ما إن تطأ قدماك العتبة الأولى من مدخل الجامع الكبير بصنعاء، حتى تستقبلك اهتزازات رؤوس المقرئين وهمهمات تلاوتهم التي لا تجد حجاباً بينها وبين الله.. وبينما أنت في طريقك للحاق بالجماعة الثانية تأسرك صورة مُسن تجاوز ال85 من عمره فتقتعد إلى جواره رغبة في التقاط صورة معه، لكنه يمنعك خشية أن تصيبه العين، فتزداد اندفاعاً إزاء تلك البراءة، لكنك تمتنع في الأخير نزولاً عند رغبته. في الجامع الكبير، الأصل في الصلاة الخشوع، والكافر فقط من لا يدين بدين الإسلام، وسواء كانت هيئة صلاتك الضم أو الإرسال، لن تجد أحد الأوصياء على الإسلام يبادر إلى نصحك بأن ما تقوم به " شرخ للدين" كما حصل معي في أحد المساجد، فهنا الإسماعيليون، والزيود، والشوافع والصوفية، يلتقون عند قاسم مشترك واحد وهو الإيمان بالله ورسوله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويؤمنون بأن الاختلاف في وجهات النظر سنة كونية. يقول الخطاب القرآني: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" فيتضح أن كل طرف يملك نسبة من الحقيقة ولا وجود للحقائق المطلقة، وبهذا الإنصاف استطاع الإسلام أن يحقق تعايشاً بين أفراد الإنسانية جميعاً. معطيات واقع اليوم تؤكد أننا ننزلق نحو حرب طائفية يعمل أطرافها على استدرار عاطفة المجتمع الدينية، والدفع بهم إلى هذا المربع الدموي، وخوض صراع غير صراعهم، وبالمقابل ستكون اليمن ساحة اقتتال دائم، أغراضه سلطوية بامتياز،وبمنأى عن الدين، فالاقتتال الطائفي منذ نشأة الفرق والتيارات الإسلامية كان امتدادا لصراعات سياسية أصبح فيها الدين وسيلة كل طرف لا يؤمن بحرية الآخر ومعتقده، ولا يؤمن إلا بزيف نفسه. تلك الحروب الطائفية لم تنتج جديداً منذ نشأتها غير المزيد من الجثث في سبيل التطرف، ولم يستطع طرف إزاحة آخر، لأنه أولى بالبقاء، وأثبت التأريخ أن التعايش هو الطريق الأقرب لحفظ الوجود الإنساني.