هل يهزم ابن زايد بن سلمان ويتسبب بقسمة تركة الرجل المريض؟    قوات دولية في غزة لماذا.. وهل ستستمد شرعيتها من مجلس الأمن ؟!    هل جاء اعتراف إسرائيل بدويلة "ارض الصومال" اول تطبيق رسمي لمخطط التفتيت للدول العربية؟    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    وسط غياب الدفاع المدني وإهمال السائقين.. احتراق شاحنة نقل على طريق مأرب    فلسطين الوطن البشارة    حضرموت.. قنابل ضوئية على محيط مطار سيئون واتهامات متبادلة بشأن اشتباكات الشحر وحدتها تتصاعد    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    قوات النجدة بأمانة العاصمة تستعيد 3 دراجات نارية مسروقة    وكيل وزارة الخارجية يشيد بدورالصليب الأحمر في ملف الأسرى    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    بعد 15 شهرا من الاختطاف.. محكمة حوثية تأمر بالإفراج عن الصحفي المياحي    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    القوات المسلحة الجنوبية تضبط مصفاة غير قانونية لنهب النفط داخل مزرعة متنفذ شمالي في الخشعة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صعدة .. النعش والمقبرة
نشر في صوت الحرية يوم 26 - 08 - 2018

صعدة أو "صعدتم" بلسان سكانها الأصليين أحفاد سبأ وتبابعة حمير، في مجملها بساتين وحقول زراعية غنّاء، بسهولها ووديانها المنبسطة التي تشكل معظم تضاريسها الجغرافية. كان الحميريون يهبطون من الجبال المطلة على تلك الوديان الخصيبة كارتماءات السيول في الصباحات الشارقة، بمعاولهم ومناجلهم حرثاً للأرض وغرساً للشتلات ومدّاً للغيول، فيأتيهم الخراج تباعاً، زروع باسقة وطلع نضيد وثمار مختلفة الأشكال والألوان.

كان ذلك في أزمنة الزهو الغابرة، أما في الإثني عشر قرنا الأخيرة فقد استلب الهاشميون الدخلاء على صعدة المعاول والمناجل من أيدي سكّانها الأصليين، واستبدلوها بالسيوف والسهام منذ السنين الأولى للنكبة اليمنية، ثم "بالأوالي والزوامل" في مطلع الألفية الثالثة، حتى صار زارعوا البن والعنب والرمان حُصّادا لجماجم وأرواح بني جلدتهم في أقاصي مدائن اليمن، فكان أنْ حوّلوا صعدة إلى نعشٍ لليمنيين تسوقهم جثثاً إلى كل قرية وبيت، ومقبرة لأبنائها على مدار أكثر من ألف سنة حتى يومنا هذا.

وهنا يتبادر السؤال، كيف تمكّنت المليشيات الهاشمية من فكّ ارتباط سكّان صعدة بأرضهم وربطهم بخرافاتها ودجلها السلالي؟ ولفهم مكنون المجتمع الصعدي وحقيقة خضوعه لتدجين الوافدين عليه طوعاً لا كرهاً، نحاول الاقتراب من جوهر هذه المحافظة السليبة، ونقرأ الدوافع التي ساقت طليعة الاحتلال الهاشمي لليمن بقيادة إبراهيم بن موسى الكاظم ثم يحيى حسين الرسي من اتخاذ صعدة محطة وصول ومكوث وإنطلاق.

لماذا صعدة دون سائر المدائن اليمنية؟


إنّ الحقيقة الجلية هي أن صعدة بإنسانها السبئي الحميري الخالص لم يتخلَّ عن أرومة أصله أو ينسلخ عن جوهره النقي عبثا، لقد تعرض إنسان صعدة منذ أن توغلت مليشيات بني هاشم في بداية القرن الثالث الهجري لأبشع الجرائم الانسانية على الاطلاق، ففي تلك الفترة كانت صعدة هي فاتحة الجرائم لهذه السلالة الدخيلة على يد إبراهيم بن موسى الكاظم الذي حاول تأسيس دولته "الزيدية" فيها، وبسبب رفض أحفاد الملوك التبابعة من أن يحكم بلدتهم الدخلاء، شّن الكاظم حرباً دون هوادة عليهم وارتكب بحقهم مجازر مروعة، حتى الآبار والسدود والمزارع لم تسلم من نزعته الاجرامية، ومن هول تلك الجرائم وفداحة مصابيها أُطلِق عليه إبراهيم الجزار! ومثله فعل يحيى الرسي بعد ثمانية عقود، إذ بعد طرده في المرة الأولى سنة 280 ه تسلل خلسة للمرة الثانية بعد نحو أربعة أعوام صوب صعدة ومعه مجموعة من المقاتلين، وبعد أن وجد له موطأ قدم فيها، استجلب جيشا من المقاتلين من طبرستان والديلم وبدأ بشن حروبه على اليمنيين وأولهم أبناء صعدة أنفسهم.

ما كان لصعدة أن تتحول إلى نعش ومقبرة في آن إلا بعد أن مزّق الدخلاء الهاشميين أواصر وعُرى نسيجها المجتمعي بحد السيف حتى الإخضاع التام، تبعه التدجين وغسيل الأدمغة الذي تعرض له الكثيرين منهم فأصبحوا حطباً لحروب السلالة الرسيّة الدخيلة على مدى قرون من الزمن.

لقد كان للتضاريس التي تتمتع بها محافظة صعدة كلمة السر في تركيز الاحتلال الهاشمي عليها، فعدا عن كونها تحوي أودية زراعية مترامية وتتميز بمحاصيلها الزراعية المتنوعة، فإنها في ذات الوقت محاطة بسلسلة جبال شاهقة مطلة عليها، وهذا ما يحتاجه المحارب على المدى الطويل، المؤنة والجبل، الاحتماء والديمومة والبقاء، وهذا ما جعل حروب اليمنيين ضد هواشم الرسّ تنتهي عند سفوح جبال صعدة، دون القضاء المبرم عليهم في الماضي، إلا أن الحرب الراهنة تشي بتغيّر قواعد الاشتباك حيث بدأ التدحرج من أعلى الجبل بهدف كنس الغبار القادم من خارج الحِمى وإلى الأبد.

لم يكن إنسان صعدة الوحيد الذي تعرض لهذا الغزو والتهميش والتدجين الهاشمي المستمر، صعدة ذاتها الأرض والتاريخ والحضارة تعرضت للتجريف التام، فلم يعد فيها أثراً سبئيا حميريا قائماً، النقوش والسدود والقصور والقلاع السبئية لم يعد لها وجود وإنْ أطلالاً مهجورة، حتى قصر الملك الحميري الذي صعّده فيها عالياً طُمِست معالمه.

من يزور صعدة سيجد أنّ كل المآثر فيها من القلاع والحصون والمساجد مصبوغة بالصبغة الهاشمية الوافدة، وأكبر معلم أثري فيها هو مسجد المجرم الأكبر يحيى حسين الرسي الملقب بالهادي!! هذا ما حدث لصعدة إذن، لقد تحولت مدينة السدود والقصور والنقوش الحميرية إلى أرض بلا هوية وبلدة بلا مآثر أو معالم!

صعدة أضحت مقبرة كبيرة، كبيرة جداً، بساتينها وخمائلها ورياضها لم تعد مُعنقَدة بالعنب والبن والموز والرمان، لقد حولتها الهاشمية الرسية الدخيلة إلى مقابر جماعية تحت عنوان خدّاع "رياض الشهداء"، شهداء في سبيل السلالة، حتى جبالها ومدرجاتها الزراعية تتناثر فيها القبور كالبنيان المرصوص، قبور مزركشة للسلاليين الوافدين، وقبور منسية للعاقين من أبناء الأرض دفاعاً عن السلالة، فهل من متعض هنا ومدّكر هناك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.