بتحليل التجربة السياسية للرئيس صالح وسمات شخصيته سنجد أنه يتمتع بشخصية قوية ومؤثرة وهذا أعطاه قدرة متميزة وفاعلة على لعب دورا قويا وحاسما في حماية المشروع الوطني من الصدمات المتلاحقة التي ضربته في العمق، ونؤكد أنه مازال قادرا في المرحلة القادمة على تجاوز الأزمات المتراكمة التي تهدد وجود المشروع لأنه يمتلك شخصية قيادية قوية وحاسمه وخبيرة ولديها روح التضحية والقدرة على العطاء، وسنراهن وبقوة على حكمته في مواجهة المشاكل العويصة التي تبدو للمراقب أنها غير قابلة للحل. ورهاننا على الرئيس صالح مؤسس على التالي:
أولا: أنه من السنة الأولى لحكمه استطاع أن يخلق الرضا والقبول والشرعية لنظام الحكم، من خلال قدرته على إبداع آليات اتصال عالية الجودة مع كافة الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية المختلفة، ومن خلال قدرته على تحقيق التوافق والتوازن في الحياة السياسية، ومن خلال تمكنه من ضبط إيقاع الصراع بما يحقق المصالح الوطنية وأيضا من خلال تمكنه من أن يكون نقطة التقاء كافة القوى السياسية والاجتماعية في الساحة السياسية.
ثانيا: أن الرئيس صالح أعتمد على رؤية إستراتيجية تقوم على ركيزتين: الركيزة الأولى، اعتماد مبدأ الحوار السلمي والديمقراطي، والإقلاع عن العنف، وتبني إستراتيجية سلمية هي في حل كافة الخلافات والتباينات والمشاكل بين الإطراف السياسية، دون عنف أو صراع دموي، وهذه الاستراتيجية هي الطريقة المثلى القادرة على تجاوز الصراعات والفتن، ومن ناحية ثانية تسهم في حماية السلم الاجتماعي والأمن والأمان للجميع.....والركيزة الثانية: التسامح والعفو وتناسي الماضي وسلبياته، وإزالة كل التباينات والعمل بروح الفريق الواحد، على أساس القواسم المشتركة، والقبول بالآخر أينا كان.
مازال الرئيس قريبا من الشعب: ونذكر هنا رغم النقد الحاد والجارح، الذي وجهه معارضيه لشخصة ولفترة حكمه كمحاولة لتدمير صورته، إن صورته كمواطن وكقائد هي الأقرب إلى قلب الشعب اليمني، ربما لأنه ينتمي للفئة الفلاحية وهي الغالبية العظمى من اليمنيين وربما لأنه نموذج للفرد اليمني الذي أثبت وجوده استنادا على قدراته الذاتية، فالواقع يؤكد إن الرئيس مهما أختلف معه معارضيه مازال قريبا من الناس ويمكن استقصاء المسألة بسهولة لا عبر الانتخابات بل عبر قياس الرأي العام في المقيل اليمني، بل أن شعور أغلب الناس يروا أنه أكثر قدرة في الراهن في تجسيد طموحهم، فمن يتابع عامة الناس ويختلط بهم ويسمع آرائهم سيجد أن الرئيس مازال رغم مشاكل الواقع وسوئه والهجمات التي تلاقها خلال السنوات الماضية والنافية لتاريخه يمثل لدى الغالبية العظمى رمزا للمناضل الجسور الذي أثبت نفسه باستناده على القيم التي يدافع ويقاتل من اجلها كل اليمنيين.
وقد تمكن الرئيس من صياغة صورته أمام الجمهور كوطني جسور معبر عن الإرادة الشعبية من خلال تركيزه الدائم على الثوابت الوطنية، وسعيه لخلق إجماع وطني حول قيم الثورة وأهدافها، وتقديم قراءات مرنة ومنفتحة للمشروع الوطني. ومن خلال التزامه بالثقافة الإسلامية، فالرئيس صالح لم يتأثر بأي إيديولوجية، بل ان الإسلام هو المصدر الأساسي لرؤيته السياسية، ولم يتبنى العلمانية، وسعى بقوة لإقناع النخب الحديثة أن الإسلام قادر على استيعاب قيم الحداثة، وبالتالي فقد لعب دورا أساسيا في كبح العلمانية المتطرفة، وهذا زاد من قوة تأثيره على القوى التقليدية والحديثة في الوقت نفسه.
كما أن الرئيس أستطاع بجدارة أن يكوّن لنفسه كقائد وكأنسان صورة ايجابية لدى الجماهير ولدى أنصاره ولدى أغلب النخبة اليمنية المؤثرة، ويعبر الكثير عن قناعة بما في ذلك بعض معارضيه الوطنيين أن الرئيس بقدراته وخبرته وبالقوة التي يملكها قادر على تحقيق الأهداف الوطنية.
ومن يتابع فترة حكمه لابد أن يلاحظ أن الرئيس صالح عندما يصبح الكيان مهدد وفي لحظات الحسم يقف بحزم وصرامة ويواجه إشكالات الواقع لنصرة الوطن، وقد أظهر في لحظات الخطر أنه على استعداد للتضحية والالتزام بحماية المصالح العليا. وقد دافع في مراحل حكمه بقوة وحسم عن قيم المشروع الوطني وأهدافه، وتجاوز النخبة الأنانية، واتجه نحو المجتمع وقضاياه الحقيقية، برؤية عقلانية واقعية مستجيبة للواقع اليمني والإقليمي والدولي في ظل فلسفة تتقن المعاني الفعلية للمصالح الوطنية.
ومن المهم أن نذكر مسألة مهمة تحسب للرئيس صالح وهي نزعته الاستقلالية للقرار اليمني الخارجي، فقد جعل حركة الدولة الخارجية قوة خادمة للمصالح الوطنية، في ظل إدراك كامل للمصالح العربية والإسلامية.
ماذا نريد من الرئيس؟ في تصوري أن أبناء الشعب يريدوا من الرئيس صالح في المرحلة القادمة أن يركز بالتعاون مع كافة الأطراف في الساحة السياسية على بناء الدولة المدنية الحامل الجوهري للمشروع الوطني، ويمثل محاربة الفساد وفرض النظام والقانون وتحقيق قيم العدالة والمساواة وضرب القوى المتحدية لبناء الدولة والساعية وراء مصالحها القذرة أولوية لا يمكن الحديث عن أي تطور أو تقدم بدون تحقيق هذه المطالب، وبناء الدولة بحاجة إلى ترسيخ قوتها وشرعيتها من خلال الحكم المحلي الكامل الأقرب إلى الفدرالة، فالوحدة اليمنية كما ينطق التاريخ لن تترسخ وتتعمق جذورها في القلوب بدولة مركزية بل باللامركزية فالمجتمع ظل تاريخيا ينزع للاستقلال ولديه نزوع لمقاومة السلطة المركزية، والمركزية تولد حالة من الصراع وتبعث في النفوس مخلفات التاريخ. واللامركزية سوف تزيد من الولاء الوطني وولاء الناس لها ووهذا سوف يزيد من قوة الدولة ويجعلها قادرة على تجاوز الولاءات الدنيا.
كما أن المواطن اليمني يبحث عن دولة قوية تملك إرادتها ولها السيادة العليا وهذا يتطلب إضعاف المراكز التقليدية التي ولدها تاريخ التخلف في اليمن والعمل على تطويرها وسحبها بهدوء إلى قبول منطق الدولة، ويمثل الاعتماد على القوى المناصرة لرؤية الرئيس السياسة، خصوصا القوى الحديثة والتي تحمل فكر عصري والتي مازالت معزولة في مجتمع تقليدي، وهذه القوى الحديثة هي القادرة على الدفاع وحماية المشروع الوطني ومواجهة أعدائه بلغة العقل والعلم.
ولأن الرئيس صالح هو رئيس كل اليمنيين لا رئيس جماعة معينة لذا لابد من الاستجابة لمصالح جميع الإطراف، فالمطلوب من الرئيس أن يكون نقطة التقاء للقوى المتصارعة، وأن تتجسد في قيادته الوحدة والانسجام، وهذا يتطلب العقلانية في التعامل مع الواقع والاعتماد على أهل الخبرة والمعرفة، وأن تكون القرارات المصيرية مؤسسة على حسابات دقيقة قادرة على فهم الواقع كما هو، وأن تكون معبرة عن كل القوى الوطنية.
ولمواجهة المشاكل فإن الأمر يحتاج إلى التعامل مع أعداء الدولة والقوى المعارضة للمشروع الوطني ودولته الحاملة له بحزم شديد، من خلال ممارسة القوة بمفهومها المادي المباشر، ولكن هذا السلوك ليس إلا حل أخير لحماية القيم الوطنية من الانهيار، وبعد استخدام الوسائل المختلفة ذات الطابع السلمي، ويمثل الفساد العدو الأول وتأتي بعدها الحركات الارهابية المتحدية لمشروعنا الوطني والمهددة للأمن والاستقرار.
والمرحلة القادمة بحاجة إلى خلق رؤى أبداعية قادرة على التواصل السليم مع المشروع الوطني، وأيضا خلق آليات للتحكم والسيطرة بحيث يكون هناك تواصل فعال مع النخبة الداعمه للرئيس ومع المعارضين والرافضين حتى للمشروع الوطني، فالمرحلة القادمة بحاجة إلى الصبر والمرونة وتقبل الآخرين مهما كانت درجة الاختلاف معهم.