قبل موته بعام، وفي مهرجان الشعر العربي الدولي في القاهره التقيتُ الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش. أتذكر أنني قلت له يومها: أستاذ محمود .. لا أظن بأن أحداً يكرهك. وعندها ابتسم محمود ابتسامة أضاءت وجهه الحزين، وقال لي بالحرف: عبد الكريم ..هناك الكثير. بعد ذلك اكتشفت أن نصف الشعراء الفلسطينيين المشاركين في المهرجان لا يحبونه، ونصف الشعراء العرب يحسدونه. في قصيدته – أنا يوسف يا أبي يقول درويش: "أنا يوسف يا أبي .. إخوتي لا يحبونني، لا يريدونني بينهم يا أبي .. يعتدون عليّ، ويرمونني بالحصى والكلام، يريدونني أن أموت لكي يمدحوني". وقد مضى درويش بعيداً في شعره وبعيداً في الأرض..وعاد في كفن. كان الموت هاجس درويش الذي ذهب إلى أمريكا ليثبت لنا ما تنبأ به في شعره. يقول درويش: "وتموت وحدك، سوف تتركك البحار على شواطئها وحيداً كالحصى" ومات درويش وحيداً خلف البحار وفي قصيدة ثالثة يقول: "صدَّقتُ أني متّ يوم السبت قلت: عليّ أن أوصي بشيء ما.. فلم أعثر على شيء وقلت: عليّ أن أدعو صديقاً ما.. لأخبره بأني مت.. لكن لم أجد أحداً" وفي يوم سبت مات الشاعر ولم يجد أحداً بجانبه ليقول له :لقد مت. وفي قصيدة رابعة يقول: "يريدونني ميتاً ليقولوا لقد كان منا وكان لنا ".. وصدقَ درويش فالعرب لا يحبون المبدع إلا بعد أن يموت، وبعد أن يوارى الثرى، وبعد أن يتأكدوا من موته.