طريقة إدارة التصويت "النهائي" على مخرجات الحوار كانت تشي بوضوح عن مجموعة من اللصوص كانوا يحاولون وعلى عجلة من أمرهم سرقة "وطن" والهروب به إلى مكانٍ ما لتقاسم الغنيمة أو لاستلام العمولة قبل أن يكتشف جريمتهم أصحاب الدار أنفسهم... تصفيق وهتاف "وبالروح بالدم) ثم الادعاء بأن القرارات قد صوت عليها والسلام دون أن نعرف من صوَّت ومن لم يصوِّت وكيف؟ ولماذا؟ كان مشهداً درامياً بامتياز اختلطت فيه "الفنتازيا بالتراجيديا" وفيما كان البعض يقف على خشبة المسرح مطالباً جمهور المتفرجين بالتصويت وقوفاً وهتافاً كان آخرون يقسمون أغلظ الأيمان بأن زميلهم في الحوار الذي كان قد اغتيل للتو وبطريقة وحشية قبل أن يصل إلى قاعة المؤتمر ما كان له أن يقتل بتلك الطريقة، لولا أنه كان قد قرر "خيانة" جماعته والمضي في التوقيع على "المخرجات" نيابة عنها وبدون علمها أو بالأصح بدون موافقتها، أو هذا ما فهمناه وفهمه بقية المشاهدين في القاعة والشاشة من كلام بعض المتحدثين حينها. هكذا إذن تمت سرقة مخرجات الحوار الوطني على عجل، وعلى طريقة اللصوص والمحتالين لا على قاعدة الشراكة والتصويت بالتوافق كما كان "يرغي" البعض وطوال تسعة أشهر من العبث، وقد جاء قرار مجلس الأمن الأخير الذي يضع اليمن تحت البند السابع والوصاية الدولية ليكتمل المشهد المسرحي، وليكشف المكان الذي ذهب إليه أولئك اللصوص بجريمتهم، وتلك الجهات التي استلموا منها عمولة "الرهن العقاري" لليمن ولقرارها الوطني مقابل تثبيت سلطة ممتدة انتهت شرعيتها بعد أيام من انتهاء مسرحية الحوار الوطني الشامل، وبعد أيام من مرور عامين على انتخاب الرئيس الاستفتائي. القرار الصادر عن مجلس الأمن2140، والذي يضع اليمن تحت الفصل السابع جاء ليشبه وإلى حد كبير المبادرة الخليجية بصيغتها الثالثة، على الأقل في خلفياته ودوافعه والأطراف التي سعت إليه وشاركت في مسودته، ومن يدري فقد ينتهي دون أن يحقق أي نتيجة على الأرض كما حدث مع المبادرة نفسها! ربما لم يعد أحد يتذكر أن المبادرة الخليجية بصيغتها الثالثة كانت قد وقعت في صنعاء من قبل كل من: صالح ومحسن وبوساطة قبلية "سنحانية" وبإشراف "إصلاحي" وقد تمت من وراء ثوار الساحات وبقية أطراف المشترك وبهدف حل الأزمة التي تفجرت حرباً في الحصبة وأماكن أخرى على هامش الثورة. في السياق نفسه تقريباً، جاء القرار الدولي الأخير ملبياً لحاجة تحالف الرئيس هادي مع الإصلاح وبما يمد من سلطتهما غير الشرعية، ويشرعن للأقلمة والتفتيت ولسياسة الإقصاء التي يمارسانها وسيمارسانها، ومثل المبادرة جاء القرار الأممي أيضاً بدون عمل بقية أطراف الحوار وبقية حكومة الوفاق.
هكذا إذن حدد تحالف (الإخوان - هادي) الغرض الذي سيحققه لهما القرار الأممي، واللذين لا شك أنهما شاركا بمسودته الأولى مع جمال بن عمر وقبل أن يقدمه الأخير كمشروع قرار باسم بريطانيا إلى مجلس الأمن، والتي بدورها أصرت وبدهاء على إزالة بعض الأسماء والجهات التي كان مشروع بن عمر قد ذكرها في المسودة اليمنية "صالح والبيض" وكل من الحراك والحوثيين (الجماعات المسلحة)! وعند هذه النقطة بالذات لم يدرك تحالف (هادي الإصلاح) بأن القرار الأممي النافذ لم يعد هو نفسه مشروع القرار الأممي "المسودة" الذي سعي إلى إصداره، وبدلاً من أن يكون موجهاً ضد أطراف بعينها افترض التحالف أنها تمثل تهديداً سياسياً احتمالياً للتحالف ولسياسته الإقصائية، وأصبحت بنود القرار عبارة عن صيغ عامة ومطاطية تقبل التفسير العقابي على أي طرف يمني وعلى كل طرف يمني "تحدده لجنة الوصاية" والدول المشرفة على اللجنة "السعودية وبريطانيا"، وعدم التحديد هذا يعني أن السلطة نفسها قد تكون - إذا تغيرت الأحوال- مشمولة بأهدافه العقابية على رغم أنها من سعت إلى إصداره وهللت له بعد صدوره، بل ولا تزال تهلل له حتى اللحظة! الأمر الذي يجعل السلطة اليمنية بهذا القرار "الفضيحة" مكشوفة داخلياً حد التعري دون أن تضمن أن تحمي نفسها من قبل الخارج أو بالقرار الأممي المطاط "حمال أوجه" والذي سعت إليه، وهنا تكون سلطة التحالف الثنائي في حيص بيص وحالها حال تلك الريفية التي خرجت لصيد الجراد يوماً وبدون خبرة فعادت بدون جراد وقد خسرت كل شيء. لم يدرك تحالف الإخوان هادي حتى اللحظة ولا يبدو أنه سيدرك في المستقبل أنه لا المبادرة الخليجية، ولا القرار الدولي الأخير يمكن أن يحلا مشكلة اليمن أو يتجاوزا المتغيرات الهائلة التي حدثت وتحدث في المجتمع حتى اللحظة. وإذا كانا قد استهدفا بالأمرين معاً تجاوز الحراك الجنوبي وحركة أنصار الله مقابل إلحاق بقية الأطراف بسلطة الفساد الممتدة كغطاء سياسي ليس إلا، فإن هذا الهدف الإقصائي بالذات هو من سيقلب المعادلة عليهما رأساً على عقب، وقد يحول القرار الدولي والفصل السابع نفسه ضدهما وعلى طريقة من حفر لأخيه حفرة وقع فيها. في الأخير يبقى أن نقول يمكن للصوص والمحتالين أن يديروا عصابة مافيا، ويمكن لهم أيضاً أن يصفقوا أو يهتفوا وقوفاً على خشبة مسرح فندق سعوان ولكن هذا إلى حين، وقبل أن ينفض المولد ويختلف أعضاء العصابة في ما بينهم عنفاً وتصفيات، أما الأوطان فلا يمكن أن تدار أو تباع بهذه الطرق الاحتيالية وسواءً كان ذلك بغطاء المبادرة الإقليمية أو بغطاء القرار الأممي.