نتائج قرعة أندية الدرجة الثالثة بساحل حضرموت    نائب رئيس نادي الطليعة يوضح الملصق الدعائي بباص النادي تم باتفاق مع الادارة    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم.. رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    الرواية الحوثية بشأن وفاة وإصابة 8 مغتربين في حادث انقلاب سيارة من منحدر على طريق صنعاء الحديدة    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    غارسيا يتحدث عن مستقبله    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استحالة الثورة وصعوبة الإنقلاب
نشر في براقش نت يوم 14 - 07 - 2013

بين نظرية التآمر والإنقلاب التي يتبينها البعض والثورة التي يتبنيها آخرون تقف الحقيقة أو مايشبهها في المنتصف ضمن حقائق متناقضة واسباب كثيرة تدافعت ادت لخروج الملايين للشارع، وهو أمر لا يعني بالضرورة قيام ثورة، فالفارق بين الشارع كآلية ثورية والشارع كآلية للحشد والإستقطاب فارق تحدده نوعية المطالب وطبيعة القوى السياسية المحركة والمشاركة في هذا الشارع. وفي البداية يجب توضيح إن ما حدث في مصر هو نتاج لمرحلة أزمة مبكرة بعد ثورة يناير تسبق رئاسة محمد مرسي.

الهروب للأمام
بدأت الآزمة مع الإدارة السياسية المرتبكة للمرحلة الإنتقالية بقيادة مجلس القوات المسلحة حيث تهرب الجميع من استحقاقات سياسية وثورية ضرورية للتمهيد لمرحلة ما بعد المرحلة الإنتقالية، وهذه الإستحقاقات السياسية كانت تتعلق بالإتفاق على إطار سياسي ودستوري تتحرك ضمنه العملية السياسية بكل الإختلافات الطبيعية بين الفصائل السياسية المتعددة في مصر، أما الإستحقاقات الثورية فكانت ضرورية لإستكمال الثورة من خلال محاكمة رموز وقيادات النظام القديم بمحاكمات عاجلة وتجميد أرصدتهم وتطهير مؤسسات الدولة وعلى رأسها الداخلية والقضاء والإعلام، مما يعزل النظام القديم ويشل حركته وبالتالي يمنع قدرته على العودة القوية التي نشهدها هذه الأيام.
تهرب الجميع من هذه الإستحقاقات نحو الخوض في استفتاءات وانتخابات واحدة تلو الأخرى، وعقب كل عملية إستفتاء أوانتخاب يزداد استقطاب السياسة المصرية ويتعمق انقسام المجتمع في عملية سياسية صممت خصيصاً لهذه الفوضى. ففي كل مرة تسفر هذه الإنتخابات أو الاستفتاءات عن نجاح جديد للقوى الإسلامية فتندفع القوى اللا إسلامية والتي تطلق على نفسها إسم المدنية نحو المجلس العسكري طالبة الحماية والتدخل وتأجيل الإستحقاق القادم بينما يزداد الإسلاميون نشوة وغروراً ورغبة أكبر في الإستحواذ والهيمنة.
لم يكن من المستغرب أن تنتهي هذه الجولة الطويلة من الإستفتاءات والانتخابات في انتخابات رئاسية يصعد لها ثنائي الدولة المصرية وهما الأخوان من جهة ورمز نظام مبارك شفيق من جهة أخرى ويفوز مرسي بهامش ضئيل 51% بعد استقطاب حاد يكشف عمق الإنقسام المجتمعي.
في الواقع لولا دعم الفصائل الثورية الأخرى لمرسي لما كان نجح في الإنتخابات، وهذا الدعم تحصل عليه بعد وعود قطعها بالمشاركة والدستور التوافقي لكنه اخلف فيما بعد، وهو متوقع لو رأينا المسار الإنفرادي للجماعة منذ بداية الثورة بدون تنسيق وربما بمخالفة بقية الفصائل الثورية وعدد الوعود التي تراجعوا عنها وآخرها وعدهم بعدم ترشيح أحد من الجماعة لإنتخابات الرئاسة، كما تبدو النتيجة اللاديمقراطية متوقعة بعد الثلاثين من يونيو قراءة على مايجري من إقصاء وقمع لجماعة الأخوان.

اخطاء مرسي القاتلة وتمرد مؤسسات الدولة
زعم مرسي وجماعته في البداية إنهم حاولوا إشراك آخرين معهم لتولي مناصب مفصلية بالدولة وغيرها، لكن جوبهوا بالرفض وهذا طبيعي جراء عدة امور وهي خشية هذه الشخصيات من الأخوان بسبب نكوثهم المتكرر لعهودهم وطبيعتهم الإستحواذية وكذلك بسبب حالة الإستقطاب الحادة التي اتجهت لفرز الناس بحدة بين إسلامي ولا إسلامي مما شكل عقبة أمام تشكل أي حالة إئتلافية.
يمكن القول إن النكسة الحقيقية وبداية النهاية لعهد مرسي هو الإعلان الدستوري الذي اعلنه في نوفمبر عام 2012م دون استشارة احد واعطي له بموجب هذا الإعلان صلاحيات واسعة اثارت الكثيرين ضده، كذلك إدارته للأزمة السياسية التي تلته كانت خاطئة وتسببت في إقتتال اهلي أمام قصره يتحمل مسؤوليتها بشكل كبير واساسي الأخوان الذي نزلوا للإحتكاك بالمعارضين ونكلوا بهم وإن كان هذا لا يمنع وجود عنف من الطرف الآخر، مما احدث شرخاً عميقاً واهتزت شرعية مرسي كرئيس للجمهورية يتسبب في إقتتال أهلي أمام قصره.
تلا ذلك استفتاء على دستور غير توافقي انتهت بنعم مع شبهة واسعة بالتزوير في عملية سياسية مرتعشة واقصائية، وكان هذا مفترق طرق عزل الأخوان الذين ازدادوا ارتباكاً وزاد المتشككين منهم لتتزايد حالات تمرد مؤسسات الدولة التي لايزال يسيطر عليها النظام القديم في مبالغة واضحة لما صار يعرف بأخونة الدولة، وهو أمر فيه قدر كبير من الإختلال فأي حزب يصل للحكم من حقه أن يولي كوادره وقياداته على إدارة مؤسسات الدولة لكن فيما يبدو إن خصوم الأخوان ارادوا المبالغة بينما لم يحاول الأخوان اثبات كذب اتهامات الإستحواذ على السلطة التي تطاردهم مع ضعف الكفاءات والكوادر التي يمتلكونها. وهنا كان بداية لفقدانهم السيطرة لمؤسسات الدولة وتدهور الأوضاع المعيشية بشكل حاد حتى وصلت ابرز تجليات هذه الأزمة في أزمة البنزين التي سبقت احتجاجات 30 يونيو وعاد البنزين مباشرة بعد عزل مرسي.

حصاد الاعداء
سياسة مرسي والجماعة الضيقة الأفق والإنعزالية والتي تسببت في إقصاء الجميع خلقت لهم حصيلة متنوعة وضخمة من الأعداء. الفصائل الثورية رأت في مرسي صورة أخرى لمبارك بقناع فاشية دينية أرعبها ولديها حق وإن لم تسلك الطريق السليم في مواجهته، الفقراء والذين يعانون من اوضاع اقتصادية مريرة لم يجدوا في مرسي إلا رئيس فاشل عاجز عن حل مشاكلهم الإقتصادية أو حتى تصور حلاً ، جمهور الإستقرار الذي لا يرى الحل إلا في عودة نظام مبارك، وهناك جمهور آخر يمقت الأخوان لاسباب ايديولوجية أو ربما طائفية أوبسبب الخطاب الإخواني الديني العنيف أو متأثر بالصورة الشيطانية التي رسمها الإعلام عن الأخوان، وفي الغالب تمتزج هذه الاسباب أو بعضها في كثيرين. كل هذه الجماهير كانت تحظي بدعم مالي وإعلامي صريح وواضح من رجال نظام مبارك الذي تصدروا المشهد بل إنهم كانوا في قلب مجرى الأحداث ويساهمون مساهمة فاعلة في تحريكها، وهذا فارق جلي بين ثورة يناير واحتجاجات يونيو.
لم تتوقف حصيلة اعداء مرسي عند الداخل بل امتدت للخارج حيث اخفق في التعامل مع القضايا الخارجية، وكانت آخرها قضية سد النهضة في اثيوبيا التي اثارت حساسية المصريين ليس فقط للأمن القومي بل كذلك حساسيتهم العاطفية تجاه ملف بأهمية ملف نهر النيل، اضافة للخفة التي تعامل بها مع الملف السوري، وكذلك الدول الخليجية بإستثناء قطر التي ترى في نجاح الثورة المصرية وتولي السلطة طرف سياسي خارج منظومة مبارك وخاصة الأخوان أمر يشكل خطورة عليها. لذا لم يكن من المستغرب إن تمد الإمارات مصراً جسراً جويا بالمعونات بعد الإطاحة بمرسي وأن يجتمع النظامان السوري والسعودي في تهنئة مصر.

عندما لا تكون المطالب ثورية
ظهرت حركة تمرد بمطلب اساسي وهي الانتخابات المبكرة وبغض النظر عن مصداقية الأرقام التي اعلنتها والجدل الكبير حول نشأتها وغيرها من أمور، لكن من المهم تذكر إن مطلب حركة تمرد لا يمكن وصفه بالثوري على أي حال وهذا لعدة اسباب.
الثورة تتطلب في ابسط تعريفاتها إن تقوم ضد منظومة سياسية أو نظام حكم وهذا لا ينطبق على حالة الرئيس مرسي وجماعته الذين لم يكونوا اكثر من فصيل سياسي وصل للسلطة منذ عام لم تكن مدة كافية حتى يتحكموا بآليات هذه السلطة ولا يسيطرون على مؤسسات الدولة، بالتالي هي احتجاجات لإسقاط فصيل في السلطة دون تغيير في المنظومة السياسية المختلة اصلاً.
هكذا انحصر مطلب حركة تمرد بالإنتخابات المبكرة رغم إن مصر تنقسم اكثر مع كل استحقاق انتخابي، اضافة لحقيقة إن هذا المطلب لم يكن اكثر من مطلب لتغيير السلطة وليس النظام حيث لم تتعرض لأي من مكونات السلطة الحقيقية التي ثارت عليها في يناير ولم تسقط مثل مطلب هيكلة الداخلية. وهنا التساؤل يفرض نفسه، هل ياترى لو تضمنت مطالب حركة تمرد بعض المطالب الثورية مثل القصاص للشهداء ورفع الحد الأدني للأجور كان سيحتفى بها إعلامياً هكذا؟ هل كانت ستجد هذه المباركة كلها من المحسوبين على نظام مبارك؟
هناك فارق جلي بين ثورة يناير التي طالبت بإسقاط الحكم لتحقيق مطالبها الشعبية "عيش حرية عدالة إجتماعية" وبين حركة تمرد التي حصرت مطلبها بتغيير من على رأس السلطة دون ربطها بأي من المطالب الشعبية والثورية المعروفة.
صحيح إن صناديق الإقتراع التي وصل عن طريقها مرسي لم تكن سوى ديمقراطية اجرائية في عملية ديمقراطية غير مكتملة وضعيفة الأسس، لكن لا يمكن لأحد أن ينكر إن الجميع توافق على صندوق الإقتراع كمرجعية نهائية للشعب المصري يرتضيها الجميع. وهنا تقع عدة مفارقات وتناقضات وقع فيها الجميع في الثلاثين من يونيو حيث بدا هناك تناقض بين إرادة الشعب حسب الصندوق أو حسب الشارع، فكلاهما يعبر عن الشعب.
كما ظل التذبذب بين الشرعية الثورية والإنتخابية الدستورية سيد الموقف، فعقب فوز مرسي بالرئاسة خطب مرسي في ميدان التحرير يداعب جمهوره الثوري قائلاً: إنه صاحب شرعية ثورية متجاهلاً حقيقة إنه صعد عن طريق الإنتخابات وكان منافسه شخصية ترمز لنظام مبارك، وكان بالإمكان أن يأخذ مكانه طالما ارتضي الجميع الإحتكام للصندوق. وآلان يرفض معارضيه صندوق الانتخابات كشرعية دستورية شعبية بحجة الشرعية الثورية، لتظل مشكلة التذبذب بين الشرعية الثورية وتلك الدستورية أو الإنتخابية عالقة ويستخدمها كل طرف حسب حاجته.
يجادل البعض إن مطلب انتخابات مبكرة مطلب ديمقراطي لكن هذا ليس صحيح في الديمقراطيات الوليدة التي تحتاج إستكمال مشوارها الديمقراطي ويصعب عليها التجاوز بسلام مطلب كهذا في مسار ديمقراطي لا يزال ليس سلس وطبيعي، لذا كان من الطبيعي أن يرفض الرئيس مرسي الفكرة فهو ككل الشخصيات السياسية التي تتصدر المشهد السياسي المصري لا يزال يحمل مفاهيم الإستبداد ولاتزال العملية الديمقراطية في بدايتها لم تفرز مفاهيمها وآلياتها الثابته والواضحة.
هكذا لم يكن مستغرب أن يسود ميدان التحرير مشهد احتفالي بمجرد تدخل الجيش وإعلان بيانه الأول منذ اول يوم تظاهر في 30 يونيو، بينما لم يمر وقت طويل على مشهد الشهداء والقتلي الذين سقطوا في مرحلة حكم المجلس العسكري على رأسهم شهداء مظاهرات شارع محمد محمود. هذه الإحتفالات تؤكد إن هذه الجماهير لم يحركها داعي الثورة بدرجة وحيدة أو ربما اساسية بل حركها دواع اخرى هي الإستقرار وكراهية الأخوان وفشل مرسي وتحريض الإعلام.
على أي حال وقع الجميع في مأزق أيهم يعبر عن الجمهور هل هو الصندوق كما يصر مرسي وانصاره، لكن في هذه الحالة ما هي حدود شرعية هذا الصندوق خاصة بعد احداث الاتحادية؟ أم الشعب كما يصر معارضي مرسي لكن متى يعبر هذا الشارع عن حالة ثورية وليس استقطابية؟ وفي كلا الحالتين كما إن مرسي لم ير من المصريين سوى 51% صوتوا له وتجاهل الباقي وأقصي الجميع ولم يحاول معالجة الإستقطاب الذي ترافق مع انتخابه، كذلك يفعل خصومه حيث يتحدثون عن شرعية الشارع ويتجاهلون شارع عريض يدعم مرسي، ففصيل الأخوان لا يقلون عن نصف مليون منتمي وربما يصلون لمليون، معهم سلفيون لا ينتمون لحزب النور أو ينتمون له لكن كما هو معروف فالسلفيين لا يلتزمون كلياً بمواقف حزبهم، والسلفيون قوة أخرى لا يستهان بها في الشارع المصري معهم مصريين من بينهم ثوار في يناير رافضين لعزل أول رئيس مدني منتخب بهذا الشكل. وبالإجراءات القمعية التي تطال الأخوان وإعلامهم خلال أيام قليلة اعقبت عزل مرسي يثبت إن اقصائية القادمين تفوق كثيراً ما فعله مرسي بخصومه ويؤكد حقيقة إن مفاهيم الديمقراطية لا زالت غائبة عن اذهان الجميع، لكنها حجة يلوكها من هو خارج السلطة ضد من في السلطة وبإنقلاب الأدوار تنكشف الحقائق.

الجمهور كطرف فاعل أو طرف مستجيب
ربما تكون اقوى التعبيرات واكثرها دلالة في وصف ما جري لمرسي بالقول إن الدولة العميقة بمصر يمثلها الجيش اطاحت بالدولة الغبية " الاخوان"، الرواية المبسطة أن ماحدث في 30 يونيو تحرك جماهيري ناتج عن مبادرة ثورية شبابية لحركة تمرد ليست سليمة فالدولة العميقة أيضاً تمردت ممثلة بجهاز الشرطة الذي رفض يستجيب لأوامر مرسي لحماية مقرات حزبه – احترق 12 مقراً في ليلة واحدة- وهو أصلاً لم يكن تحت سيطرته منذ توليه الرئاسة، بينما سئم الجيش من تخبط مرسي وبدأت الاخبار تتوالي عن مشاريع الجيش في القرى لتحلية المياه وإدارتها لوحدات المطابخ الجامعية التي حدث فيها تسمم للطلاب.
وكذلك من الامور اللافتة بدلالة مهمة هي إثارة قضية هروب مرسي من سجن وادي النطرون قبل أسابيع قليلة من 30 يونيو متبنياً رواية نظام مبارك وهي وجود حركتي حماس وحزب الله وتآمرهما لتسهيل هذا الهروب، في الواقع مرسي كان سجين سياسي وفر وهذا اعتيادي وتم قبول طلبه للترشح بالرئاسة لغياب أي جنحة قانونية، فإثارة هذه القضية بهذا التوقيت له دلالاته وكذلك محاولة ربطها بأطراف خارجية دفعت الإعلام المصري لإتهام رئيس الجمهورية بالخيانة وهي احد تجليات التسفيه الإعلامي الذي لم يتوقف لحظة ضد رئيس جمهورية توجه له تهم خطيرة بدون أدلة قوية.
في المقابل لم تتوقف الاخبار السيئة القادمة من إدارة مرسي للأحداث مهزلة إدارته لملف اثيوبيا وسوريا ثم اختطاف الجنود في سيناء، تصاعد في معدلات الجريمة وتدهور إقتصادي شديد وتناقض تصريحات مسؤوليه وأخيراً خطاباته الثلاثة الأخيرة ، الأول الذي قطع فيه علاقاته مع الحكومة السورية مستخدماً مصطلحات طائفية غريبة على المصريين مثل النظام الرافضي ووقوفه بجانب شيخ يدعو على المعارضة " الكفار والمنافقين" فيما بدا تحريضاً صريحاً من رئيس دولة يضيق بمعارضيه. يليها خطاب طويل لم يقترح فيه أي حلول لآزمة كبيرة تعصف بالبلاد بينما كشف إن مرسي صار رئيس معزول يعيش في حالة إنكار ويتحدث بعشوائية ويلقي التهم المرسلة ضد هذا وذاك بشكل يدينه كرئيس دولة فاقد للسيطرة ولا يدين من يتهمهم.
هكذا يمكن القول على مرسي المثل الصيني "اعطي لعدوك الغبي حبلاً وهو سوف يشنق نفسه بنفسه" وهذا ماحدث بالضبط، فعوضاً عن تقديم مبادرة سياسية واتخاذ أي خطوات مثل تغيير حكومته الفاشلة ظل مرسي يتخبط في خطاباته المؤججة والبائسة. إذن لم يكن من المستغرب أن تحتشد كل هذه الجماهير الغاضبة ضد مرسي يوم الثلاثين من يونيو، ويساندها الجيش المتأهب أصلا لهذه اللحظة.
بغض النظر عن صدقية الاحاديث التي تتناقل حول مادار في كواليس القصر من مبادرات كانت على وشك النجاح لكن قام الجيش بالتعنت وأخرى تتحدث عن تعنت مرسي، لكن المؤكد إن الجيش المصري تحرك سريعاً وبشكل لافت لإسقاط أول رئيس مدني منتخب منذ عام بينما لم يكن هذا الحال مع رئيس غير منتخب استمر 3 عقود في حكم مصر وبالطبع ساعد الجيش هو خطاب مرسي الأخير الذي لم يقدم أي بارقة أمل للحلول الوسط.
جدير بالذكر إنه قبل تنحي مرسي بقرابة اسبوع بدأ الحديث من قبل المعارضة عن مرحلة ما بعد مرسي، وهذا يعكس حقيقة إن الجماهير في يناير التي اخذت زمام المبادرة واستجاب لها الجميع بما فيها الجيش تختلف عن جماهير يونيو التي استجابت للقوى السياسية المعارضة جبهة الانقاذ وحركة تمرد وتحريض الإعلام المملوك من رجال اعمال مبارك، بالطبع هذا كله لم يكن ليتم لولا فشل مرسي ورداءة ادائه.

دائرة العنف
هكذا عادت مصر لثنائيتها القديمة، ثنائية الصراع بين الأخوان والدولة لكن هذه المرة تنذر الأمور بدموية حقيقية. سقوط مصر في دائرة العنف أمر متوقع حيث شهدت ثورة يناير أعمال عنف ضد اقسام الشرطة، وصارت حوادث العنف الإجتماعي متواترة مثل تلك التي تستهدف الشيعة أو الاقباط أو المنقبات أو الملتحين.
لم تتواني الدولة المصرية عن استخدام العنف ضد الإخوان طوال العقود الماضية بينما لم يخلو الخطاب الإخواني وفكرهم من العنف بإسم الجهاد والتكفير، ويلاحظ إن مكتب الإرشاد الإخواني بقيادة محمد بديع الذي تشكل عام 2009م كان الأكثر تشدداً في تاريخ الجماعة ويعتبر بديع احد أهم معتنقي الفكر القطبي التكفيري. ربما من اكبر الاخطاء إن جماعة الاخوان في مصر انتقلت بسرعة ضوئية من مرحلة العمل السري المنغلق نحو السلطة دون المرور بمرحلة العمل تحت النور وسط القوى السياسية الأخرى.
الآن بعودة النظام القديم للواجهة بشكل اعنف ضد الآخوان الذين لم تتردد قياداتهم بالتهديد والوعيد في مجازفة سياسية خطيرة لأن مرسي انتهى ولم تعد هذه الإعتصامات مجدية سياسياً وإن كانت من حقهم وهذا لا يمنع من وجود حالات عنف من الأخوان لكنها لازالت حتى آلان فردية، ومن خطابات الشيطنة والتحريض ضد الإخوان يرد الإخوان بخطاب الجهاد والتكفير والتحريض ضد الجيش الذي رغم الملاحظات الكثيرة على قياداته لكنه يظل جيش وطني بتركيبته وعقيدته وليس من مصلحة أحد التحريض ضده خاصة إنه الركيزة الأهم للدولة المصرية المترنحة.
في وسط هذه الثنائية ظهر الشباب في ثورة يناير كطرف سياسي قلب الصورة لكن انقسام هذه المجموعات الشبابية وضعف خبرتها السياسية دفعها لعصر ليمون –المصطلح الذي شاع كناية عن اختيار السئ تحاشياً للاسوء- لإختيار مرسي رئيساً لمنع فوز شفيق، وهاهم مجدداً يعصرون ليمون للقبول بالعكسر ضد الإخوان، وهكذا يبدو جلياً إن هذه القوى القادرة على تحريك الشارع ليست قادرة على العمل سياسياً ، فالعمل السياسي لا يعرف سوى الطرف المنظم، وبين الطرفين المنظمين تتذبذ خياراتهم السيئة والضيقة المدى.
بينما صمت الأخوان عما جرى من مذابح في حق الثوار في شارع محمد محمود اثناء فترة حكم المجلس العسكري لأنهم مشغولين بحصد إنتصاراتهم الإنتخابية، ها هم الثوار وإن كانوا جماعات غير منظمة لكن هذا ينطبق على اكبر فصائلهم حركة ستة أبريل و قياداتهم بدرجة اساسية الذين يصمتون أمام ما يجري للأخوان من قمع وتنكيل ومذابح لأنهم يخشون الجيش الذي ساند حركتهم ضد الإخوان. وهذا يعبر عن سقوط إخلاقي هو حامل أساسي للثورة. وكما تحالف الإخوان مع الجيش وما يعرف بالفلول، هاهم الثوار يقبلون التحالف معهما أو على الأقل الوقوف مع الجيش والفلول في صف واحد. وهذا سقوط ثوري يفقد صاحبه صفة الثورية. وكلا الطرفين فقد الكثير من رصيده الأخلاقي والثوري في الشارع المصري الذي صار اكثر تقبلاً لعودة النظام المباركي.
صحيح إنه كان إنقلاب عسكري بظهير شعبي ضد رئيس منتخب في ديمقراطية غير مستقرة مما يقلل من حقيقة كونه إنقلاب عسكري لكن 30 يونيو ليست ثورة ولا حتى إمتداد لثورة يناير بأي معيار من المعايير، بل هي مأزق تسبب فيه الجميع بدون استثناء لكن بدرجات متفاوته. بالتأكيد كان من الممكن تفاديه لو كانت القوى الثورية نظمت جهودها للضغط على المجلس في الفترة الإنتقالية لتحقيق مطالبها، ولو كان الأخوان لم يتعجلوا للسلطة ومن ثم لو كانوا شاركوا الآخرين واستجابوا للمطالب الثورية وليس لإغواء السلطة بالتحالف مع النظام القديم، ولو كانت القوى الثورية عارضت الأخوان بشكل اكثر تنظيماً ومثابرة ولم تختر الطريق الأسهل والأسرع والذي يضمن سهولته وسرعته التعامل مع النظام القديم كما فعل قبلهم الأخوان، هكذا لو تفتح الكثير من الإحتمالات الأصح والأسلم لكن الجميع آثر الطريق الأصعب له ولبلاده.
لن تنطوي هذه الصفحة إلا في حالة مراجعة الجميع لاخطائه فالأخوان عليهم أن يراجعوا طبيعتهم التنظيمية المغلقة وفكرهم المتطرف، والثوار عليهم مراجعة اساليبهم ومعالجة عجزهم السياسي، وحتى ذلك الحين يبدو إن مصر مقبلة على مرحلة عصيبة في تاريخها لكن تظل ثورة يناير نقطة مضيئة في وسط هذا التردي كله حيث خلقت وعي سياسي مهم لا يزال في طور التشكل وسوف يسفر عنه الكثير، خاصة إن الاوضاع الاقتصادية المتردية والتي سوف تستمر بتدهورها ستدفع الجماهير للتحرك تواقة لحياة حرة وكريمة تستحقها وتريدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.