يُلخص هذا التقرير الهام والطويل جدا نقاشات مجموعة دراسة صغيرة من الخبراء عُقدت في القصر الملكي بالعاصمة البريطانية لندن "تشاتام هاوس" مطلع العام الجاري 2013، وبحث فيها المشاركون آخر المستجدات السياسية في اليمن، وباختصار شديد أسفر هذا الاجتماع عن الاستنتاجات الرئيسية التالية: - في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة اليمنية عجزا حرجا في الميزانية العامة، فان المفاوضات بشأن تقديم تعهدات المساعدات قد توقفت، في حين أن ميزانية القوات المسلحة والجيش ممثلا بوزارة الدفاع قد ازدادت..!!
- وكان للتوتر بين الحزبين الحاكمين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي القائم –التجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام–أثر إيجابي مفاجئ على شفافية الحكومة، إذ سرّب كلٌ منهما ضد الآخر تفاصيل الفساد الحكومي.
- وعلى نحو متزايد ينجذب الشباب نحو الحوثيين، حيث يبرزون باعتبارهم المعارضة الوحيدة ذات المصداقية للنخب السياسية المترسخة، والتي تعتبر في نظر الشباب متواطئة مع النفوذ الأجنبي في اليمن.
- وقد تراجع مؤخرا تركيز السعودية على اليمن نظرا للمشاكل الداخلية والاقليمية التي حازت الأولوية، أما إيران فانها تبني اتصالات مع مراكز القوى الناشئة، إلا أن الأثر الأكبر لذلك لم يتضح بعد.
وقد عقد هذا الاجتماع بموجب قاعدة تشاتام هاوس، والآراء المعبر عنها إنما هي آراء المشاركين، والغرض من هذه الوثيقة أن تكون تذكيرا للذين شاركوا وأن تقدم ملخصا عاما عن النقاشات لمن لم يشارك.
* المساعدات الدولية وأزمة اليمن الاقتصادية
نظرا لتركز الاهتمام على عملية الحوار الوطني، لاتولي الحكومة الانتقالية اهتماما كافيا بأزمة اليمن الاقتصادية، إذ أفاد مشارك بأن الحكومة تواجه حاليا عجزا يصل إلى ثلاثة مليارات دولار، في حين أن التقدم بشأن صرف مبلغ 6,4مليار دولار وهو المبلغ الذي تعهد به مؤتر المانحين بالرياض في سبتمبر 2012م قد توقف بسبب الخلاف على آلية تقديم المساعدات، وأفاد آخر بأن الرئيس قد زاد ميزانية الدفاع زيادة كبيرة، وأن إنفاقها مستمر دون مساءلة..!!.
وقد قيل بأن الانتشار الشامل لشبكات المحسوبية في هياكل اليمن السياسية يستبعد تحقيق الفصل الكامل بين الممارسات المحسوبية عن تقديم المساعدات، وأشار بضعة مشاركين إلى خطر المضي بعيدا في الاتجاه المعاكس كما حصل لدول أخر في المنطقة، حيث نجم عن "فرط المساءلة" شلل الحكومة، وثمة مسألة أخرى لم تلق الاهتمام اللازم لها: فمع ربط مساعدات التنمية بنجاح آليات الانتقال، ماذا سيحصل لمساعدات المانحين إذا مافشل الحوار الوطني؟ كما أن المانحين الدوليين لايعطون الأولوية الكافية للمساعدات الانسانية، بالرغم من كونها أقل تأثرا بالظروف السياسية.
* آليات الحكومة
يخشى بعض مراقبي الانتقال اليمني أن تعيينات الرئيس هادي للمناصب المدنية والعسكرية قد تفضل أفرادا من محافظته، محافظة أبين، ويرون تركز السلطة ليشبه ماحدث خلال حقبة الرئيس السابق، لكن المشاركين لم يروا وجود تلك العملية على نطاق الحكومة، بل لاحظوا حدوثها في الدائرة القريبة من الرئيس هادي فقط. وقد توقع المشاركون أن يتابع الرئيس هادي إعادة هيكلة الجيش.
وكذلك ناقش المشاركون القوة المتنامية لحزب الاصلاح ودللوا على استغلاله لفرصة شغل مناصب وزارية من أجل بناء شبكات محسوبية خاصة به.
وأفاد مشارك بأن الائتلاف الحكومي بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك (تحالف المعارضة الذي يهيمن عليه حزب الاصلاح) قد اسفر وبصورة مفاجئة عن تزويد المجتمع المدني بأدلة قيمة عن فساد الحكومة، إذ سرب كل منهما وثائق ممارسات الآخر الفاسدة وتفاصيلها.
لكن زيادة تدفق هذه المعلومات لم تتبعها أية استجابة مؤسساتية أو علامة من علامات الاصلاح، بل أقر المشاركون بأن شبكات المحسوبية والنخب التقليدية القائمة سوف تبقى وإن تغير الأفراد في أعلى المناصب الحكومية. وقيل بأن اليمن يعاني أزمة نظمية في التمثيل يستبعد أن يغيرها الحوار الوطني أو وجود أحزاب اللقاء المشترك في الحكومة.
* الحوثيو ن والشباب
لقد كانت مسألة الدعم الخارجي للحركة الحوثية المتمردة مسألة خلافية: إذ قال معظم المشاركين بأنه من المستبعد أن يقبل الحوثيون الدعم من إيران، لكن أفاد بضعة مشاركين بأن ذلك يبقى محتملا. وذكر مشارك آخر بأن الجماعة قد احتذت بنموذج حزب الله قبل دخوله السياسة الوطنية اللبنانية، وأن علاقة الحوثيين بايران لم يمكن تأكيدها بالرغم من وجود روابط بين الحوثيين وحزب الله. وقد جر التشديد على الاختلاف بان الحوثيين والحراك الجنوبي الانفصالي: فلا يبدو أن الحوثيين حاليا يخططون لدخول الساحة السياسية الرسمية من خلال إنشاء حزب سياسي، ولايطالبون باستقلال المناطق الشمالية (محافظة صعدة أساسا) الواقعة تحت سيطرتهم الفعلية.
وقد بدى للمشاركين أن الحركة الحوثية تهزم حزب الاصلاح في التنافس على تجنيد الشباب اليمني، إذ يجذبهم السرد الحوثي عن المقاومة ضد المستبدين الأجانب. وعلل ذلك بأنها الحركة الوحيدة التي تتعامل مع الشباب الذي يشعر بأنه ضحية جرائم الحرب السابقة والتهميش من قبل الحكومة وحزب الاصلاح والمنظمات الغربية على حد سواء.
وقال مشارك بأن صعود الحوثيين مرتبط ربما بتشكل وعي سياسي شيعي إقليمي يتمحور حول فكر المقاومة والمظلومية.
* الفاعلون الخارجيون في اليمن
نوه المشاركون إلى الآليات المتغيرة للفاعلين الخارجيين في اليمن. فما زال النفوذ السعودي في اليمن يعمل من خلال قنوات متنوعة، لكن الروابط بين السعودية ورجال الأعمال اليمنيين في الجنوب تتزايد. وقد حافظ السعوديون على صلاتهم بمراكز السلطة التقليدية، إلا أن تركيزهم على اليمن قد تراجع نظراً لأولوية الأمن الداخلي وسوريا.
ولاحظ المشاركون أن إيران تقيم صلات بالناشطين الشباب وبالحراك الجنوبي، ومع ذلك فقد قيل بأن وجود هاذين الفاعلين الخارجيين لاينبغي وصفه بأنه "حرب مزايدة" بين إيران والسعودية، إذ قال مشارك بأن إيران تفتقد لاستراتيجية حقيقية في مشاركتها في اليمن، وأن أثر مقاربتها للشباب لم يتضح بعد، أما السعودية فما زالت توجه الدعم من خلال علاقاتها القديمة بشيوخ القبائل بدلا من منافسة إيران في الوصول إلى حركات الشباب.
* وختاما
إن آفاق الحوار الوطني متفاوتة. ورغم تقدمه الا ان عددا من المشاركين اعربوا عن قلة الثقة باحتمالات نجاحه، ومع ذلك فهو "الخيار الوحيد المتاح" حاليا حسبما لاحظ مشارك.
واتفق المشاركون كذلك على ترجيح بقاء الرئيس هادي في منصبه حتى نهاية عام 2014 على الأقل –سواءً جرت الانتخابات أم لم تجر–إذ تدرك النخب السياسية الراسخة أنه سيحافظ أساساعلى الوضع الراهن.
وذكر بأن الحركة الشبابية في اليمن –رغم تهميشها في العملية الانتقالية– ما زالت حيوية ومستمرة في التأثير على مسائل معينة، من خلال الاستخدام المتكرر لوسائل الاحتجاج على سبيل المثال. فقد قامت بالحشد مؤخرا بالنيابة عن الطلاب اليمنيين في الخارج بعد تأخير الحكومة لمنحهم الدراسية، واحتجت في صنعاء يوميا إلى أن جرى التحقيق في القضية.
وقال مشارك بأن "أمله الوحيد لليمن هو في حركة الشباب