منكوبو "تسونامي" كان الفيضان عدوهم أو الطبيعة الغاضبة . على عكس منكوبي بلادنا خلال خمسة عقود من الحروب والتصفيات الحزبية ومعارك الإقصاء ،كانت السياسة ولا تزال عدوهم الأسطوري اللدود . حينما تغضب الطبيعة فإنها تتفجر فيضانات وزلازل وأعاصير وتحصد ضحاياها من شق لا طرف ، دون انتقاء أو فرز . على عكس غضب السياسة فإنه ينتقي الضحايا جيدا وينتقي الأماكن جيدا ، وينتقي المقابر والقتلة والشهود والأدوات وعلماء الدين الذين يمنحون الجرائم قداسة ويدهفوا الضحايا إلى النار . وحين نقارن غضب الطبيعة بغضب السياسة سنكتشف – دائما – أن الأولى أرحم ألف مرة من غضب السياسة اللعين . وفي بلادنا عموماً، تتساوى عدد صور المرشحين لخوض الانتخابات بعدد صور الضحايا الذين سقطوا بفعل التصفيات السياسية والمؤامرات الحزبية ، ومع كل مرحلة من مراحل الصراع على السلطة ، يختفي الشهود الحقيقيون،ويختفي الأبطال الحقيقيون ،وتبقى جدران الشوارع -كما العادة- هي الشاهد الوحيد . جدران الشوارع في اليمن هي الوحيدة التي يمكن اعتبارها القلب " الفساح" لإنسان اليمن المحشور في عبوات صغيرة لكأنه لايعيش في بلد بل داخل علب سردين محكمة الإغلاق. في اليمن الكل يبعثر عرض الجدران شعاراته وصور مرشحيه وصور أبطاله وضحاياه كمان ،على أن أصدق وأنبل ما حدث للجدران مؤخرا هي حملة "الجدران تتذكر وجوههم " التي نفذها - بحثا عن المختفين قسريا - ثلة من الناشطين الشباب . لكن الجدران امتلأت بصور الضحايا ،وينبغي لها الآن أن تزدحم بصور المجرمين . ولئن تمنيت دائما أن أمر على الشوارع وأشاهد الجدران نظيفة ، لكن النظافة ستظل أُمنية صعبة طالما لا تزال السياسة في اليمن وسخة وبنت ستين كلب ...! [email protected]