء والمثقفين والمفكرين الصخرة التي ستتحطم عليها مكنتهم التكفيرية والتحريضية، فما كان منهم سوى شن الحملات الممنهجة ضدهم واتهامهم بالكفر والإلحاد والتطاول على الذات الإلهية، وليست الأديبة والناشطة الاشتراكية بشرى المقطري أول من شملتهم قائمة المكفرين ولن تكون الأخيرة، فقد سبق وأن طالت فتاويهم التكفيرية الدكتور عبدالعزيز المقالح والدكتورة رؤوفة حسن والدكتور حمود العودي والدكتور أبو بكر السقاف وعمر الجاوي وجار الله عمر ووجدي الأهدل والصحفي أحمد الحبيشي وآخرين، كما تمددت القائمة لتطول أبرز علماء الزيدية أمثال العلامة المحطوري ومفتاح والديلمي وغيرهم.. ويؤكد مراقبون ومحللون سياسيون أن رجل الدين المتشدد ورئيس جامعة الإيمان عبدالمجيد الزنداني ومعه آخرون وحزب الإصلاح الذي يحتويهم عندما عجزوا من السيطرة على الحكم في اليمن، حاولوا جاهدين أن يجعلوا أنفسهم ولاة أمر المؤمنين بطريقة التفافية من خلال إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تتركز مهمتها في مراقبة الناس وتضييق الحريات واستهداف خصومهم والمخالفين لهم في الرأي والتوجه والمذهب بحجة تطبيق شرع الله ومحاربة الفسوق والانحلال وإعلان الجهاد ضد الغزو الفكري الغربي، الذي اخترق المجتمع اليمني.. وهذا ما عبر عنه بيان الاجتماع الأول لهيئة الفضيلة منتصف العام 2008م، ولكن هذه الهيئة لم يكتب لها النجاح وماتت في حينها لذلك – والكلام لمراقبين سياسيين- نجد أن الزنداني ورفاقه لا يزالون يطمحون كثيراً في إعادة إنشاء هذه الهيئة، ووجدوا الآن في حكومة الوفاق الذي يشكل المشترك نصفها الوسيلة الأسهل لتحقيق هذا الطموح.. ويظهر ذلك جلياً في الفتوى التكفيرية الأخيرة الصادرة بحق الأديبة بشرى المقطري والصحفيين فكري قاسم ومحسن عائض- طاهش الحوبان- وسامي شمسان، حيث دعت هذه الفتوى الدولة إلى تكوين لجنة لمتابعة هذه الكفريات- حد وصفهم- وهو ما اعتبره مراقبون دعوة صريحة لإنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقالت الفتوى: (إن ظاهرة الردة أخذت في التفشي هذه الأيام من بعض الأشخاص بعد انطمار دول الإلحاد في مزبلة التاريخ وذلك بالإساءة إلى الإسلام وإلى الذات الإلهية) تعالى الله عما يقولون. ودعت الفتوى الكتاب والناشطين الذين قالت "إنهم تورطوا في خطر عظيم وعبارات كفرية خبيثة" إلى الإسراع في إعلان التوبة عما أعلنوه من تلك الإساءات التي تنشق منها الأرض وتنهد لها الجبال.. مطالبة الدولة بتشكيل لجنة لمتابعة "هذه الكفريات"، والقبض على المتهمين بالإساءة إلى الذات الإلهية والقائمين على المواقع والصحف المسيئة والمؤيدين للإساءات ومحاكمتهم.. كما دعت وزارتي "الإعلام" و"الاتصالات" إلى إيقاف تلك المواقع والصحف.. وفي إطار خطة ل"طلبنة" الإعلام والتربية – كما اعتبره مراقبون سياسيون- فقد أكدت الفتوى أن على وزارتي الإعلام والتربية القيام بحملة لمواجهة ما أسمته ب"هذه الظاهرة الخطيرة"، وإعداد البرامج اللازمة لذلك في كافة وسائل الإعلام والمناهج اللازمة في كل مجالات التعليم.. وفي حين دعت الفتوى العلماء والدعاة للقيام بواجبهم في التحذير والتحصين والبيان في المساجد وغيرها من أماكن ووسائل التوجيه، حذرت الخاصة والعامة من أي تقصير في مواجهة هذا المنكر العظيم، حد وصفها. وتداولت عدد من المواقع الالكترونية وصفحات الفيس بوك نص وصورة فتوى الزنداني ورفاقه التكفيرية، التي تعرضت لانتقادات واسعة من قبل كتاب وصحفيين وناشطين شباب على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" حيث اعتبرها البعض من الشباب لما حملته من عبارات تهديد ووعيد بأنها لا تبشر بتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية، التي قالوا إنهم خرجوا من أجلها إلى الساحات منذ نحو عام كامل.. فيما قال آخرون بأن هذه الفتوى تؤكد ما حذر منه الكثيرون منذ بداية الأزمة من أن حزب الإصلاح بما يحويه من أجنحة متعددة سيستخدم شباب الساحات سُلماً للوصول إلى مبتغاه ثم ينقلب وينقض عليهم.. مشيرين إلى أنهم أمضوا أكثر من 11 شهراً في الساحات ينامون ويصحون على سب وشتم رئيس الجمهورية وأقربائه وأنصاره ولم يعترضهم أحد، وحين تطرقوا إلى "كهنة الدين" أهدرت دماؤهم. وفي الوقت الذي لم يستغرب فيه الشباب سكوت الحائزة على جائزة نوبل للسلام الناشطة الإصلاحية توكل كرمان تجاه هذه الفتاوى لمعرفتهم التامة بأن توكل تسير ضمن مخطط حزبها ووجودها في الساحة هو لتنفيذ هذا المخطط.. غير أن الشباب تساءلوا كثيراً عن موقف وزيرة حقوق الإنسان في حكومة الوفاق الوطني من التحريض الواضح والمعلن من قبل علماء الإصلاح ضد الناشطين والأدباء والإعلاميين الاشتراكيين والمستقلين.. وهل الدستور والقوانين اليمنية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ما زالت تؤكد على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية وحقهم في الحياة بأمان بعيداً عن أي تسلط ديني أو فكري أو سياسي؟!!. ووجه العديد من الشباب اللوم لقيادات الحزب الاشتراكي اليمني الذين قالوا بأنهم لزموا الصمت أمام فتاوى علماء الإصلاح التي استباحت دماء رجال الأمن والجيش واعتبرت مهاجمة المعسكرات في أرحب ونهم وأبين وتعز وقتل الجنود في النقاط الأمنية والعسكرية جهاداً في سبيل الله.. وأشار الشباب إلى أن الاشتراكي اعتقد أن تلك الفتاوى الدينية والخطب التحريضية ستسرع في إضعاف الحزب الحاكم وإسقاط النظام، لكنهم وجدوا أنفسهم أيضا ولمرة ثانية في مرمى نيران "الحاكمين بأمره".. وطالبوا الحزب الاشتراكي بسرعة تحديد موقفه من الفتاوى التكفيرية والحملات التحريضية التي يتعرض لها ناشطون من قبل شريكه في المشترك.. كما طالبوا أحزاب المشترك عامة والإصلاح خاصة بتحديد مواقفها الواضحة من هذه الفتوى وإعلان إدانتها لها وتجريمها لكل من وقع عليها. وفي هذا الصدد طالبت عدة منظمات حقوقية في شكوى وجهتها الأربعاء الماضي إلى النائب العام د. عبدالله الأعوش باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف عريضة تكفير موقعة من قبل سبعين عالماً وداعية. واعتبرت الشكوى، تلك الفتوى مصادرة لسلطة القضاء والقانون، حيث تضمنت حكما يترتب عليه إهدار الدم،وقالت أنها تشكل تهديداً حقيقياً وخطراً على حياتهم وسلامتهم الشخصية. ودعت المنظمات إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تلك العريضة، وتوفير الحماية العاجلة للناشطين والكتاب. وحمّلت النيابة العامة مسؤوليتها في التحقيق مع القائمين على واقعة التكفير والحكم بالردة، كما حملت الأشخاص الموقعين على عريضة التكفير المسؤولية الكاملة عن أي مساس بحياة وسلامة الذين تعرضوا لحملة التفكير.