أثارت تصريحات الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، والتي شككت في نزاهة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبقرارها الظني الذي وصفه ب "المشروع الإسرائيلي"، ردود فعل غاضبة من قوى "14 آذار" التي رأت فيه "انقلاباً أبيض" يمهد لوضع اليد على ما بقي من مؤسسات امنية وسيادية وخدماتية لا تزال خارج الادارة المباشرة لحزب الله. واستغربت اوساط سياسية في الغالبية توقيت خطاب نصرالله عشية توجه رئيس الحكومة سعد الحريري على رأس وفد من 13 وزيراً الى العاصمة السورية اليوم, وتركيز الهجوم على المحكمة الدولية وصولاً الى اعتبارها "مشروعا اسرائيليا", وهو, اي رئيس الحكومة, اول المعنيين بالقضية لكون المحكمة تنظر في اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري.
ورأى نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري أمس، أن "القرار الظني الذي يتوقع أن يصدر عن المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أياً كانت طبيعة هذا القرار وأياً كان محتواه، قد لا يسبب فتنة إذا أحسن اللبنانيون التعامل معه بعقلانية، ولكن ما قد يمهد الطريق للفتنة الحقيقية هو الكلام التخويني الذي سمعناه من الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله".
وحسبما ذكرت صحيفة "الجريدة" الكويتية، نصح مكاري نصر الله أن "يفكر مئة مرة قبل أن يبني مواقفه على سيناريوهات المؤامرة التي يأتيه بها رئيس التيار الوطني الحر ،ميشال عون".
وختم قائلا: "العماد عون حرّ في أن يرفع التقارير إلى من يشاء، ولكن إذا صح ما نقل عنه، فإن من المؤسف أن يحاول تصفية حساباته السياسية الضيقة بالتحريض وبالحديث عن مجموعات عسكرية قد تتحرك في البيئة المسيحية، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي".
وكان نصرالله قال أمس الأول، إن "الإسرائيليين عاجزون عن مواجهة المقاومة، لذلك يراهنون على مشروع إسرائيلي آخر يدعى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان"، محذراً من أن 'الإسرائيليين ينتظرون قرار المحكمة الدولية لإثارة التوترات في لبنان'.
من جانبه، اعتبر عضو كتلة "نوّاب الكتائب" النائب إيلي ماروني أنّ كلام نصرالله "يشكل رسالة ضغط حتى يخاف القضاة في المحكمة الدولية، وبهذا الكلام يضع نفسه مكان الأجهزة الأمنيّة تماماً كما حلوا مكان شبكة الاتصالات وأنشأوا شبكة اتصالات خاصة بهم".
في المقابل، أشار عضو تكتل "التغيير والإصلاح"، النائب حكمت ديب، إلى أن "هناك نوعاً من الحذر حيال ما سيصدر من قبل المحكمة الدولية"، لافتا في هذا السياق إلى أن "لا مصداقيّة مشرّفة لمن هم وراء هذه المحكمة نظراً لما حصل سابقاً'، مضيفًا: "موضوع الاتصالات حساس جداً بالنسبة للمحكمة لأنه أصبح البرهان الوحيد لديها بعدما سقطت جميع البراهين السابقة".
من جهتها، نقلت صحيفة "السياسة" الكويتية عن ما اسمته ب "اوساط سياسية في الغالبية النيابية"، توقعاتها ان يشكل خطاب نصر الله فاتحة لمواقف اعنف متوقعة في محطتين الاولى في 25 يوليو/تموز الجاري بالتزامن مع موعد صدور توصيات المؤتمر التأسيسي العام لتيار "المستقبل",
أما الثانية ففي 13 أغسطس/اب المقبل ذكرى الانتصار في نهاية حرب يوليو الشهيرة, بحيث تكون المحطتان مناسبة لرفع حدة الخطاب ومحاولة جر البلاد الى موقع جديد يغير قواعد اللعبة من خلال تغيير حكومي لابعاد بعض القوى عن المشاركة في القرارات في مجلس الوزراء قبل صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية.
وفي حين لفتت مصادر سياسية في قوى "14 آذار" إلى أنها المرة الأولى التي يتهجم فيها نصر الله على المحكمة بهذا الأسلوب الخطير, أكد عضو تكتل "لبنان أولاً" النائب أحمد فتفت "أن هدف المحكمة ليس الانتقام من أحد, بل العدالة والبحث عن الحقيقة", مشيراً إلى "أن التشكيك بقراراتها قبل صدورها, يؤدي إلى توتير الأجواء الداخلية وإلى اضطراب في الوحدة الوطنية".
واعتبر فتفت "أن اعتبار نصر الله قرارات الحكومة في الخامس من مايو (2008 بشأن شبكة اتصالات "حزب الله") قرارات إسرائيلية, هو كلام تخويني كبير", مؤكداً أنها "كانت قرارات وطنية بالدرجة الأولى وإذا أراد نصر الله أن يعرف خلفياتها, عليه أن يسأل النائب وليد جنبلاط عنها".
وأضاف "إذا كان لدى السيد نصر الله معلومات عن عميل إسرائيلي سعى للجم الاتصالات و"الداتا" للتأثير على المحكمة الدولية, فلنسلمه إلى المحكمة الدولية التي هي من يجب أن تحقق معه وأن تحاكمه, أما القول مسبقاً بأنه القرار الظني للمحكمة فيه مسحة إسرائيلية, فهذا أمر مرفوض".
وبشأن ما نقلته صحيفة "السفير" عن تخوف العماد عون من سيناريو دراماتيكي ونصيحته للسيد نصر الله بتغيير قواعد اللعبة, قال فتفت: "أتمنى ألا يصادق العماد عون على السيناريو الوارد نقلاً عنه, وهو سيناريو فيلم ولا يُصدق إلا إذا كنا إما أنبياء أو مشاركين فيه".
من جانبه , رأى عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب أنطوان زهرا أن "الملفت في كلام نصرالله, في إطاره العام, هو مشروع دولة "حزب الله" الذي لا يوافقها قيام الدولة اللبنانية ولا محاسبة المسؤولين عن الإغتيالات", كما علق على "السيناريو الدرامتيكي" للعماد ميشال عون, سائلاً الأخير "إذا كان لديه خبر, فلماذا لم يقدم إخبارًا للنيابة العامة للتحقق منه, إلا إذا إعتبر العماد عون أن هذه المعلومات يجب أن تكون فقط مع المرجع الصالح للتحقيق والمعالجة الذي هو دولة "حزب الله" بنظره?"
بدوره، اعتبر المنسق العام لقوى "14 آذار" فارس سعيد أن نصر الله "أعلن الإنقلاب الصريح والواضح على الدولة اللبنانية والشعب اللبناني, كما أعلن التفلت الصريح والواضح من كل نقاط الإجماع التي جمعت اللبنانيين منذ بداية طاولة الحوار حتى هذه اللحظة".