ثمة من لا يريدون للحروب أن تتوقف مستقبلاً يا ياسين، وأنت على رأس المطالبين بموقف أخلاقي جذري وحقيقي من الحروب الماضية وإدانتها والتعهد من الجميع بعدم تكرارها بعد أن أنهكت البلد طويلاً كما ضربت الأخلاقيات الوطنية في الصميم.. ثم إن هؤلاء يعتبرون الحروب مستقبلهم الحيوي أصلاً، فيما يخاصمون محاولات الاعتذار الرسمي للمحافظات الجنوبية وصعدة عن حرب 94م والحروب الستة التي وقعت خلال السنوات الماضية في شمال الشمال؛ إذ تنطلق أنت من موقف المسؤولية بينما أولئك لا يتشبثون إلا بموقفهم اللامسؤول. وكذلك تأمل الخروج بموقف أخلاقي جديد إزاء الحروب بشكل عام ومن أجل إنجاح الحوار الوطني، بينما يعتبرون في هذا المسعى قطع أرزاق أكيد لهم. على أنك بشكل بديهي تعتبر أن الحروب والعنف خلقت الفجوات الوطنية، وبالسليقة يرون أن زوالها سيخلق فجوات لا تحتمل في أرصدتهم, ولأنك تنظر بعمق وطني لاسيما بعد ثورة التغيير التي سقط فيها مئات الشهداء بضرورة أن يقدم النظام السياسي نفسه بوجه أخلاقي جديد يدين فيه الحروب والعنف، يؤمن هؤلاء أنهم النظام كله، بل ويؤمنون أكثر بأن منطقهم فيه شفاء للناس وأن الثورة السلمية لا تريد سوى الحروب والعنف، حتى إنهم سيحاولون إقناعك - كما يخيل لي - بأنها الأمنية الأخيرة التي كانت في قلوب الشهداء قبل أن يلفظوا أنفاسهم. وهكذا.. أنت لا تجد أن هناك من سيتعالى على قضية من هذا النوع لا أخلاقياً ولا وطنياً، غير أنهم صاروا يتفقون تماماً بأنك تعاليت فوق ما يلزم على قضيتهم الوطنية الأساس يا ياسين.