تجزم إذا رأيتها للوهلة الأولى أنها صدفة وستتجاوزها في المرة الثانية، لكن الشكوك ستراودك في الثالثة، أما بعدها فهي لم تعد صدفة وثمة من يرصد ويقتنص الفرص أو يجيد التخطيط بامتياز. كان حزب الإصلاح هو السند الخفي لحليفه وخصمه حزب المؤتمر الشعبي العام وإن كان ذلك جلياً في كثير من المواقف التي التقت فيها مصالح الضدين فمنذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في مطلع تسعينيات القرن الماضي كان الإخوان هم الكتف التي استند عليها المؤتمر لترجح كفته للانفراد بالحكم بعد التحالف الشهير عقب أول انتخابات برلمانيه ليطيح بشريك الوحدة قبل أن يتحالفا مرة أخرى أي المؤتمر والإصلاح في شن حرب صيف 94 بقيادة الفذ وأخيه "غير الشقيق" أبو الأخوان وسيد الانتصارات التاريخية في هذا البلد .
الانتخابات البرلمانية اللاحقة التي جرت في العام 97 والتي أعطت حزب صالح أكثرية تؤهله لتشكيل حكومة بعد أن تحالف خلسة مع بعض المنشقين من الحزب الاشتراكي وترشيحهم كمستقلين، مستغلاً لسياسة الإقصاء التي مارسها حزب الإصلاح في إدارته للمؤسسات الحكومية التي كانت نصيبهم من الكعكة في الفترة السابقة ، وكانت هذه الإدارة السلبية هي الفزاعة التي استخدمت في كل انتخابات أجريت بعد ذلك بما فيها الانتخابات الرئاسية الأخيرة المصحوبة بانتخابات المجالس المحلية وهي الأخرى كانت ساحقة لصالح صالح . الحليف الشهير كان له مرشح آخر هذه المرة خرج من إبط قادته الذين ناصروا صالح وبرروا ذلك بالقول الذي أعجب به الكثير حينها "جني نعرفه ولا إنسي ما نعرفوش" فكان بن شملان هو الضحية وكانت الفزاعة من يقف وراءه من الإصلاح وصورة الإرهابي المزعوم التي وزعت عشية الانتخابات.
في الانتخابات الرئاسية الأولى عام 99 التي فاز بها صالح بنسبة 99.9% على "الكوبري" نجيب قحطان الشعبي كان حزب الشيخ الأحمر وعلي محسن ممن شاركوا المؤتمر بالتوعية ودفع المواطنين لانتخاب الفائز في نزال كان يجب أن ينتهي في جولته الأولى نظراً لعدم التكافؤ . فكان صالح مرشحاً للمؤتمر والإصلاح معا في مسرحية هزلية آلفها حزب "شيخ الرئيس وحزب رئيس الشيخ" عنوانها (المرحلة القادمة تحتاج لصالح ) كما قال أحد قادة حزب الإصلاح في مقابلة تلفزيونية بثتها قناة الجزيرة حينها .
بعد أن تربع "حزب الحاكم" على منابع الثروة و السلطة ؛ دأب على ممارسة نفس الفعل الإصلاحي وأقصى كل من لا يبجله سواء من داخل حزبه أو خارجه مستغلاً أيضا الفزاعة سالفة الذكر حتى أصبحت المناصب الحكومية حكراً على من يقدم السمع والطاعة والخضوع والأمثلة على ذلك كثيرة ولا يتسع لي المقام هنا لذكرها.
لم يكن المؤتمر يعتمد بشكل أساسي في برامجه الانتخابية على وعود البناء والنماء فهو يعلم مسبقاً أنها حبر على ورق وقد يعتبرها برتوكولاً تعمل به الأحزاب الكبيرة، وسيكتفي مرشح مؤتمري على المنصة أن يخير من حوله، إما المؤتمر أو الإصلاح فيجيبون المؤتمر لينال التصفيق الحار ومن بعدها الانتصار .
في مطلع العام الماضي كان المشترك يهم لتنظيم وقفة احتجاجية المعروفة "بالهبة الشعبية "تماشياً مع ما حدث في مصر وتونس. كانت الأحداث متسارعة وكان علي صالح يقدم في كل ساعة مبادرة جديدة .. توقف الإصلاح ومن معه عن تنظيم الاعتصام فجأة في محاولة جديدة للإنقاذ . إلا أن الناس تجاوزت الأحزاب وهرعت للحاق بالربيع العربي . ولا أستبعد هنا أن أحزاب المعارضة "سابقاً" وفي مقدمتها الإصلاح هرعت أيضا لتحتوي هذي الثورة ولكنها لم تتمكن من تحقيق ذلك أمام السقف المرتفع لمطالبها وتطلعاتها .
في غضون ذلك كانت قواعد المؤتمر تتهاوى والاستقالات تتتالى والنظام يستعد للرحيل, صالح يطلب فقط عدم الملاحقة القانونية قبل المغادرة في اجتماع سري جمع الأطراف في منزل "النائب القديم" الرئيس الجديد بحضور السفير الأمريكي.
وسريعاً تناقلت وسائل الإعلام أن علي صالح سيغادر اليمن خلال ساعات قليلة .فينبري إلى السطح أحد أعضاء الإصلاح الوريث الوحيد لثورة الشباب ويطلق التصريحات النارية المعروفة بالزحف إلى غرف النوم ليقدم خدمة جليلة ويخلق من العدم طرفاً آخر معادياً للثورة، وهو ما أطال أمدها ومكن صالح من استعادة أنفاسه وعودته من جديد بقوة مكنته من الخروج من هذه الثورة زعيماً تاريخياً بعد أن استلم المشترك مكافأته مقدما وهي نصف الكعكة.. الفزاعة ذاتها هي المنقذ، الفزاعة ذاتها هي الشريك والزمن القادم للفزاعة دون شريك.