كان عالم النفس سيغموند فرويد يؤمن بأن الشخصيات القلقة قد تشكلت في الطفولة. لكن بعد دراسة استغرقت كل سنوات حياته المهنية أصبح جيروم كيغان عالم النفس من جامعة هارفارد مقتنعًا أن القلق قائم بأكمله في الجينات. تشكل أليس العالمة حالة مثالية للشخصية القلقة واستاذها المشرف يثمن عاليًا شعورها العالي بالمسؤولية ورغبتها القوية في تحقيق الكمال في عملها المختبري. لكن حين يأخذ زملاؤها فترة للاستراحة أو لتناول الغداء، تجلس هادئة بعيدًا من زملائها منشغلة في اللعب بخصلات شعرها في وقت تطرف عيناها باستمرار إذا طرح عليها أي شخص سؤالاً. أليس تكره المناسبات حين يتوجب عليها أن تخبر الكادر العامل معها عن التجارب التي تعمل عليها. وعادة هي لا تنام في الليالي التي تسبق تلك المناسبات. ويصبح فمها جافًا مع استعراق كلا راحتي يديها حينما تقف أمام زملائها لتقديم محاضرتها. في الفترة الفاصلة ما بين الحرب العالميتين كانت أفكار فرويد سائدة وكان معظم علماء النفس والنفسانيين يعتبرون سلوك أليس ومزاجها ناجمًا عن طفولتها. لكن البروفسور كيغان له رأي آخر الآن. مع ذلك فإنه خلال سنوات دراسته الجامعية في جامعة يال ما بين عامي 1950 و1954 كان مؤمنًا بكل هذه الأفكار. غير أنه بدأ يشكك في قناعاته ابتداء من العام 1962، حينما بدأ مع زميل له يدرسان الأدلة التي جمعاها عن مجموعة من الراشدين المولودين خلال الثلاثينات من القرن الماضي. وكان هناك 15% منهم ذا طبيعة خجولة وخائفة وكانوا مثل أليس خلال أول ثلاث سنوات عملهم، حيث أنهم أخبروه بأنهم يخجلون وغالبًا ما يشعرون بعدم الثقة بانفسهم ويتجنبون أي نشاطات مغامرة وهم يتجنبون أخذ أي تحديات صعبة. وحينما ألف مع زميله كتاب من "الولادة إلى النضج" وفيه قالا إن الأطفال يرثون طبيعة متوارثة.
لكن الخطوة الثانية جاءت بعد 20 سنة حينما اشترك البروفسور كيغان مع زميلين هما ريتشارد كيرسلي وفيليب زيلازو في فحص الأدلة التي حصلوا عليها من تأثيرات العناية التي تلقاها أطفال أميركيون من أصل أبيض وصيني في دار حضانة أو أنهم نشأوا في بيوتهم من سن 3 أشهر إلى 29 شهرًا.
واتضح للباحثين أن الأطفال من أصل صيني يكونون أكثر هدوءًا وخجلاً من الأطفال البيض سواء تربوا في بيوتهم أو في دور الحضانة. وهذا يثبت أن المجموعتين بدأتا حياة بأمزجة مختلفة.
وأخيرًا جاء بحث الكسندر توماس وستيلا تشيس عالما النفس اللذان أغضبا زملائهم من المحللين النفسيين خلال الستينات من القرن الماضي حين أشارا إلى الأطفال يبدأون الحياة مع أمزجة متميزة وأثارت قدرًا كبيرًا من التأمل في هذه الفكرة والرغبة بدراسة أمزجة الأطفال في مختبري.
لدى البشر عدد كبير من النوازع المزاجية لكنني قررت مع زملائي أن ندرس اثنين منها. وأحد النوازع التي لدى الأطفال هي عدم اليقين والخوف أو القلق حين مواجهتهم أحداث غير متوقعة أو غير مألوفة؛ والنزعة الثانية تحمي الأطفال من هذه العواطف. وبقينا نتقصى عددًا كبيرًا من الأطفال البيض ولدوا لآباء سليمي البنية من الطبقة المتوسطة في مدينة بوسطن ما بين عامي 1989 و1990 وكانوا في الشهر الرابع من أعمارهم. ثم استمررنا في متابعتهم حتى العام 2007-08 حيث وصل الأطفال إلى سن الثامنة عشرة وتوصلنا إلى نتائح عدة.
كان هناك 20% من الأطفال الذين كانت ردود افعالهم غير متوقعة أو غير مألوفة. فحين وضعت دمى ملونة للمرة الأولى أمامهم وبطريقة بطيئة بدأ الأطفال الذين في سن الأربعة أشهر بضرب أطرافهم وتقويس ظهورهم والبكاء فكأن تلك التجربة متقدمة جدًّا لأدمغته.
هؤلاء الأطفال الذين كانت ردود أفعالهم بهذا الشكل كانوا ميالين للخجل حينما يقابلون أشخاصًا غرباء ويخافون عند دخولهم غرفًا غير مألوفة لهم في سن الرابعة والرابعة والنصف، والكثير منهم يحتاجون عند بلوغهم السن السابعة إلى الإضاءة خلال ساعات نومهم وهم يخافون قضاء الليل لدى صديق وبشكل عام هم ميالون للهدوء في المدرسة. وقال الكثير منهم في سن المراقبة لفريق علماء النفس إنهم قلقون بشكل مبالغ به على مستقبلهم وقلقون على أحداث يراها مراهقون آخرون بأنها غير واقعية. فعلى سبيل المثال هم لا يحبون التكلم مع الغرباء، ويشعرون بالقلق إن كان عليهم الذهاب إلى حفلة حيث لا يعرفون الكثير من الضيوف. وعادة يعتبرهم أصدقاؤهم شديدي الحذر والحرص ومولعين بالتأمل.
ونقلاً عن صحيفة الاندبندنت اللندنية، فإن الفريق الباحث وجد أن سيكولوجية هؤلاء الصغار تتماشى مع سلوكيتهم. فتركيبهم القلق يسمى بال "أميغدالا"(اللوزة) وهو موضوع داخل الدماغ في مستوى الاذنين. والأميغدالا هي الهوائي الشخصي. فهي تقوم برصد التغيرات في العالم الخارجي وداخل الجسم وترد على ضوء التحولات المفاجئة أو لتوقع تجارب كهذه. فعند طريق إرسال نبضات إلى القلب والجلد والأوعية الدموية والعضلات يبدأ معدل ضربات القلب بالتزايد مع زيادة في ضغط الدم والتوتر وتقع تحولات في التنفس وعرق راحتي اليد.
على الرغم من أن النسبة لم تزد عن 20% لأولئك المبالغين في ردود أفعالهم والمنطوين على أنفسهم في سن الثامنة عشرة فإن 90% ليسوا دائمًا شديدي الحيوية. فمعرفة المزاج الشخصي يسمح للشخص أن يتوقع ما لن يكونوا عليه ولكن التنبؤ بما سيكونون عليه في تطوير طريقة تعاملهم مع العالم الخارجي غير مضمون النتائج.