قذيفتان سقطتا على تراب تركيا من الأراضي السورية، انقلب على أثرهما السحر على الساحر وعصفت الاحتجاجات الشعبية بأنقرة... لم يتهم المحتجون النظام السوري بالمسئولية عن هذا الخرق العسكري لسيادة تركيا، بل رشقوا "حزب العدالة والتنمية الحاكم" بسهام غضبهم، فما كان هذا الخرق ليحدث لو أن "أردوغان" لم يُبح "800 كم" من حدود بلدهم مع سوريا للعصابات الإرهابية المسلحة التي تتلقى الدعم والتدريب على التراب التركي وتتخذ منه قاعدة لضرب الدولة السورية وشعبها.. وضعت الحكومية التركية نفسها في ورطة؛فعليها أن تثبت لشعبها أولاً ثم للآخرين أن مصدر النيران ليس العصابات المسلحة بذات الأسلحة التي استهدفت أراضي تركيا..وستبدو في نهاية المطاف إما عاجزة أو متواطئة.. وسيتحتم عليها – حينها - أن تكف عن تسليحهم ودعمهم أو أن تستمر وتدفع ضريبة الاستمرار لمزيد من الفوضى والانفلات الذي لن يقتصر على التماس الحدودي بل سيطال عمقها! تطلع أكثرية الأتراك لليوم الذي تصبح فيه بلدهم عضواً في الاتحاد الأوروبي، فأفاقوا وقد طار من يدهم العصفور الوحيد لعلاقة استثنائية طيبة كانت تربطهم بسوريا العربية، وتقزّمت تركيا لتصبح دمية في يد "الناتو"، وحاضنة رسمية للإرهاب المعولم، وتلاشت إمكانية انتشارها السلس شرقاً وجنوباً في محيطها الإسلامي صوب حلم الإمبراطورية الذي وعدها "أردوغان" بتحقيقه.. لا مؤشرات على أن عنقاء الخلافة العثمانية ستنهض من رماد التاريخ لتعود إلى الوجود، وعوضاً عن ذلك نجح "أردوغان" -فقط- بأن أعاد إلى الأذهان "غباء بني عثمان الشهير"والذي لطالما وصموا به، بعد أن كاد يصبح مستحاثة متحفية ويتبخر من ذاكرة شعوب المنطقة. ما هو مكسب تركيا من مقامرات هذا الإمبراطور الأخرق بعد أكثر من عقد على حكمه؟!. حتى "بروبوجاندا سفينة مرمرة الدعائية" التي حاول "أردوغان" أن يسوِّق نفسه من خلالها في الشارعين العربي والإسلامي، انتهت إلى الفشل، وأفضت إلى نقيض الغاية منها، فبدلاً من أن يرفع "أسطولُ الحرية" المُسَيَّر برعاية تركية غير رسمية؛ شعبيةَ "أردوغان" إقليمياً؛ عبر كسر "الحصار" الفاشي والجائر حول "غزة"، خفض مقتل تسعة أتراك في المياه الدولية على أيدي "الكوماندوز الإسرائيلي" شعبيةَ الرجل محلياً بصورة حادة، حيث بدا رئيس الوزراء، الذي أوشك أن يغدو بطلاً فاتحاً في عيون العرب والمسلمين، عاجزاً وعديم الحيلة بالمجمل إزاء مطلب الاقتصاص لمقتل مواطنيه التسعة.. وعلى صعيد المسألة الكردية فإن المزيد من الاعتقال والقمع والضربات الجوية الحربية على قرى ومناطق الأكراد، هو الترجمة العملية المباشرة للوعود الأردوغانية بتسوية هذا الملف سياسياً ورفع وتيرة التنمية في المجتمع الكردي الفقير والمهمل! إن مواقف "أنقرة" الداعمة والمشجعة علناً لتشظي المجتمع السوري عرقياً وطائفياً وانتهاك سيادة الدولة السورية على أراضيها وخيانة مواثيق الأمن المشترك بين الجارين، كل هذه المواقف التي لا تفسير لها سوى تبعية "أنقرة" العمياء "للناتو"، تعود لتصيب النسيج الاجتماعي التركي على هيئة ضربات مُرتدَّة بديهية، ويمثل خروج "علويي تركيا" في مظاهرة احتجاجية محذِّرة من "عواقب الأداء الأردوغاني المراهق"، إحدى تلك الضربات في العمق التركي.. حين تشعل النار في منزل جارك، فإن من الغباء أن تذهب إلى سريرك لتنام آمناً... لكن "أردوغان" يفعل ذلك، وحين تبدأ ألسنة اللهب بالتهام "بيجامة نومه" سيفيق مذعوراً ويفاجأ ولن يجد "أمريكا" إلى جواره حينها، فهذه هي –تماماً- النهاية التي يحث "الغرب الإمبريالي" تركيا على الانجراف إليها، عبر "حزب العدالة والتنمية الإسلاموي" كخطام ضليع في المؤامرة ليس إلا... يدرك أكثرية الأتراك هذه الحقيقة اليوم أكثر من أي وقت مضى..! شيئاً فشيئاً تتحول تركيا إلى نسخة أخرى من "باكستان".. مجرد "كامب أمريكي" قاحل، ومرفأ مهجور يرتاده مشاة البحرية والمارينز في المناورات، ويغادرونه مكتظاً بحطام قناني النبيذ والويسكي..