تعاني بلادنا -كغيرها من الدول الفقيرة- من انتشار هذه الأدوية في الأسواق بسبب رخص أسعارها مقارنة بالأدوية الأصلية. حيث يضطر المرضى الفقراء للإقبال عليها نظرا لانخفاض أسعارها، إذ تباع بعض الأدوية المقلدة بحوالي 10% من أسعارها الأصلية. الأسرة والمجتمع سلط الضوء على هذا الموضوع ورصد التقرير التالي: ظهرت مشكلة تزوير الدواء وتهريبه في بلادنا بصورة جلية، كونها إحدى دول العالم النامي التي تعاني من صعوبات اقتصادية وأمنية، ولديها إشراف دوائي ضعيف على السوق الدوائية المحلية. وتؤكد إحدى الدراسات أن مشكلة تزوير الدواء في اليمن يقارب عمرها العشرة أعوام (منذ عام 2005م). وتشير التقديرات الرسمية بأن نسبة الأدوية المهربة والمزورة لا تتجاوز 10%, بينما تشير التقديرات غير الرسمية بأن النسبة تصل إلى 60% من إجمالي السوق الدوائية المحلية. وعلى الرغم من انتشار الأدوية المزورة وتهريبها في البلاد وانعكاساتها الخطيرة على كل من المجتمع والدولة لا توجد إجراءات حاسمة وملموسة لمكافحتها على أرض الواقع.
الفرق بين المغشوشة والمقلدة يقول مالك إحدى الصيدليات بأمانة العاصمة صنعاء (فضل عدم ذكر اسمه) ل(الأسرة والمجتمع): أن تهريب الأدوية المغشوشة إلى داخل البلاد يتم عبر الموانئ كميناء المخا وغيره للكميات الكبيرة، أما تهريب الكميات القليلة فيتم عبر المطارات عن طريق تجار الشنط، وأوضح أن الأدوية المغشوشة يتم توزيعها مباشرة على الصيدليات وليس لتجار الجملة، مبينا أن العلاجات التي ممكن أن تقلد هي العلاجات الشعبية مثل مسكنات الألم التي لا تحتاج إلى (رشته) من الطبيب، أما العلاجات المغشوشة فهي كعلاج (آنتيدي) لتثبيت الحمل. أما عن الفرق بين العلاجات المقلدة والعلاجات المغشوشة فهي أن السعر أقل، واختلاف شكل باكت وشريط العلاج، كما أن العلاجات المقلدة لا تضر المريض وأيضا لا تفيده، أما العلاجات المغشوشة فهي خطرة وتضر صحة المريض الذي يتناولها. منوها بان بعض العلاجات يتم تجديد تاريخها بعد انتهاء صلاحيتها.
خطر الأدوية الأصلية المهربة صيدلاني آخر (فضل عدم ذكر اسمه) أوضح: أن أكثر الأدوية التي يتم تهريبها هي ال(Anti- D) & وال(Albumin) نظرا لعدم توفر شركات كافيه للاستيراد الرسمي وتغطية حاجات السوق والكثير من الأدوية غيرها، وأكد أن تهريب الأدوية المقلدة والمغشوشة يكون غالبا عن طريق البر والبحر، وأشار إلى أن خطورة تهريب الأدوية الأصلية المصنعة طبقا للمواصفات العالمية تكمن في أنها تتعرض لدرجات حرارة ورطوبة عالية وبالتالي سميتها تزيد عند الاستخدام. وعزى سبب تهريب الأدوية الأصلية إلى عامل السعر الأقل عند استيرادها رغم وجود وكلاء لهذه الأدوية محليا، وسعرها الأغلى يظل سببا للتهريب، مسترسلا أن السبب الرئيسي هو عدم فعاليه لجان مكافحه التهريب وانتشار الفساد وعدم وجود القوانين الكافية الرادعة التي تطبق أشد العقاب عند ضبط المهربين، مستشهدا أن معظم تجار جملة الأدوية لا يحملون حتى شهادة الثانوية العامة، إذ تم التحايل قانونيا -بحسب قوله- على هذه المسألة بإلزام تجار جملة الأدوية أن يكون لديهم دكتور صيدلاني لديه تصريح الإشراف على تجارتهم، ولكن الحقيقة أنه لا يكون لهم أي دور سوى اسم إشرافهم على التراخيص خصوصا تجار الجملة الذين يتجهون للتهريب بدلا من أخذ الأدوية من التجار المستوردين رسميا للأدوية. وأكد أن ما يزيد الطين بله انه يتم تهريب أدوية مغشوشة (أدوية لها الشكل نفسه للأدوية المرخصة والمسجلة، ولكن لا يوجد فيها أي مواد فعالة، وأحيانا يتم تصنعيها بدول جنوب شرق آسيا أو بمعامل وأحيانا بمعامل على سفن في البحر)، مبينا أن التهريب يشمل دواء معروف مصنع رسميا تزيد سميته، والمتضرر هو المريض أو تهريب أدوية مغشوشة لا تحتوي على أي مادة فعالة. واستطرد انه تم عمل عشرات الحملات التوعوية لمواجهة خطر التهريب، والجهات المعنية لديها كل الوثائق الرسمية على نزاهتها تستخدمها عند أي مسألة. مختتما بان كل المهربين يعلمون على الإضرار وكل الأطباء والصيادلة لديهم الدراية الكافية، ولكن العائد المربح والغنى الفاحش من جراء التهريب يظل وسيظل موجود في بلدنا في ظل انعدام القانون والجدية وحب البلد.
ضرر الأدوية المغشوشة عن مدى ضرر الأدوية المغشوشة تحدث الدكتور أحمد عبده القباطي (نائب مدير عام الرقابة والتفتيش بوزارة الصحة) في تصريح ل(الأسرة والمجتمع) أن المنتجات الدوائية المغشوشة عبارة عن سموم ناقعة، يتجلى ضرر تداولها من خلال دفع تكاليف وأثمان باهظة لهدف الحصول على العافية وتحسين الصحة إلا أنه في المقابل يحصل عكس ذلك فتزداد الأحوال الصحية للمرضى سوءاً وينتج عن ذلك آثار نفسية وصحية عكسية مضاعفة لنصل في نهاية المطاف إلى تدهور قوى العمل في المجتمع وقلة الإنتاجية ويختتم بفقدان الثقة.
عوائق العملية الرقابية وعن العوائق والتحديات التي تواجه العملية الرقابية قال الدكتور المقطري إن عدم إلزام الوكلاء والشركات بتوفير أدويتهم بشكل منتظم طوال العام، وعدم وجود قائمة متجددة للأدوية الحيوية والمنقذة للحياة وأصناف الأمراض المزمنة، وعدم وجود إحصائية للمصادر من الأصناف الواردة في النقطة السابقة، تعد من أهم العوائق التي تواجه العملية الرقابية. كما أن عدم تطوير التشريعات واللوائح لسد الثغرات القانونية، وانحصار ومحدودية فريق الرقابة الذي لا يلبي حجم التمدد في للسوق الدوائية، وغياب الخارطة الصيدلانية والصحية الوطنية، وإقدام بعض الوكلاء على بيع بعض الأصناف بنظام الصفقة الواحدة، وتأخر صدور قانون الصيدلة والدواء لأكثر من 15 عاماً، مثًل تحديات أمام العملية الرقابية.
ظاهرة مهيمنة من جهته قال الدكتور فضل منصور رئيس جمعية حماية المستهلك في تصريح ل(الأسرة المجتمع): إن ظاهرة الغش والتقليد والتهريب أصبحت مهيمنة على التجارة والأسواق بشكل عام، وكل ما هو معروض من سلع تجارية وغيرها مغشوشة ومقلدة وشكلت ظاهرة خطيرة، وأضاف أن الأسواق أصبحت تبيع هذه السلع وهي المسيطرة عليها والأدوية جزء من هذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة, للإنسان والمجتمع والاقتصاد, وهي لم تكن محلية وإنما تنتشر في جميع دول العالم ولكن بنسب متفاوتة حسب قوة الأنظمة وتنفيذ القانون. وأكد انه في اليمن يستغل احتياجات المواطنين وتدني مستوى المعيشة, فيلجئون لتوفير احتياجاتهم من هذه السلع التي تملأ الأسواق, وكلما مر عام زاد الغش والتقليد والتهريب, خاصة في هذه الأيام نتيجة الاوضاع الحالية التي تعيشها اليمن والاقتتال الداخلي واختفاء الكثير من الأدوية, وغياب دور الدولة والرقابة فينتشر الدواء المقلد والمغشوش والمهرب, لتلبية احتياجات الناس. وأشار إلى أن جمعية حماية المستهلك مهتمة بهذا الجانب منذ إنشائها، حيث عملت على نشر التوعية بين أوساط المجتمع من خلال الندوات وورش العمل والمطويات ووسائل الإعلام المختلفة, والتنسيق مع الجهات المختصة مثل الهيئة العليا للأدوية ووزارة الصحة والمجالس المحلية, وإعداد دروس بالتربية الوطنية لطلبة الصف السابع, إلا أن ضعف الرقابة وغياب الدولة يشكل مرتع خصب لانتشار وكبر حجم الظاهرة, منوها بان الجمعية كانت قد طالبت قبل ثلاثة أعوام الحكومة بعقد جلسات لمجلس الوزراء للوقوف على هذه الظاهرة الخطيرة التي تدمر المجتمع واقتصاده, ولكن دون جدوى, كما طالبت الجمعية أمين العاصمة في شهر رمضان المنصرم بتفعيل دور الرقابة الغائب على الكثير من السلع بما فيها الأدوية.
عقوبات قانونية المحامي أحمد علي أوضح من جهته في تصريح ل(الأسرة والمجتمع): أن القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات المادة (312) فقرتين ثالثاً ورابعاً.. نص على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة). ثالثاً: من غش أو شرع في أن يغش شيئاً من غذاء الإنسان أو الحيوان أو العقاقير الطبية أو الحاصلات الزراعية أو المنتجات معداً إياها للبيع، أو طرح شيئاً من ذلك أو عرضه للبيع أو باعه مع العلم بغشه أو فساده. رابعاً: من طرح أو عرض للبيع أو باع مواد مما يستعمل في غش أغذية الإنسان أو الحيوان أو العقاقير الطبية أو الحاصلات الزراعية أو المنتجات الطبيعية على وجه يتنافى مع استعمالها استعمالاً مشروعاً. وتضاعف العقوبة إذا كانت المواد التي تستعمل في الغش ضاره بصحة الإنسان أو الحيوان. خامساً: كل من يخالف المواصفات المعتمدة، أو القرارات الصادرة من الدولة بغرض حد أدنى، أو حد معين من العناصر الداخلة في تركيب المواد الغذائية أو العناصر الطبية أو من بضاعة أو منتجات أخرى معدة للبيع أو فرض أوان أو أوعية معينة لحفظها أو طريقة معينة لتحضيرها.
كما نص القانون رقم (16) لسنة 2007 م بشأن ألتجاره الخارجية المادة (20) فقره 5/ ب: أن يعاقب كل من استورد سلعاً غير صالحه للاستعمال الآدمي من الأغذية وما في حكمها أو كانت مغشوشة أو مزورة بأي شكل من إشكال التزوير يعاقب بإتلاف تلك المواد على نفقة المخالف وبغرامه لا تقل عن (20%) من قيمة تلك السلع وبالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وفقاً لما تقرره المحكمة.
أما مادة (22) فقره (أ) فقد نصت على: تضاعف الغرامات الواردة في المادة (20) كلما تكررت المخالفة. وفي قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (469) لسنة 2010م بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم (16) لسنة 2007م بشأن التجارة الخارجية. مادة (29): يمنع استيراد وإدخال واردات إلى موانئ الجمهورية من السلع غير المطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة في الجمهورية اليمنية أو غير صالحة للاستهلاك الآدمي أو المقلدة والمغشوشة بأي شكل من الأشكال أو التي تم وضع بيانات عليها تخالف حقيقتها أو عديمة الهوية والمصدر أو منتهية الصلاحية أو قاربت صلاحيتها على الانتهاء.
تهرب من التصريح أخيرا، العديد من مسئولي الجهات الحكومية ذات العلاقة كنائب الهيئة العليا للأدوية لشؤون الجودة الدكتور عصام الرميمة، وكذلك مدير عام مؤسسة الإمداد الدوائي الدكتور عبدالكريم الدغيش تهربا بطريقة أو بأخرى من الإدلاء بتصريح حول هذا الموضوع والإجابة عن الأسئلة التي طرحها عليهم الملحق، وهو الأمر الذي أثار حولهم الشبهات ووضع العديد من علامات الاستفهام.