تشق سيارة نقل الماء طريقها نحو وجهتها، حيث ينتظرها السكان بفارغ الصبر. وتعترضها نقطة تفتيش حوثية، ثم يُجبر سائقها على التوقف. تصدر توجيهات بإفراغ الماء على الأرض، يحتدم النقاش بين أفراد النقطة والسائق. في الأثناء، يصعد أحد أفراد النقطة على سطح صهريج الماء، يفتحه ويتبوّل بداخله. تتعالى ضحكات الحوثيين، قبل أن يقول قائدهم للسائق: «فلتذهب بالماء الآن لتسقي أهل تعز». حدث ذلك في منطقة بئر باشا بمدينة تعز التي تحاصرها مليشيات الحوثي، وتمنع عن أهلها الماء. ويقول سكان المنطقة إن الإنسانية لم تعش هذا السلوك الشائن الذي يمارسه الحوثيون وأنصار المخلوع بحق أبناء جلدتهم. ويقول الكاتب والمدون الصحافي متولي محمود: «في تعز، بات الحصول على غرفة ماء ضرباً من الحظ في ظل حصار لا إنساني لا تمارسه سوى ميليشيات موت الطائفية. بات سماع بكاء أطفال من العطش مشهداً يومياً يدمي القلوب». ويضيف محمود: «أخبرني صديق يملك سيارة نقل ماء يعمل لحساب إحدى المجموعات التجارية أن مليشيات الحوثي منعته في أحد مداخل المدينة من إدخال الماء». ويضي ف إن الحوثيين أخبروا صديقه بأن ينقل الماء إلى مناطق الحوثيين! ويردف محمود: «شاهدتُ الأطفال وهم يغترفون حصاد المطر بشغف، يدخرونه للشرب لأيام. نزل المطر على المدينة المحاصرة، رغم أن الخريف طرق أبوابنا منذ أسابيع، لله الحمد والمنة. ما يعيشه أبناء تعز يدق أجراس الإنسانية وضمير العالم، ويضع مصداقية ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان على المحك». طوابير وقتل ويؤكد أحد القادة الميدانيين أنه أصبح ممكناً رؤية الطوابير الطويلة الممتدة أمام بعض أماكن بيع مياه الشرب، حيث ارتفع سعر عبوة المياه سعة عشرة لترات من 100 ريال إلى 500 أي نحو ثلاثة دولارات. ويقول عبد الفتاح المحويتي، من أبناء المدينة: «كل يوم وأسعار الماء ترتفع، ويقل المخزون لدى البائعين نتيجة لحصار مليشيات الموت». ويضيف المحويتي: «لكن قسماً بالله لن تنخفض لنا رأس أمامنا ولو غادرنا أحباؤنا جميعاً. نحن صامدون». أما أحد أبناء تعز ويدعى عبد الرحمن الشوافي فيقول: «ما إن تمر في أحد شوارع المدينة وبيدك علبة ماء، إلا وتتجه أنظار المارة إليك ويتهافت الكل سائلاً بدهشة: هذا ماء؟!، من أين حصلت عليه؟! وكيف؟!». ويضيف الشوافي: «لم يسبق في تاريخ الحروب على مر العصور أن تحاصر مدينة مكتظة بملايين البشر من كل مقومات الحياة، ويمنع أهلها من الخروج منها وفوق ذلك يقصفون بالقذائف والصواريخ ليل نهار. لا يكفي الكلام لإظهار المأساة والمعاناة، لكن بإمكانك أن تلخص حال المدينة المحاصرة فور وصول صهريج ماء لأحد شوارع تعز لترى الحشد الذي يخبرك بشيء واحد فقط هو أن تعز تُقتل ببطء، وأن كارثة إنسانية كبرى بانتظار المدينة المنكوبة». مسيرة الغد ودفعت المأساة ناشطين يمنيين للدعوة لتنظيم مسيرة ضخمة غداً الثلاثاء تنطلق من محافظة إب إلى تعز المجاورة، لكسر الحصار الذي تفرضه مليشيات الحوثي والمخلوع على المدينة. ويقول الصحافي والناشط محمود ياسين ومنسق المسيرة: «نهدف من خلال المسيرة التي أطلقنا عليها اسم (مسيرة الماء) إلى إحضار المئات من سيارات محملة بالماء لكسر الحصار وإنقاذ أطفال تعز الذين تمنع عنهم مليشيات الحوثي والمخلوع الغذاء ومياه الشرب. كما نأمل لفت أنظار العالم إلى المدينة المحاصرة، وإلى ممارسات المليشيات اللا إنسانية والتي لم يشهدها العالم أجمع». وأشار إلى أنه «تم إبلاغ الصليب الأحمر والأممالمتحدة وجهات أخرى بموعد التحرك وهدف المسيرة»، مضيفاً: «المسيرة كذلك هي مسيرة الماء رداً على لغة الحرب، وأن المدن اليمنية لا تدع أخرى لها تحاصر وتموت وتختنق ولا تقوم بإغاثتها». ويضيف ياسين: «ما يزيد على مائة صهريج ماء تم إعدادها، والعديد من الناس أعلنوا تبرعهم بمبالغ مالية وحتى لحمل الماء على ظهورهم». ومن المفترض أن ينضم للمسيرة، التي ستنطلق صباح الثلاثاء، ناشطون وشخصيات اجتماعية من مختلف المحافظات، لإكسابها زخماً يليق بتعز. وتعيد هذه المسيرة إلى الأذهان «مسيرة الحياة» الراجلة، والتي نظمها أبناء تعز إلى صنعاءإبان ثورة فبراير، والتحق بها ناشطون من محافظات أخرى، والتي حظيت باهتمام كبرى وسائل الإعلام العالمية. وقفة احتجاج ونفذ العشرات من أطفال مدينة تعز أمس في شارع جمال عبد الناصر وسط المدينة وقفة احتجاجية تنديداً بالقصف العشوائي اليومي الذي تشنه مليشيا الحوثي وصالح وصمت المجتمع الدولي إزاء ما تتعرض له المدينة من قصف وحصار مطبق منذ أشهر طال مياه الشرب والوقود. وحمل المحتجون لافتات وصوراً لعدد من الأطفال الذين لقوا حتفهم بقصف حوثي في أحياء تعز خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع حملة أطلقها ناشطون في محافظة أب المجاورة لتنظيم مسيرة كبيرة لناقلات مياه الشرب لفك الحصار عن سكان مدينة تعز. وحمل المشاركون في الوقفة الاحتجاجية لافتات رسم عليها صورة لطفل كتب عليها: «قتل 6 أطفال وهم يبحثون عن قطرة ماء»، فيما كُتب على لافتة أخرى حملتها طفلة في الثامنة من عمرها: «لسنا حقول تجارب لجرائمكم. ارحلوا عن مدينتنا»، في إشارة إلى مسلحي الحوثي. مناشدة وموت وناشدت اللافتات التي حملها أطفال تعزالأممالمتحدة العمل على فك الحصار الذي يفرضه الحوثيون ويمنعون دخول المواد الغذائية ومياه الشرب. وأكد أطفال تعز من خلال هذه الوقفة مناشدتهم العالم أن يعمل عبر الدول والمنظمات على «إيقاف أسلحة الموت اليومية التي تمارسها جماعة الحوثي وقوات صالح بحقهم، ومعاقبة القتلة وتتبعهم وضمان عدم إفلاتهم من أفعالهم الإجرامية العمدية، وتعويض الأطفال الضحايا وعلاج الجرحى خصوصاً الذين بحاجة لتدخل جراحي متقدم، وفك الحصار المشين الذي ترتكبه هذه الجماعة بحق أطفال تعز وبقية المدنيين حتى وصل الحال لمنعهم من الماء الذي يعد أساس الحياة». تنديد ندد بيان صادر عن الحملة ب«الصمت المخزي الذي يمارسه المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان والهيئات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان على الجرائم اليومية بحق أطفال تعز ودمائهم التي تسال في المنازل والشوارع عن عمدٍ». ويأتي ذلك فيما تواصل القصف المدفعي الذي يشنه الحوثيون على أحياء تعز، حيث تساقطت قذائف هاون في عصيفرة والروضة ما أسفر عن مقتل مدنيين وإصابة 23 بينهم أطفال ونساء.