يروي الصحفي الليبي عاطف الأطرش المعتقل منذ بداية الثورة في فبراير الماضي أساليب "جهنمية" استخدمتها أجهزة الأمن التابعة للعقيد معمر القذافي في تعذيبه لاتصاله بقناة الجزيرة، من الضرب المبرح والصفع والتهديد بالقتل إلى الحرب النفسية طوال فترة الاعتقال. وقال إنه كان يحاول لحظة اعتقاله تصوير مشاهد واسعة وقريبة من كتيبة الفضيل بوعمر، لكنه سمع بجواره صوت رصاص اتضح فيما بعد أنه صادر عن جنود قريبين من المقر الأمني ضد جنازة الشهداء الذين سقطوا في أول أيام الثورة، وكان ذلك يوم 18 فبراير/ شباط.
وأضاف أن ثلاثة عسكريين قبضوا عليه، واقتادوه تحت وابل من الضرب بالهُريّ والركل بالأرجل إلى داخل الكتيبة وغرفة الحجز ليجد مجموعة من الضباط والجنود في انتظاره استعدادًا لجولة أخرى من الضرب.
درع بشري وأكد الأطرش الذي يؤسس اليوم جبهة ضد من أطلق عليهم "المتسلقين" أن الكتائب استخدمته درعًا بشريًّا على مدفع رشاش فوق باب الكتيبة الرئيسي وهو معصوب العينين، قبل نقله إلى سجون القذافي في طرابلس.
وذكر للجزيرة نت أن الجندي المسؤول عن إطلاق النار قال له بالحرف إنه لا يهمه كم من الليبيين يموتون في سبيل بقاء القذافي في السلطة، مضيفا أنه بعد أكثر من ساعة على استخدامه درعًا أدخل إلى زنزانة صغيرة، شاهد فيها أعمالا "مروعة" استخدمت فيها مختلف أنواع التعذيب الجسدي لمعتقلين.
وتابع الأطرش قائلا إنه نقل إلى منطقة نائية بضواحي بنغازي يسمونها الهواري، ووضع في زنزانة انفرادية بدون طعام أو شراب، حيث تعرض لعملية سرقة ونهب لأمتعته الشخصية، إلى درجة أن أحد الجنود طلب منه خلع خاتم زواجه.
وفي مقر الأمن الداخلي ببنغازي قال الأطرش إنه تعرض لجولة جديدة من الضرب والتعذيب قبل الدخول على رئيسه السنوسي الوزري، ليقول له الأخير إنه الآن في عداد الأموات، وسأله عن بعض قيادات الثورة لاعتقاده أن ثورة 17 فبراير تشبه ثورة القذافي الانقلابية.
ووجهت أجهزة الأمن سبع تهم إلى الأطرش منها تهديد أمن القذافي، والتجسس لصالح مخابرات دولة أجنبية، والتخابر مع فضائية "مشبوهة"، إلى جانب تهمة استخدام موقع الفيسبوك.
وفي سجون بوسليم وعين زارة اتهمه رئيس جهاز الأمن الداخلي بالعمالة لقناة يهودية "في إشارة إلى الجزيرة" لكن الأطرش رفض الاتهامات لظهور القذافي شخصيا على القناة عدة مرات.
علبة عصير وأوضح أن أنواع التعذيب تغيرت هناك بوضعه في زنزانة تشبه إلى حد بعيد علبة العصير، يصل عمقها تحت الأرض ما بين 5 و6 أمتار، ويصاحب عمليات الدخول إليها والخروج منها لكمات بالأيدي والأرجل في حملة يقول إنها شبه يومية، وصلت إلى حد الخنق من أجل القتل.
ويتبع سجن عين زارة للكتائب، وهذا ما يضاعف عمليات "الإرهاب"، ويتحدث عن ليلة مرعبة قامت خلالها الكتائب بإدخال الكلاب البوليسية إلى القواطع لتصدر عند الفجر عواء مثل الذئاب، وفي اليوم التالي طلب ضابط من سجناء المنطقة الشرقية رفع أيديهم ليخبرهم عن موعد إعدامهم.
كما رسم الأطرش لحظة فارقة في حياته تمثلت بعملية إعدام وهمية، حينما طلب السجان من بعض السجناء التشهد، وأطلقوا الرصاص فوق رؤوسهم، لإدخال الرعب في قلوب المعتقلين.
تعذيب نفسي في سياق متصل كشف الأطرش عن وجود محقق في سجن بوسليم يعرفه السجناء باسم الدكتور، متخصص في ممارسة التعذيب النفسي، ويشير إلى أن أسئلته غير اتهامية وبسيطة، لكن أثناء التحقيق يدخل أحد الضباط وينهال على السجين بالضرب لإحداث صدمة نفسية.
وأضاف أنه في إحدى جلسات التحقيق عرض عليه المحقق صوت مداخلة على القناة، يظهر فيها صوت ابنه، وقام المحقق "الذي استمتع بهذا التعذيب" بتكرار التسجيل مرات.
وفي آخر أيام الاعتقال قبل تحريرهم يوم 20 أغسطس/آب، قال الأطرش إن طلب الدواء كان يجابه بالضرب، حتى هتف السجناء بحياة القذافي لاعتقادهم أن ذلك سيوقف التعذيب، لكن الضرب ازداد مع الهتاف.