يخطر لي كل يوم سؤال عن حاجة الناس للنيل من السياسيين. وأنا سأواصل مشروعي هذا في هدم الجدار بين الناس والسياسيين، ليس للنيل منهم، ولكن للشراكة، محاولاً تقصي أرقام التليفونات والفاكسات والإيميلات، ويجب أن نفتح آذانهم لصوت الناس بالقوة. لا أتهم الصحافة هنا، غير أنهم تعلموا أكثر من طريقة لمخاتلة الصحافة بالدماثة أو شراء ذمة البعض وصمتهم، غير أن أسماء صحفية كثيرة لا تزال منحازة للناس. ما يهم هنا هو محاولة منح فرصة صحفية محايدة للغاية في جعل كل مظلوم وصاحب موقف صحفياً أو مستفيداً من قوة النشر وإيصال الموقف إلى أذن هذا السياسي المتملص. لقد اتصلت إحدى السيدات لتشكرني على منحها أكثر من 20 رقماً تليفونياً ل20 سياسياً تعتبرهم جميعاً متواطئين مع شيخ الجعاشن الذي نكل بأهلها، وهي تريد أن ترسل لهم جميعاً رسالة واحدة: "مكلف مظلومة من الجعاشن يا مخسور الذمة". من الذي وصلني عن اتصالات الناس بظالميهم، تأكد لي أن حالة نادرة هي التي تستخدم شريحة بدون اسم، أما الغالبية العظمى فيرسلون آراءهم ومواقفهم من تليفوناتهم وبأسمائهم، لدرجة تذييل البعض لرسائلهم بتوقيع على سبيل التحدي. كان عدد من المسؤولين، صبيحة اليوم التالي لنشر أرقامهم، مسترخين، يردون على أي اتصال، وأخبرني أحد أبناء إب القديمة أنه انتظر حتى فتح الوزير تليفونه، وضغط على المسجلة ليسمعه "الغضب الساطع آتٍ وأنا كلي إيمان"، وبصوت فيروز من أغنيتها الشهيرة "زهرة المدائن"، قد يخطر لأحدنا أن الوزير ربما لم يتعرف لهوية هذا الغاضب الساطع، غير أنه بالتأكيد سيتساءل بينه وبين نفسه عن جريمة ربما نسيها أثناء مرور وجوه كثيرة بذهنه لمظاليم قد يكون هذا الغاضب أحدهم. لا بطولات هنا، غير أنه من الضروري للغاية فتح كوة في تحصينات السياسيين، ليصرخ الناس منها "نحن نتألم". بث أغنية "الغضب الساطع" في أذن الظالم، طريقة ابتكرها عبدالمجيد مجلي، في ثمانينيات مدينة إب، وكان يتصل كل يوم بأحد مسؤولي المحافظة الذي ظلمه، ويسمعه الأغنية من مسجلة ناشيونال جاهزة ببطاريات جديدة، ومعبأة بغضب فيروز الذي أصبح غضب عبدالمجيد. لقد حصلنا على التقنية، وينبغي التمتع بمزايا المعلوماتية والاتصالات كمنفذ لصوت الناس بديل عن الذي جربوه من أحزاب. صوتهم الانتخابي يضمحل في تشعبات السياسة وضروراتها وتسوياتها، ناهيك عن أن عضو مجلس النواب لا يمكنه إيصال كل صوت باسمه. ويبقى أنه من المهم للغاية فهم أن هذا ليس اختراعاً خطيراً حينما نشرنا أرقام تليفونات السياسيين والمسؤولين. في أغلب بلاد الله، أصبحت ثورة المعلومات والاتصالات قيد الاستخدام الشعبي، ولا يمكن لسياسي التجرد على سدّ قناة في طريق صوت الناس، فتلك جريمة أخلاقية على الأقل. وأنا هنا قد احترت قليلاً فيما أنه كان ينبغي أولاً الإشارة في أول المقالة لقدرة هؤلاء على مخاتلة الصحافة، إذ قد يفهم البعض أنني أدين زملائي وما شابه. هذا لم يخطر لي إطلاقاً، رغم تأكيدي على وجود عينة رديئة من الصحفيين، على أن صحافتنا بطريقة أو بأخرى هي أقرب للناس. وبالعودة لأصل هذا الموضوع، سيكون النقاش حول منح المتضرر وصاحب الرأي والموقف شيئاً من قوة الصحافة، وبعيداً عن مخاتلة ومغالطة السياسيين لهذه القوة، ناهيك عن تهديد الصحفيين وابتزازهم بأكثر من طريقة. أما المهاجمون من بعيد عن طريق الرسائل، فلا يمكن مخاتلتهم إلا بأسلوب الهروب وتغيير الرقم، وأنا سوف أنشر أرقامهم الجديدة في حال استبدلوا بها الأرقام القديمة المنشورة. أما إن غيّر رئيس الجمهورية أياً من أرقامه، سواءً الفاكس أو السيار، فهذا يعني أنه أغلق السماعة في وجه الشعب.