أخي العزيز الدكتور/ علي الصيا– الضالع قد تكون رسالتي هذه إليك متأخرة، لكن الوقت ما زال يسمح بإرسالها إليك، دون أن يؤدي ذلك إلى اعتقالك أو اعتقالي من أجهزة المخابرات، فهناك في الموفنبيك من يتحدث باسمك واسمي، ويعمل على قدم وساق لإعادة إخائنا جريمة وخيانة عظمى، كما كان عليه الحال قبل 23 عاماً، حيث كان حبي لك كفراً وشيوعية، وحبك لي إمبرالية ورجعية. حين كنت أعود إلى زنزانتي بجِلدي الذي مزَّقته السِّياطُ ساخراً من جلَّاد الأمن الوطني الذي يعلِّمني الإسلام في دار البشائر، محاولاً إقناعي بأن أُخوَّتك تهدم أركانَ الدين وتقوِّض بنيان المسلمين، كنت أرسم بنجيع جرحي الراعف صورتك على جدار الزنزانة، وأراك تجلس القرفصاء في زنزانة انفرادية في سجن "فَتْح"، مُثخناً بجراحك بعد يوم من دروس التقدُّمية التي تلقيتها على يد جلَّاد أمن الدولة وحامي البروليتاريا، وكنا نضحكُ من قلبينا ونردِّد معاً: (وحدتي.. وحدتي.. أنتِ عهدٌ عالقٌ في كلِّ ذمَّة). أخي العزيز: لقد انتصرت جلودنا على السياط، ودماؤنا على مجاهدي ومناضلي أجهزة المخابرات، وأنستنا دموعُ الفرحة في ال22 من مايو 90م، كلَّ الدموع وشَفَت كلَّ الجراح، وأصبح إخاؤنا حلالاً وحلمنا حقيقة، وتقزَّم الزمن الآسن.. واليوم هناك في الموفنبيك أقزام تتقاسم جراحنا وتتطاول على أحلام صغارنا. لقد رأيت في الموفنبيك من كسر إصبعي ليقنعني بكفرك، ورأيت من قلت لي إنه سطا على منزلكم في التواهي، والذي بسط على أرض العقربي، (والذي استولى على المعاشيق)، والمجاهد الذي نهب محل الإلكترونيات في المعلا، وأنت تشاهده غير مُصدِّق، والآخر الذي ضرب زميلتك في كلِّية الطب لترتدي النقاب، ودعا لُبْنى إلى الهجرة من دار الشرك عدن إلى منزله، والذي أقصى مجلي من وظيفته واستولى على أرضه في لحج، والذي قتل فكري في الحبيلين وصبري في المنصورة وأمان والخطيب في دار سلم، والذي قدَّم عبداللطيف السيد إلى أحضان الانتحاري الصومالي في ساحة العروض، جميعهم في جوقة الموفنبيك يتحدثون عن العِداء الذي بيني وبينك، ومعهم مغربيٌّ مكتنزُ الشفتين يتقاضى ستين ألف دولار شهرياً، ويدَّعي أنه أقرب إليَّ منك. أخي العزيز: أدرك أنك صبرت كثيراً للحفاظ على روعة الحلم الذي تحقق ولم تدافع عنه مبكراً، وأعترف أنني خذلتك ولم أنتفض معك مطالباً بحقك، مدافعين عن جلال ال22 من مايو. والذين سمعوا صراخك وقد هبُّوا إلى الخارج ليأتوا يمن يسألونه عن السبب نيابة عنك، وها هم في الموفنبيك يسترزقون بأوجاعنا ويقبضون من ذات الأيدي التي موَّلت حروبنا العبثية لسنوات. الذين سمعوك تصرخ بالانفصال لا يعلمون أنك أحضرت زوجتك وأطفالك إلى إب، وأننا قضينا العيد معاً.. والذين يضعون الحرب على طاولة مفاوضاتهم في الموفنبيك لا يعلمون أننا تعاهدنا ألَّا يصوِّب أحدٌ بندقيته إلى صدر أخيه.. مهما حاول المتفاوضون بالنيابة عنا في الموفنبيك أن يدفعونا إلى خنادق القتال نيابة عنهم. وأن أذني التي سمعت الوالدة في الضبيات تقول لي: (هذا أخوك يا بني) لم يعد فيها متسع لشيء من هذا الصخب الأفَّاق. إذا كانت سقطرى الحرة وعدن المحمية وحضرموت المستقلة، ومدّ خنادق القتل والسلب من أبين إلى صعدة هي المشاريع التي تفوح من عفن الموفنبيك، فإن خضرة المستقبل في عيني ميسون وافترار الأمل على شفتي مرتضى هما مشروعنا المقدس، والأكثر جدوى، والذي سينتصر.