(1) في بلادنا مازال الدين هو المفتاح الأساسي لصناعة التغيير تخيل فقط لو تزعم أئمة الجوامع الدعوة للتعليم، للصحة، للتنمية بأوجهها المختلفة؛ لاشك أننا سنقفز قفزات هائلة في اتجاه العصرنة والتحديث. (2) المؤسف أن ما يحدث هو العكس، ينشغل مشايخنا الأجلاء بالموت لا بالحياة ، بالجنة لا بالمجتمع، بالشجاع الأقرع لا بانهيار التعليم، بنقاء بشرة الحور العين لا بالموت المجاني واليومي في بلادنا. مشغولون بإقناعنا بتغيير مصائرنا على السراط المستقيم ويغضون الطرف تماما عن اقناعنا بتغيير مصائرنا في هذا الجحيم! (3) على القارئ أن يفصل بين الإسلام وبين حال مشايخنا، الأول لا يمس عظمته شيء، والثاني يعكس عصر الانحطاط الذي نعيشه، والحديث عن الكثير من المشايخ لا يعني الهجوم على الدين -هذا ما أعتقد- إلا إذا اصررتم على (البلطحة) دون قيد أو شرط لكل من يتاجر باسم الله. (4) في شوارع صنعاء اُطلقت مبادرة مجهولة، عبارة عن وضع علب الصفيح الفارغة (علب السمن غالبا) مطلية ومرتبة على أعمدة الإنارة بشكل أنيق، كتب عليها (صندوق جمع الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى) مبادرة سبقت خطوة أمانة العاصمة بتعميم "باسكت القمامة" في شوارع العاصمة. مبادرة عظيمة، فقط، أعد قراءة الفقرة مرة أخرى! (5) أصحاب المبادرة المجهولون أعينهم على الجنة، وهذا حقهم، ماذا فقط لو كانت أيضا أعينهم على المجتمع. لو كانت المبادرة -أيضا- تحمل شعار "حافظ على نظافة مدينتك" فقط إضافة علبة صفيح أخرى مخصصة لما لا يحوي آيات قرآنية واسم من اسماء الله الحسنى. ألستم معي أن المبادرة ستكون أجمل؟ اختيار الآخرة لا يعني القطيعة مع الدنيا، واذا كانت الدنيا دار عبور فلماذا لا تكون أنيقة كالمطارات؟ (6) في قريتنا ستجد في كل عشرة أمتار جامع ضخم بينما الأطفال يدرسون تحت الأشجار، ليس في قريتنا فحسب، بل في كل أنحاء الوطن الذي يشنقه بإصرار عجيب المشتاقون إلى الجنة. (7) سنصبح قادرين على احداث التغيير، فقط، عندما نقدّس المجتمع بذات القدر الذي نقدّس به الجنة.. عندما نؤمن بأن الطريق إلى الجنة لا يمر بنسف المجتمع واحتقار الحياة واهدار حياة الأبرياء.. عندما نتوقف عن الايمان بحكمة المهزومين والعجزة والبائسين "هي جنتهم الدنيا". عندما نُصر على الإيمان بأن (جنة واحدة لا تكفي).