العرب – تزامنا مع احتفال أهالي مدينة عدناليمنية التي تتخذها الحكومة المؤقتة مقرا لها بفعاليات مهرجان عدن النصر الذي نظمته هيئات مجتمع مدني بالتعاون مع السلطة المحلية في المحافظة، ابتهاجا بالذكرى الأولى لتحريرها من قبضة جماعة الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بدأت نذر تصعيد عسكري جديد تلوح في الأفق، بين القوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة، ومسلحي الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة أخرى، بعد نحو 3 أيام من إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، رفع جلسات مشاورات السلام اليمنيةبالكويت. وقد أكد عدد من المراقبين أن الأزمة اليمنية في تطوراتها منذ انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية المنتخبة في صنعاء سنة 2014 غالبا ما تتأثر بفشل المساعي الدولية في إيجاد حلول لها، وكلما فشلت مبادرة إقليمية أو دولية إلا وينعكس ذلك ميدانيا بالعودة إلى الاشتباكات المسلحة.
وعلى مدى 70 يوما، فشلت المساعي التي يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ في مشاورات الكويت والتي انطلقت في 21 أبريل الماضي وعلقت قبل 3 أيام، في التوصل إلى اتفاق بين وفد الحكومة اليمنية، ووفد الحوثيين وأتباع علي عبدالله صالح، نتيجة لتباعد وجهات النظر، وتمسك كل طرف بشروطه”.
ومساء السبت، عادت المواجهات مجددا إلى المناطق اليمنية المحاذية للحدود مع السعودية، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بعد أن سادها هدوء حذر خلال الأسابيع الماضية. وقال شهود عيان وسكان “إن طيران التحالف العربي شن نحو 6 غارات جوية على مواقع الحوثيين في تبة الأمن المركزي، وجمارك حرض، بمحافظة حجة شمال غربي اليمن”.
تصعيد خبيث
تقول تقارير إن التلازم بين العمل المسلح والمفاوضات يميل أكثر لصالح جماعة الحوثي الانقلابية وجماعة صالح، لأن الأمر قد يمكنهم في أضعف الحالات من الحصول على مكاسب سياسية تضمن لهم البقاء في جزء من السلطة عوض إخراجهم جميعا من دائرتها باعتبار نتائج الانتخابات الأخيرة، وفي هذه الحالة وبدعم مباشر من النظام الإيراني يصب الحفاظ على الحالة المتوترة في اليمن والمزيد من إدامة حالة الحرب في مصلحة الجماعة الانقلابية ويطيل أمد المفاوضات وكسب الوقت للمزيد من التسلح والتحرك ميدانيا.
وأضافت مصادر مطلعة أن الاشتباكات اندلعت متبوعة بقصف مدفعي عنيف ومتبادل، بين الجيش الوطني الموالي للحكومة من جهة، ومسلحي الحوثي من جهة أخرى، في محاولة من الجيش للسيطرة على جمارك حرض المحاذي للحدود الجنوبية مع السعودية.
وفي العاصمة صنعاء قال سكان “إن طيران التحالف عاود التحليق بكثافة، لكنه لم يشن أي غارة داخل المدينة”، ورجّحوا أنه “استهدف تعزيزات تخرج من صنعاء، باتجاه جبهة نهم شرقًا، حيث تدور معارك كسر عظم هناك”.
كلما فشلت مبادرة إقليمية متعلقة بالأزمة اليمنية إلا وينعكس ذلك ميدانيا بالعودة إلى الاشتباكات المسلحة التي مصدرها الحوثيون ولدى وصوله مطار صنعاء بعد انتهاء المفاوضات في الكويت قال حمزة الحوثي القيادي بجماعة الحوثي وعضو وفدها في المشاورات، إنه يتوقع “تصعيدا عسكريا خلال أيام عيد الفطر”.
وكان هذا التصريح بمثابة تأكيد على أن استراتيجية الحوثيين وحلفائهم هي التهديد بالتصعيد الميداني وتجديد الاشتباكات الأمر الذي سوف يوقف تدفق المساعدات الإنسانية والجهود الإقليمية العربية في مكافحة الإرهاب في اليمن والمحاولات الإماراتية في القضاء على تنظيم القاعدة والخلايا المتشددة في البلاد.
ودعا الحوثي في تصريحات نقلتها وكالة سبأ الخاضعة لسيطرة الجماعة المسلحة من وصفهم ب “أبطال الجيش واللجان الشعبية (الموالين للجماعة) إلى توخي الحذر واليقظة”، في إشارة إلى أن “الأيام القادمة سوف تحمل جديدا في ما يخص التحركات العسكرية على الأرض”.
وزعم القيادي الحوثي أن مشاورات الكويت تمخضت عن الاتفاق على 3 محاور رئيسية أهمها الجانب السياسي المكون من 3 نقاط هي المؤسسة الرئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، واستئناف الحوار السياسي من النقطة التي توقف فيها”، وهو ما نفاه وفد الحكومة واعتبر الحديث عنه “شرعنة لانقلاب الحوثيين”.
وبالرغم من تأكيد مصادر يمنية كانت حاضرة في المشاورات التي ترعاها الأممالمتحدة في الكويت على أن رفع المفاوضات سوف يكون لمدة أسبوعين بمناسبة عطلة عيد الفطر، إلا أن الحوثيين وفور وصولهم إلى اليمن انقلبوا على الاتفاق كما تؤكد تصريحات زعيم الحوثيين. ورد وفد الحكومة الشرعية اليمنية في بيان له أصدره السبت قائلا إن “محاولة شرعنة الانقلاب تحت أي مسمى أمر لا يمكن القبول به، وأن السلطة الشرعية ممثلة برئيس الجمهورية، هي المعنية باتخاذ التدابير والخطوات المناسبة لتوسيع المشاركة السياسية في الحكومة مستقبلا، وبعد أن ينفذ الانقلابيون (في إشارة إلى الحوثيين وصالح) كل ما عليهم من التزامات”، مؤكدا أن “الخلاف مع الانقلابيين لازال جوهريا، وذلك بسبب رفضهم الالتزام بالمرجعيات أو المبادئ والإجراءات المطلوب اتباعها لإنهاء الانقلاب وجميع الآثار المترتبة عليه”. يقول خبراء إن هذا التصعيد من جديد ليس سوى بحث حوثي عن تسويات ومقترحات جديدة تمكن الحوثيين من إعادة المفاوضات برمتها إلى نقطة الصفر طمعا في تغير موازين القوى على الأرض برعاية إيرانية، التي تدعم الحوثيين من منطلق طائفي ومصلحي بحت للتمكن من إيجاد موطئ قدم في العمق العربي خاصة وأن اليمن له موقع استراتيجي هام بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية ومصر والقرن الأفريقي.
بدعم مباشر من النظام الإيراني يصب الحفاظ على الحالة المتوترة في اليمن في مصلحة الجماعة الانقلابية ويعلم الفريق الحكومي اليمني جيدا أن المجال اليمني مخترق من قبل إيران وذلك ما يبرر خطوات الحوثيين المحسوبة، ولا يمكن أن يكون حزب الله اللبناني سوى مثال قوي على ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في حالة استفحال التدخل الإيراني في اليمن وتكوين جماعة تعمل لحسابها مثل حزب الله.
وفي السياق ذاته قال رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر إن بلاده “لن تسمح بوجود حزب الله ثان في اليمن ليهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة”، مطالبًا إيران ب”الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية” لبلاده ووقف “ضخ الصراعات والأحقاد في المجتمع اليمني”.
جاء ذلك خلال لقائه بقيادات عسكرية وأمنية، في قصر “المعاشيق” بمحافظة “عدن”، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لتحرير عدن من الحوثيين. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، التابعة للحكومة عن بن دغر، فجر الأحد قوله “إن إيران وراء أي صراع، وهي التي دعمت الحوثي والتمرد ويجب عليها الكف عن التدخلات في شؤوننا الداخلية”.
وأضاف رئيس الحكومة اليمنية أن على “إيران وقف ضخ الصراعات والأحقاد في المجتمع اليمني المسالم والمتسامح”. وأكد بن دغر على ضرورة كبح جماح الانقلاب وهزيمته حتى تطهير كل الأراضي اليمنية مضيفاً أن الدفاع بدأ في عدن وسينتهي في بلدة مران معقل الحوثيين بمحافظة صعدة شمالي اليمن.
ولفت بن دغر إلى أنه ورغم تحرير محافظاتعدن ولحج وأبين والضالع، وأجزاء أخرى من المحافظاتاليمنية، إلا أن “العدو مازال يتربص بأمن واستقرار المنطقة”.
وطالب رئيس الحكومة اليمنية ب “إنهاء مرحلة الصراع والتجاذبات السياسية للاتجاه نحو البناء والتعمير”، ودعا إلى “موقف وطني شامل لإنقاذ ما يمكن من وطن ومجتمع أنهكته الصراعات ودمرته الحروب”.
وأشار أحمد عبيد بن دغر إلى أن “اليمن لن ينعم باستقرار فعلي إلا إذا عادت الميليشيات الانقلابية إلى رشدها، واحترمت والتزمت بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ونفذت مخرجات الحوار الوطني، ووضع الجميع للسلاح، وذهبوا بنية صادقة لاتفاق سلام”.
اليمن لن ينعم باستقرار فعلي إلا إذا عادت الميليشيات الانقلابية إلى رشدها، واحترمت والتزمت بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية
الخلاف متواصل
يبدو أن هوة الخلاف بدأت تتسع بين الطرفين، ففي حين يقول وفد الحوثيين وعلي عبدالله صالح إن هناك اتفاقا بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، ينفي وفد الحكومة التوقيع على أي اتفاق بهذا الصدد، ويؤكد تمسكه بالقرار الأممي 2216 الذي ينص صراحة على ضرورة انسحاب مسلحي الحوثي وقوات صالح من المدن وتسليم الأسلحة الثقيلة واستعادة مؤسسات الدولة، ومعالجة ملف المحتجزين السياسيين والمختطفين والأسرى، قبل أي اتفاقات سياسية أخرى.
التصريحات المتضاربة للوفدين، ربما تكون مقدمة لإجهاض استئناف الجولة القادمة من المشاورات المقرر انعقادها منتصف يوليو الجاري واللجوء إلى الحل العسكري لا سيما في ظل تحشيدات للطرفين خصوصا في المناطق الشمالية والشرقية ك”الجوف ومأرب”، وتعز في الوسط.
وحسب شهود عيان وسكان محليين، فإن هناك حشد قوات سواء من جانب القوات الحكومية أو من قِبل الحوثيين وحلفائهم، لا سيما في جبهة “نهم” المتاخمة للعاصمة اليمنيةصنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون وموالون للرئيس السابق منذ أواخر سبتمبر 2014.
وكان الرئيس اليمني السابق صالح هدد في خطابه، الأحد الماضي، ب”استمرار الحرب عشرات السنوات في اليمن”، ولم يخف الرجل تأييده للحوثيين، وأنه وإياهم في “خندق واحد”، فيما وصف الحوار بين الأطراف اليمنية في الكويت بأنه “حوار تعطيلي”.
وأشار في لقاء مع صحافيين موالين لحزبه إلى أن “متطوعين ينخرطون في المؤسسة العسكرية واللجان الشعبية (مسلحون موالون للحوثي) ونحن نقدم أكثر من 6 آلاف شهيد في كل أنحاء اليمن”.