فخامة العريس الخامس في... جمهورية غادة عبدالرازق ليست الأعمال الفنية الجيِّدة هي - فقط – مايَعْلَقُ في الذاكرة؛ فبعض الأعمال الرديئة تَعْلَقُ أيضاً...و مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة" ينتمي إلى هذا الصِّنف الأخير والرديء الذي يبدو أن منتجيه إتكَأوا على دهشةٍ مُتوَقعةٍ تستجلبها ولا ريب المقابلة غير الخفية بينه وبين مسلسل "الحاج متولي...و زوجاته الأربع بالطبع! بالتأكيد لا أنوي هنا تناولَ العمل الآنف من زاويةٍ فنية على الإطلاق؛ بل سأتناوله باعتباره عملاً سياسياً؛ له – برأيي – تأويلاته التي قد تَلُوْحُ لأكثرية القراء محض هرطقات. لكن شخصاً واحداً على الأقل – لا يراها كذلك؛ هو كاتب المقال. أتفهَّمُ جيداً أيَ نوعٍ من الأحاسيس تُثيره في المشاهد ممثلة حسناء بجسد فارِه وأنوثة مُبَاهية ؛ كغادة عبدالرازق؛ في مسلسل هو – فنياً – تَظاهرةٌ صارخةٌ للأزياء ، تَظهرُ خلاله البطلة في ملابس النوم والرياضة بقدْرٍ مُساوٍ لظهورها في فساتين السهرة وملابس العمل...و هي أجواءٌ ساخنة بما يكفي لطرح سؤالٍ يتضمَّنُ المفارقة الأولى: أليس استثنائياً وغريباً أن يُطِلَّ "الشيخ حسن يوسف" على المشاهدين محفوفاً بكل هذا "العُرْي والسفور" وهو الذي لم يتخلص بعد من "ماسْكات ومكياج سحنة الشيخ الشعراوي" كدورٍ منطقيٍ مناسبٍ لفنان "تائب" عاودَ التمثيل بعد فترة اعتزال طويل؟! و إذا كان "العُري والسفور" أمراً مقبولاً ومسألةً لا غبار عليها بالنسبة "للشيخ حسن" فما هي دوافعه منذ البدء – ل"التوبة" واعتزال الفن؟! إن صرْعة اعتزال الفنانين والفنانات و"توبتهم" التي شهدتها نهايةُ ثمانينيات ومطلعُ تسعينيات القرن الفائت كانت في معظم دوافعها – بطبيعة الحال – سياسية ومتعلقة بالتغَوُّلِ السعودي "اللابس مسوح الفضيلة والدين" في أحد أبرز قطاعات الاقتصاد المصري متمثلاً في سوق الإنتاج الفني والسينمائي... والتوبة على هذا المصاف ، لم تكن في الغالب – عودةً إلى الله عن " خطيئة الفن " ، بل انضواء في كَنَفِ جماعات الإسلام السياسي والعمل ضمن مشروعها الرجعي أساساً، بمافيها الجماعات السلفية التي ثَبتَ مؤخراً أنها جناح تكتيكي ملحق بالإخوان المسلمين وسياسية في المقام الأول وإِنْ بصورةٍ غير مباشرة. لقد أعتزل حسن يوسف التمثيل؛سياسياً وعاوده سياسياً ؛ لأن مذهب "الجماعة" لايُمانع من لَعِبِ أي دورٍ مهما كان مُجافياً للفضيلة بتعريفها الظاهري لديهم؛ مادام "في سبيل الله والجماعة وخدمةً لأهدافهم"! عاد "حسن يوسف" ليلعبَ دوراً يُجَسِّد فيه عذابات الجماعة و"طريق الآلام" الذي عبروه لاسترداد ما يرونه "حقهم الشرعي في ولاية مصر وحكمها"؛ أما مصر فقد جَسَّدتها "غادة عبدالرازق – زهرة". تتعرَّض "زهرة " الشابة الحسناء والفقيرة في الحلقات الأولى من المسلسل للاغتصاب؛ وهي حادثةٌ تحمل دلالةَ الاحتلال الذي تعرضت له مصر - كعلاقة بالإكراه - من قِبَلِ الفرنسيين والإنجليز مع "سقوط دولة الخلافة" التي يُمثِّل هاجس إقامتها مجدداً بؤرة أيديولوجيا جماعة الإخوان.. فجأةً يبرزُ "الشيخ فرج – حسن يوسف اللي بيخاف ربنا" في صورة المنقذ ويعقد قرانه بزهرة لتنتقل الشابة التعيسة إلى كنف الرفاه دفعةً واحدة و"تتحرر من عقدة الاغتصاب- الاحتلال" في إشارة واضحة إلى دور الإخوان المسلمين المزعوم في ثورة "يوليو 1952م"؛ والى أول رئيس مصري شرعي تولَّى الرئاسة عقبها ممثلاً في اللواء محمد نجيب؛الشخصية الأقرب للإخوان ولرؤيتهم التقليدية المحافظة.. وكما انتهى الحال ب"نجيب" مخلوعاً ورَهْنَ الإقامة الجبرية واعتُقل المئات من رموز وكوادر قيادة الجماعة وتم حظرها سياسياً ؛ وجدَ الحاج فرج نفسه في السجن وتزوجت "زهرة – مصر" برجل آخر وأصبحت كل ثروته في قبضتها.... بِحسبةٍ بسيطة فإن أزواج زهرة الأربعة هم تماماً المعادل الموضوعي لأربعة رؤساء حكموا مصر في حين يبقى مصير "الزوج – الرئيس الخامس" مرهوناً باستماتة " الحاج فرج – الجماعة" للاقتران ب"زهرة – مصر" مجدداً! و إذا كان "الحاج فرج" هو الشخص الأول الذي أقترن بها شرعياً فإنه أيضاً الوحيد الذي أنجبت منه ولدها الأول؛ كترميز للخصب الذي يُحدثه الإخوان بحكمهم مصر كما وحبِّ الشعب لهم....الشعب المتجسد على هيئة "الإبن"! لقد خلعت زهرة زوجها الحاج المعتقل ؛بصورة قانونية . لكنه يُصر عقب خروجه والإفراج عنه "الانفتاح الساداتي" على أنها لا تزال زوجته وأن علاقتها بالثلاثة الآخرين "سِفاح باطل ولايقره الشرع"؛ لذا فإنه يجاهد مستميتاً بكل طاقته وأمواله لاستعادتها والضغط عليها ب" إبنها – الشارع الشعب التغيير الراديكالي"الذي أصبح مجدداً تحت تصرُّفه بموجب الأبوَّة "العمل الخيري والهيمنة عبر شبكة استثمارات الإخوان"..... إن فوز مرشح الإخوان لرئاسة مصر عقب " ثورة يناير 2011م" يُمَثِّل نهاية ملائمة لمسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة"؛ فالثورة التي يُعادلها كفاح "الحاج الخارج من المعتقل" لاستعادة زوجته؛ تنتهي على الواقع بصعود رئيس إخواني عبر فوز أنتزعه بالكاد في منافسة شرسة مع "الفلول – الأزواج غير الشرعيين لزهرة – مصر"....و تفيد السيرة الذاتية ل"مرسي" أيضاً بأنه تعرض للاعتقال والسجن ؛ تماماً كنظيره الدرامي "الحاج فرج"! كان يمكن لهذا التطابق بين المضامين الخفيَّة للمسلسل وبين الواقع السياسي لجماعة الإخوان في مصر؛ أن يكون محض صدفة أو ألَّا يلفت انتباه أحد بالأحرى؛ لولا الظهور النشاز والباغت ل"الفنان التائب" بشاربه الحليق ولحيته الكثة وسُبْحَته وجلبابه وعبارات التقوى والإيمان التي لا يفتأ يرددها وسرعان ما تتكسر وتغدو هشيماً تذروها الرياح في مهب زوبعة الجسد الفائر ل" زهرة ". إن "غادة عبدالرازق" لا تعاني من "فوبيا هيمنة الإخوان على السلطة في مصر" كالحال مع معظم نظيراتها في الوسط الفني ، وهي تُؤَيد فكرة مَنْحِهم فرصة للحكم ، كما نَقَلَتْ الصحافة المصرية عنها ب"المانشيت العريض"... و الأسبوع الفائت أكدت غادة لوسائل الإعلام دون مواربة بأنها صوَّتتْ لمرشح الإخوان "محمد مرسي" وأعقَبَتْ " خلِّينا نِجرَّب البعبع اللي عمالين يخوفونا منه"! إنها تطمينات جديرة بأن تُهدِّئ من روع الأكثرية المذعورة من تَغَوُّل جماعات الإسلام السياسي، بَعَثَتْها فنانة جديرة بالثقة ولاجدال حول ضخامة رصيد خبرتها بهم... من يدري فربما تشهد الأيام القادمة عودة "الفنانات التائبات" الى واجهة المشهد الفني أفواجاً؛ خلافاً للمُتَوَقَّع وقد تكون "شمس البارودي" على رأس هؤلاء العائدات! ملحوظة جَدْ جداً: غادة عبدالرازق تزوجت بالفعل الأسبوع الفائت في غمرة العرس الانتخابي!-