في السابع من آذار الماضي أجريت في سركيس نعوم العراق انتخابات تشريعية اظهرت نتائجها عدم نجاح اي من اللوائح الاساسية الثلاث في الحصول على غالبية مطلقة في مجلس النواب تمكّنها من تأليف الحكومة التي ترى انها الافضل لها وللبلاد، او على الاقل حكومة غالبية بسيطة قادرة بقليل من التحالفات مع الفائزين من اللوائح الانتخابية الاخرى على تأمين حكومة كهذه. ف"ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي حصل على 89 مقعداً نيابياً. و"الائتلاف الوطني العراقي" الذي يتزعمه "السيدان" عمار الحكيم ومقتدى الصدر حصل على 70 مقعداً نيابياً. ولائحة "العراقية" التي يتزعمها رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي حصلت على 91 مقعداً نيابياً. واللوائح الثلاث او بالاحرى الكتل النيابية الثلاث التي تنافست انتخابياً بدأت بعد الانتخابات تنافساً حكومياً. وظهر في وضوح للعراقيين كما للمتابعين من العرب والعالم ان الخلافات العامة والخاصة فضلاً عن الفئوية بين الكتل المذكورة كبيرة الامر الذي دفع هؤلاء الى توقع انقضاء اشهر تراوح بين اثنين وستة قبل ولادة الحكومة الجديدة، وذلك رغم كون كتلتي المالكي والحكيم - الصدر شيعيتين في معظمهما بخلاف كتلة علاوي السنية في غالبيتها رغم شيعيته. طبعاً لم يشعر الرئيس المالكي بالانزعاج من الوضع الراهن وخصوصاً بعدما لمس ومباشرة ان خلاف "العراقية" والائتلاف الوطني العراقي وإن شديداً لم يحل دون اشتراكهما في موقف واحد هو عدم عودته الى منصبه الحكومي الحالي. فهو يتابع مهمته الحكومية ولكن من دون حسيب او رقيب، وذلك بسبب غياب مجلس النواب رسمياً نظراً الى انتهاء ولاية السابق وعدم تكوّن الجديد نظراً الى عدم اعلان النتائج الرسمية والنهائية بسبب الطعون المقدمة التي يستلزم التدقيق فيها وقتاً كما بسبب احتمال تقديم الطاعنين وربما غيرهم طعوناً جديدة.
الا يفتح التفاهم الذي قام بين الكتلتين الشيعيتين اي المالكي والحكيم - الصدر قبل مدة وجيزة الطريق امام تسوية شاملة او جزئية تؤدي الى قيام مجلس النواب رسمياً وتالياً الى تأليف حكومة جديدة؟
الجواب عن هذا السؤال يقتضي تحديد العقبة الابرز التي تحول دون انتظام عمل المؤسسات الدستورية في العراق. والعقبة هذه هي رئاسة الحكومة. فالكتلة "الفائزة" بنواب اكثر من غيرها، على محدودية فوزها تصر على حق زعيمها علاوي في رئاسة الحكومة. وهذا الاصرار يقابله موقف داخلي رافض تمثله كتلتا المالكي والحكيم – الصدر. ويقابله موقف خارجي بعضه رافض وبشدة لعلاوي وبعضه الآخر مؤيد له. والاثنان ينطلقان من مصالح عامة لاصحابهما وكذلك من مصالح خاصة وربما من انتماءات مذهبية معينة. والرافض هو الجمهورية الاسلامية الايرانية والمؤيد تمثله المملكة العربية السعودية وتشاركها سوريا هذا التأييد رغم حلفها الاستراتيجي مع ايران. والدافع الى هذا الخروج الاستثنائي والموقت والمحدود ربما عن التحالف المذكور هو كون سوريا طرفاً في العراق مثل السعودية وايران وهو ايضاً كونها على صراع مع ايران في الموضوع العراقي.
وبسبب ذلك كله، يقول متابعو الاوضاع العراقية عن كثب، بذلت القيادة الاسلامية الايرانية جهوداً كبيرة لإصلاح ذات البين بين المالكي من جهة والحكيم – الصدر من جهة اخرى ونجحت في ذلك. لكنها لم تذلل العقبة المفصّلة اعلاه. اذ لا يزال الاعتراض الحكيمي – الصدري على عودة المالكي الى رئاسة الحكومة في محله. لا بل ان عودته هذه صارت خطاً أحمر بالنسبة الى رافضيها. والمقصود بذلك الرفض التام لها. فضلاً عن ان التفاهم في ذاته بين المالكي والحكيم – الصدر معقد الى درجة لا توحي بإمكان نجاحه الآن على الاقل، الا طبعاً اذا وضعت طهران ثقلها في الموضوع. ويدفع ذلك جهات عراقية الى توقع فشل التفاهم او انفراطه. ومن التعقيدات مثلاً انه ينص على تشكيل لجنة تضم 7 اعضاء من كل من الكتلتين وعلى ان تدرس هي كل الاقتراحات المتعلقة بتشكيل الحكومة من اكبر التفاصيل الى أصغرها، واخيراً على ان تتم الموافقة عليها بغالبية 80 في المئة من اعضاء اللجنة. هل تشكل رئاسة الحكومة العقبة الأكبر الوحيدة امام انتظام العمل المؤسساتي الدستوري في العراق؟
كلا، يجيب العارفون انفسهم. فهناك عقبة اخرى اكثر اهمية في الواقع هي ضرورة ان يتمثل السنة، وهم مكوَّن رئيسي من شعب العراق، بالذين فازوا منهم في الانتخابات الاخيرة. وهؤلاء كانوا على قائمة علاوي التي لا يشكل الفائزون الشيعة منها الا نسبة غير كبيرة (12 الى 20 من اصل 91 نائباً). فهل يقبل هؤلاء ترك علاوي للانضمام الى حكومة يرفضها رئيساً واعضاء؟ ام هل يُقِنع هؤلاء علاوي بالاستغناء عن رئاسة الحكومة شرط تقديم ترضيات وزارية مهمة له؟ وهل يقبل المالكي والحكيم – الصدر خوض مغامرة عدم تمثيل السنّة في حكومة جديدة؟ وهل يتحملون انعكاساتها السلبية ولا سيما على الصعيد الامني ثم الاجتماعي فالاقتصادي؟ وهل يقبل المرجع "الحكيم" آية الله السيستاني بذلك؟ وقبل ذلك كله هل تقبل هذا الامر العربية السعودية وسائر العرب السنّة؟ وهل تقبله ايران الشيعية؟
هل من حل لهذا الوضع المعقّد؟
الحلول صعبة وغير منظورة الآن، يجيب العارفون اياهم. لكنهم يشيرون الى احتمال آخر، على صعوبته، هو اقدام كتلة الحكيم – الصدر على التفاهم مع كتلة علاوي، في حال "عنّد" المالكي، وفي حال وضع ذلك البلاد على عتبة حرب اهلية "رسمية"، على حكومة برئاسته لا بد ان يكون التحالف الكردستاني (43 مقعداً) شريكاً فيها. علماً انه جاهز لأن يكون شريكاً لأي كتلتين متفاهمتين شرط عدم تجاهل مطالبه.
ماذا يعني ذلك؟
يعني ان الآفاق لا تزال مسدودة، وان الأمل يكون بتفاهم عربي (سعودي – مصري – اردني – سوري) – ايراني. وحتى الآن ليس هناك سوى حوار غير مباشر بين الفريقين اي عبر شخصيات عراقية. وذلك ليس كافياً. وما لم يحصل ذلك لن تتألف حكومة في العراق، او تتألف "حكومة حرب". علماً ان الواقعية تقتضي الاشارة الى ان التفاهم العربي – الايراني يرتبط بدوره بحوار اميركي – ايراني يعقبه تفاهم. والاثنان لا يزالان بعيدين. وهذا ما يزيد المخاوف.