تتكثف الجهود الدولية في الآونة الأخيرة للحد من خطر إنتشار الأسلحة النووية والتي تهدف إلى حشد الرأي العام العالمي لإخلاء العالم من أسلحة الدمار الشامل خلال السنوات القادمة. فهل تنجح هذه الجهود في تحقيق أهدافها في تخطي عقبة تزايد عدد الدول التي تسعى لإمتلاك هذا النوع من الأسلحة الفتاكة؟ واشنطن: منذ أن قصفت الولاياتالمتحدة مدينتي هيروشيما ونكازاكي اليابانيتين بالسلاح الذري وشبح فناء العالم يهدد الجميع، الأمر الذي حفّز دول العالم على اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن عدم استخدام مثل هذه الأسلحة الفتاكة في المستقبل، وقد اتسمت هذه الجهود بأنّ الذي قام بها في الأساس هي الحكومات دون دور يذكر من قبل الرأي العام العالمي. هذه الصبغة الرسمية التي غلفت هذه الجهود جعلتها لا تحقق الهدف المنشود، إضافة إلى البطء الشديد من جانب الحكومات في تنفيذ الالتزامات التي قطعتها الدول على نفسها، هذا البطء فضلاً عن أن الثغرات التي وجدت في النظام الدولي لمنع الانتشار النووي شجعت الكثير من الدول على الدخول في النادي النووي مثل باكستان والهند، إضافة إلى إسرائيل التي تشير التقارير الدولية إلى امتلاكها ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية. كما تبذل القوى الدولية جهودًا كبيرة من اجل منع دول مثل إيران وكوريا الشمالية من تخطي العتبة النووية. هذه الجهود الرسمية يبدو أنها سوف تكتسب زخمًا كبيرًا خلال الفترة القادمة بعد المبادرة العالمية التي أُعلن عنها خلال الأسبوع الماضي - من جانب عدد كبير من الشخصيات الدولية – بهدف حشد الرأي العام العالمي لدفع جهود إخلاء العالم من أسلحة الدمار الشامل خلال السنوات القادمة. غلوبال زيرو: مبادرة شعبية لعالم أكثر أمنًا غلوبال زيرو هي عبارة عن مبادرة تم إطلاقها فى باريس فى الفترة من 9-11 كانون الأول/ديسمبر لمكافحة خطر الانتشار النووي، في مؤتمر دولي ضم أكثر من 100 شخصية من مختلف دول العالم من الخبراء الدوليين والقادة السياسيين ورجال الأعمال ورجال الدين وقادة المجتمع المدني ممن ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة، ومن ابرز الموقعين على هذه المبادرة والداعمين لها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وسكرتير الحزب الشيوعي السابق ميخائيل غورباتشوف، والرئيس البرازيلي السابق فرناندو هنريك كاردوسو، ورجل الأعمال الشهير ريتشارد برانسون وغيرهم من الشخصيات الشهيرة على مستوى العالم. وتهدف هذه المبادرة إلى خلق رأي عام عالمي قوي، يساند بقوة الجهود التى يبذلها قادة العالم من اجل الحد من خطر انتشار الأسلحة النووية في العالم، والوصول إلى اتفاقية شاملة تكون غايتها النهائية الوصول إلى خفض مخطط ومنظم لترسانة الأسلحة النووية الموجودة في العالم.
وقد اتفق المشاركون في اجتماعهم في العاصمة الفرنسية على مسودة أولية لخطة عمل تحاول وضع الهدف الأساسي لهذه المبادرة موضع التنفيذ، بالوصول إلى عالم خالٍ من أي سلاح نووى، ومن أهم الآليات التي ستعتمد عليها المبادرة هي عقد مجموعة من الاجتماعات خلال الفترة القادمة في كل من موسكووواشنطن للترويج للمبادرة، والعمل على تنظيم مؤتمر عالمي في كانون الثاني/يناير 2010 يجمع 500 من قادة العالم، لمناقشة الكيفية التي سيتم بها الوصول إلى عالم خالٍ تمامًا من السلاح النووي، وسوف تركز المبادرة خلال العام القادم كل جهودها من اجل التوصل إلى جدول زمني مرحلي، يهدف إلى التخلص من كل الأسلحة النووية في مدى زمني لا يتجاوز الخمس والعشرين سنة القادمة. ويؤكد المشاركون في هذه المبادرة على أنها لا تنطلق من مثاليات أو مبادئ عليا لا يمكن تحقيقها فى الواقع، ولكنها مرتبطة اشد الارتباط بأمن العالم وسلامته، لذلك فإن الهدف هو خلق رأي عام عالمي حاشد باعتباره الوسيلة الوحيدة لوضع مسألة نزع السلاح النووي على الأجندة السياسية لقادة العالم في الفترة القادمة، خصوصًا أن استطلاعًا للرأي في 21 دولة حول العالم اظهر نسبة تأييد كبيرة – وصلت إلى 76% - لفكرة التوصل إلى اتفاقية شاملة تهدف إلى القضاء على كل الأسلحة النووية وفقًا لجدول زمني معين تحدده هذه الاتفاقية. ويركز القائمون على هذه المبادرة على زيادة التعريف بمخاطر الأسلحة النووية بالذات لدى الأجيال التي لم تعش فترة الحرب الباردة، والذين هم أكثر عرضة لمخاطر هذه الأسلحة في المستقبل. فرص وتحديات؟ انطلقت فكرة غلوبال زيرو من وجود مجموعة من الفرص المتاحة فى الوقت الحالي، فضلا عن مجموعة من المخاطر المتعلقة بمسألة الانتشار النووي. هذه الإمكانيات تتلخص في التغيير القيادي الذي شهدته الولاياتالمتحدة، ووجود قيادة جديدة متمثلة فى الرئيس الأميركى المنتخب باراك أوباما، والذى يبدو انه من اشد المتحمسين والمناصرين لهدف نزع السلاح النووي من العالم، حيث أعلن عن رغبته فى عالم أكثر أمننا خالي من أسلحة الدمار، هذا الاتجاه عبر عنه أيضا الرئيس الروسى الأسبق ورئيس الوزراء الحالى فلاديمير بوتين في خطاب له فى أيلول/سبتمبر الماضى. وبالرغم من هذا الزخم الكبير الذى حظيت به عملية نزع السلاح النووي في العالم مؤخرا، إلا أن تحقيق هذا الهدف ما تزال أمامه تحديات جمة وخطيرة، تنبع أولها من الخوف من أن يتم فقدان هذه اللحظة المهمة دون القيام بعمل يذكر، الأمر الذى يحمل الكثير من المخاطر، والمتمثلة فى دخول العديد من الدول فى سباق من اجل الحصول على تكنولوجيا صناعة أسلحة الدمار الشامل وبالأخص الأسلحة النووية، حيث تسعى عددا من القوى الإقليمية إلى امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية وعلى رأسها إيران وكوريا الشمالية، وجدير بالذكر أن الجانب الإيراني لم يكن له أى تمثيل يذكر في مؤتمر باريس، الأمر الذى يضع كثير من الصعوبات أمام خطوات تنفيذ المبادرة فيي حال امتلاكها تكنولوجيا صناعة الأسلحة النووية، ومواجهة مثل هذه الطموحات حتما سوف يأخذ حيزًا كبيرًا من اهتمام الولاياتالمتحدة خلال الفترة القادمة، قد لا يجعلها تولي موضوع التخلص من ترسانتها النووية اهتمامًا كبيرًا على الأقل فى المدى القصير. أما ثاني هذه التحديات فينبع من تزايد احتمالية حصول الجماعات الإرهابية على هذه الأسلحة الخطيرة، فى ظل اتساع نطاق السوق النووية السوداء، هذا النطاق الكبير الذى كشفت عنه شبكة السوق النووية السوداء التي أدارها العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان، والتى تم رصدها فى عام 2004. مؤتمر إطلاق المبادرة بدأ المؤتمر بعرض تخيلى حول عما سوف يحدث لباريس إذا تعرضت لهجوم بالأسلحة النووية، ثم بعد ذلك انتقل المؤتمر إلى مناقشة ماذا تعنى مبادرة غلوبال زيرو، والتأكيد على أنها مجموعة من الخطوات العملية للقضاء على الأسلحة النووية فى العالم، ووضع نظام رقابة وتفتيش دقيق يمكن من خلاله التأكد أن الدول بالفعل تخلت عن ترساناتها النووية التى تمتلكها. وأكد الداعمين لهذه المبادرة - وعلى رأسهم رئيس فريق المفاوضين الأميركيين ريتشارد بيرت في المفاوضات التى أجرتها الولاياتالمتحدة مع روسيا في مطلع التسعينات من اجل التوصل إلى اتفاقيات ستارت على أن عملية القضاء على الأسلحة النووية يجب أن يبدأ بقيادة أميركية - روسية. وهذا التأكيد يعود إلى أن البلدين – روسياوالولاياتالمتحدة – يمتلكون اكبر ترسانة للأسلحة النووية فى العالم تقدر نسبتها بحوالى 96% من اجمالي الأسلحة النووية الموجودة في العالم، لذلك فان التخلص من هاتين الترسانتين يجب أن يكون من أهم الأهداف الأساسية التى يجب أن تضعها المبادرة في الاعتبار خلال الفترة القادمة، هذه الخطة إذا تحققت فإنها سوف تكون حافزًا قويًا للدول الأخرى للانخراط بقوة في عملية نزع السلاح النووية التي سوف تخطط لها المبادرة. الأطر الدولية لمنع الانتشار النووي جدير بالذكر أن جهود نزع الأسلحة النووية بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي بدأت فى السبعينيات من القرن الماضي، ولكن التقدم فى هذه الجهود وتنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها كان بطيئا للغاية، حيث خضع التطور فى هذه الجهود لطبيعة العلاقات بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، فإذا غلبت الصبغة الصراعية على هذه العلاقات شهدت هذه الجهود توقف شبه تام، أما إذا حدثت انفراجة فى العلاقات بين القطبين المتنازعين آنذاك تسارعت – نسبيًا – وتيرة تنفيذ الالتزامات المبرمة بموجب هذه الاتفاقات والجهود.
ويتكون نظام منع الانتشار النووى من العديد من المستويات التي تتمثل فى عدد من المنظمات والاتفاقيات الدولية الجماعية، فضلا عن مجموعة القوانين والتشريعات الداخلية التي تقرها الدول، وتهدف هذه المستويات فى نهاية الأمر إلى منع انتشار التكنولوجيا النووية للأغراض العسكرية. ومن أهم الأطر الدولية لمنع الانتشار النووي هناك أولا اتفاقية منع الانتشار النووي، والتي دخلت حيز التنفيذ فى عام 1970، هذه الاتفاقية تعترف فقط بخمس دول كدول نووية على سبيل الحصر، وهى الولاياتالمتحدةوروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين. وتعتبر هذه الإتفاقية الإطار الوحيد – من بين الأطر الدولية لمنع الانتشار النووي - الذي يتسم إلى حد كبير بالعالمية، حيث أن جميع الدول تقريبا منضمة إليها باستثناء ثلاث دول لم توقع الاتفاقية، وهم إسرائيل والهند وباكستان، كما أن كوريا الشمالية كانت قد انسحبت منها فى عام 2003. وبمقتضى هذه الاتفاقية فان الدول غير النووية عليها ألا تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، في مقابل ذلك تتعهد الدول النووية المعترف بها طبقا للمعاهدة بمساعدة هذه الدول غير النووية في الحصول على التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية. ثانيا: الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد تم تأسيس الوكالة في عام 1957 من اجل تقديم المساعدة الفنية للدول الراغبة في الاعتماد على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، والتأكد من انه لن يتم تحويل المواد المستخدمة في مثل هذه الأغراض السلمية إلى محاولة إنتاج الأسلحة النووية. ويقوم نظام الضمانات الذى تعمل بمقتضاه الوكالة على جمع المعلومات عن المنشات النووية المعلنة ومراجعة هذه المعلومات والقيام بعمليات تفتيش دورية عليها، فضلا عن إمكانية القيام بعمليات تفتيش فى المواقع غير المعلن عنها كمنشات نووية من قبل الدول، والمشكوك فى إمكانية استخدامها للأغراض النووية العسكرية. ثالثا: المناطق الخالية من الأسلحة النووية وهو نظام بمقتضاه قد تقوم بعض الدول فى مناطق جغرافية معينة بتوقيع اتفاقيات تحظر القيام بتطوير أو باستخدام الأسلحة النووية في أقاليم جغرافية معينة، ومن الأقاليم الجغرافية المطبقة لمثل هذا النظام أميركا اللاتينية وإقليم وسط آسيا وأفريقيا وإقليم جنوب شرق آسيا. رابعا: اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، وتم توقيع هذه الاتفاقية فى عام 1987، وتقوم على وضع مجموعة من المعايير الدولية الحاكمة لتجارة المواد النووية وتبادلها بين الدول، وتلزم الاتفاقية الدول الأطراف بمجموعة من إجراءات الأمان من اجل حماية المواد النووية من الإرهاب، والدول الأطراف فيها ملزمة بتقديم تقارير دورية للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الإجراءات التي تقوم بها في هذا الإطار. خامسا: الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي، والمعروفة أيضا باتفاقية الإرهاب النووي، وقد أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 2005، وتلزم الاتفاقية الدول الأطراف فيها باتخاذ الإجراءات التي تجرّم مجموعة من الأنشطة التي عرفتها الاتفاقية بأنها غير قانونية، وهذه الأنشطة متعلقة بالامتلاك غير القانونى للمواد الإشعاعية أو النووية فضلا عن الأضرار التي يمكن أن تصيب المنشات النووية، وأحكام هذه الاتفاقية تشمل الأفعال التي يقوم بها الأفراد أو تقوم بها الدول على حداً سواء، كما أنها تلزم الدول بتبادل المعلومات والتعاون فى الكشف عن المشتبه فى قيامهم بأعمال الإرهاب النووي. وهناك مجموعة من الأطر الدولية الأخرى من أهمها الاتفاقية الشاملة لمنع التجارب النووية والمبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي، ومعاهدة وقف إنتاج المواد المشعة.