العرب : نزل الانقلاب المرتبك الذي نفذته مجموعة من الضباط الصغار كهدية من السماء على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليبدأ سريعا بتصفية حساباته مع الخصوم الذين لم يتمكن منهم في السابق بسبب الأزمات المتكررة التي تعيشها تركيا تحت حكمه. وعاد الرئيس التركي مجددا إلى مؤسسة الجيش ليواصل تفكيكها ومنعها من التفكير مجددا بالانقلاب. وأعلن رئيس الوزراء بن علي يلدريم أنه تم السبت اعتقال 2839 عسكريا، بينهم ضباط من رتب مختلفة، والبعض منهم برتب عالية، متورطين في محاولة الانقلاب. ويثير القضاء، كما الجيش، حفيظة أردوغان الذي يعتبر أن القضاء لم يسهّل مهمته في تفكيك منظمة “الخدمة” لخصمه فتح الله غولن، ولذلك بادر خلال 24 ساعة فقط إلى عزل أكثر من 2700 قاض. ونقلت قناة “إن.تي.في” عن قرار صادر عن المجلس الأعلى للقضاة والادعاء القول إن السلطات التركية عزلت 2745 قاضيا السبت بعد محاولة الانقلاب. وأفادت وكالة أنباء الأناضول بأن خمسة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين عزلوا أيضا. وأشار رئيس الوزراء إلى أن السلطات التركية اعتقلت 2839 عسكريا، بينهم ضباط من رتب مختلفة، والبعض منهم برتب عالية، متورطين في محاولة الانقلاب. ولا يستبعد محللون وخبراء أن يستفيد الرئيس من الفرص التي يتيحها الانقلاب الفاشل من أجل إحكام السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي مثلت تحديا كبيرا له خلال الأشهر الأخيرة. ويقول الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن أفكان أردمير إن أردوغان “يمكنه إما البناء على واقع أن جميع الأحزاب دعمته وأن يبدأ عهدا من التوافق وإما أن يستغل هذا كفرصة لتعزيز حكم الرجل الواحد”. ويضيف أن “الأمر عائد له تماما، المسار الذي سيختاره ستكون له عواقب هائلة. الشق المتفائل في داخلي يفضل اختيار المسار الديمقراطي، لكن الواقعي والمتشائم يقول إن أردوغان لن يفوّت مثل هذه الفرصة، وسيكون ذلك مؤسفا حقا”. ويرجح مدير معهد “إدام” البحثي والباحث الزائر لدى معهد “كارنيغي” الأوروبي سنان أولغن أن يستخدم أردوغان نتائج الانقلاب ل”تحقيق طموحاته الشخصية وإقامة نظام رئاسي”. أرقام من المواجهة * 2839 عسكريا اعتقلوا خلال 24 ساعة * 2745 قاضيا تم عزلهم زفق قوائم جاهزة * 104 قتلى من منفذي الانقلاب * 265 قتيلا في العموم * 1440 جريحا
ورغم أن الانقلاب الفاشل أطلق يده لتصفية الحساب مع خصومه، إلا أن متابعين للشأن التركي يشيرون إلى أن أردوغان سيخرج ضعيفا ولن يسمح له بالاستمرار في خوض معارك خارجية وداخلية تضعف من دور تركيا وتهدد وحدتها. وليس بمقدور الرئيس التركي أن يستمر بمغامراته العسكرية إلى ما لا نهاية خاصة أن الثقة في الجيش صارت مهزوزة، خصوصا وأن الضربة جاءته من الضباط الصغار وليس من الضباط الكبار الذين أمضى السنوات الماضية في حرب مفتوحة معهم. ويقول المتابعون إن ضغوطا كبيرة تمارس على الرئيس التركي، داخل حزبه، ستفرض عليه التخلي عن الشعارات، وأن الانقلاب قد يمثل فرصة نادرة لأردوغان من أجل الاستمرار في تطبيع الأوضاع مع المحيط الإقليمي. وليس مستبعدا أن تشهد المرحلة القادمة مواقف تركية أكثر صرامة تجاه المعارضة السورية، وقد تبدأ أنقرة بتوجيه رسائل سلبية للمجموعات الإخوانية على أراضيها، في سياق رغبتها في الانفتاح على دول مثل مصر. وفي كل الحالات لم تعد تركيا بعيدة عن الاضطرابات التي يعيشها الشرق الأوسط حتى وإن سعت إلى النأي بنفسها عن ذلك والاكتفاء بترميم مخلفات السنوات الخمس الأخيرة من سياسات أردوغان. وقلل المراقبون من الشعارات التي يطلقها أردوغان وأنصاره عن دور الشعب في حماية حكمه، لافتين إلى أن المجموعة التي حاولت الانقلاب لم تكن تمتلك مقومات الانقلاب، ولم تعد العدة اللازمة لإنجاحه حتى من داخل الجيش نفسه. وبالكاد خرج العشرات للتعبير عن فرحهم بوجود الدبابات في قلب المدن الكبرى، ويفسّر الأمر بغياب أيّ تنسيق مع الأحزاب ووسائل الإعلام، فضلا عن غياب أيّ خطة اتصالية لقادة الانقلاب الذين عجزوا عن تقديم أيّ وجه منهم لقراءة بيان استلام السلطة وكلّفوا به إحدى المذيعات. ويقول أولغن “لم يشارك الجيش كله في الانقلاب مثلما حدث في الانقلابات السابقة وإنما نفذته مجموعة احتجزت بنفسها قائد الجيش رهينة”، لافتا إلى أنه “في الواقع، كانت كل الظروف ضد الانقلابيين وظهر حتى على تويتر وسم: ليس انقلابا وإنما مسرحية”. وتقول المحاضرة في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة نوتنغهام ترنت في بريطانيا ناتالي مارتن “بدا أنه كان محكوما عليه بالفشل. وهو أمر أشاع الشكوك بأنه من الممكن تماما أن يكون انقلابا كاذبا”. ومن الواضح أن ما جرى هو انقلاب الإسلاميين على الإسلاميين وليس انقلابا من داخل مؤسسة الجيش، فقد اتهمت السلطات التركية الحليف السابق لأردوغان وخصمه الحالي غولن بترتيب الانقلاب عن بعد، حاضة الولاياتالمتحدة على تسليمه. وقال أوميت دوندار، القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان التركية، السبت إن القوات المسلحة عازمة على إقصاء عناصر “الهيكل الموازي” عن مناصبها، في إشارة إلى أنصار غولن. وأعلنت وزارة العدل التركية أن حركة “حزمة”، التي أنشأها غولن، تقف وراء محاولة الانقلاب، وهو الأمر الذي أكده أردوغان. لكن الحركة نفت بدورها أيّ اتهامات بتورطها في محاولة الاستيلاء على السلطة.