قبل خمسة أشهر وتسعة عشر يوماً من موتك قلت لي إن فراق الأعزاء مر جداً بعد أن رويت لي وفاة أمك وأنت في السجن ولم تتمكن من رؤيتها. بالفعل لا شيء أمر من فراقك ياغزوان تمر الأيام مسرعة جداً تتضارب الأحداث التي كنت تدونها في أوراقك في زاويتك بعد أن ترتدي نظارتك التي لازالت تنتظرك هناك فوق الورق ولاشي يوقف خيالك وكلماتك التي تمر كشريط حفر في تفاصيل حياتي اليومية لاشي جديد إلا ماقلته مسبقاً وأنت على فراش الموت... لازالت الأوراق تنتظر إكمال تحقيق نازحي "أحور" في أبين في آخر سفرياتك التي كشف عنائها مرضك. لازال أبريق الشاي الكهربائي ينتظر هناك بأن تملأه بالماء وتضيف خلطتك التي "تطلع الكيف" كما كنت تقول. لا زالت أغصان شجرة العنب تتدلى منتظرة قدومك لتسقيها كي تبدو في المنظر الذي يزدان بها حوش منزلك، حتى القطة السوداء تأتي كل يوم باحثة عن الوجبة التي تشتريها كل يوم. لازال هاتفك المحمول يضج بالرنين من أرقام معروفة وغير معروفة توافيك بالأخبار وتستفسرك عن أخبار وتطمئن على صحتك وتسأل عن جديدك وسبب انقطاعك وحقيقة موتك. أجبت على كل اتصالاتك كما قلت لي لكنهم لا يعلمون أن غزوان ودع الحياة وتركها لمن كان يصفهم "بالزنادقة والعملاء" ترك عدن وترك صنعاء وصعدة وحجة وأبين والمكلا وسيئون وحضرموت وإب وتعز وذمار وسقطرى والمهرة وكل المدن التي تعرفه جيداً. نبرة الحزن والصوت المنكسر هو الرد الذي يواجه به أصدقاؤك خبر موتك. الحوثي، القاعدة،المؤتمري، والاسماعيلي، والاشتراكي، والماحيد، كلهم ياغزوان، كلهم بلا استثناء يروون لقاءاتهم الأولى بك التي دونت صداقة دائمة، ويقنون أنك عين الحقيقة وآخر الصحفيين الصادقين. لازال أحمد في السجن لعامه ال 13 ومحكوم عليه بالإعدام ينتظر قدومك ليستنجد بك وهو على اعتقاد بأنك أمله الأخير. وعصا المكنسة هناك على انتظار أن تحمله وتبحث عنا منادياً: "يازناديق مش انا قلت لكم لا تسرقوا اقلامي". لازال احمد الحسني مصر على أن السجائر لا تفطر في رمضان ويضرب مثل أمه التي تستنشق الدخان كل يوم في رمضان وهي تخبز بالحطب. لازال عبدالله هاشم الحضرمي وفي للغاية مع موظفية وسنداً في كل مصائبهم، مازال بنو أمية ينتظرونك كل يوم في بدروم الصحيفة لتوزع نصائحك وتعليماتك وتعقيباتك ونكاتك بينهم. والزنديق مراد يردد كلمة حتى اليوم "اسمعني" كل ماتحدث مع أحدهم. لازلت انا انتظر كل يوم اتصالك الذي سيتضمن "فينك ياولدي مابتبطل نوم وتشتي تكون صحفي.. هيا منتظر لك على الغداء لاتتاخر وتخليني انتظرك كثير والله لا أزعل" ذكرياتك تلازمني كل يوم وخاتمك لا يفارق أصبعي، ولازلت انتظر كلماتك التي تطمئنني حين يقلقني شيء في مستقبلي لازلت أراك قدوتي وأسمعك كل يوم تلقي بأذتي النصائح وتقول: "ياولدي ماحد بينفعك ومابيتحملك إلا ظهرك، استمر بالصحافة ومستقبلك كبير في هذا المجال" لاشي جديد ياعم غزوان سوى اني اشتقت لك...