من ثغرها الباسم ارتشف الأولون واستلهموا الكلمات المغناة، ومن أجلها ثاروا باستبسال حتى رحيل آخر جندي بريطاني في ال30 من نوفمبر عام 1967م. عدن العاصمة التي لا تتغير لدول تغيرت أسماؤها على امتداد القرون الماضية.. لكن في الآونة الأخيرة يكاد يلجمها العرق من حرارة الصيف وجحيم التفاصيل.
مليشيات مسلحة، مخدرات، جذور صالح، فصيل من الحراك المسلح، انقطاع متواصل للكهرباء في المدينة الأشد حرارة من بين مدن اليمن.
وكأن صوت المذياع ينخفض تلقائياً من حيائه عندما يصدح ابن عدن الراحل الفنان محمد محسن عطروش بأغنية «رحنا على البندر في شهر نيسان.. رحنا نبيع الفل والفل ولهان». إذ الطريق إلى البندر محفوف بمخاطر «المليشيات» وإن انصرفوا ب «وازع المساومة السياسي» سيكون الشارع الآخر مغلقاً والطريق سالكا إلى المجهول، فيما رائحة الفل استُبدلَت بروائح دخان إطارات السيارات التي تحترق هناك.
والملاحظ أن ما ليس في الحسبان بدأ يغزو طبقات اجتماعية مختلفة، مقابل التلاشي الواضح للأنشطة السياسية.
مطبخ البيض وحلم الشباب لم يعد يخفى أحدا وجود أجندة واضحة تحركها قوى خارجية، ويظهر ذلك جلياً على الواقع من خلال الخوف الذي يبديه «أنصار البيض» بمجرد أن يرفع أحد المشاركين في أيٍ من المسيرات علم الثورة السورية.
ترتفع أعلام التشطير في مسيرات الحراك ومعها ترتفع أعلام التأييد لبعض الدول العربية؛ لكن وبمجرد أن يرفع «مواطن حراكي» علم الثورة السورية يتقدم إليه اثنين (يصفهما الناس بمجندين البيض) وينصحانه بخفض العلم باحترام وإلا سيقلبان له الوجه الآخر.
وفصيل الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية قبل الوحدة علي سالم البيض تلاحقه التهم الجمة التي من بينها إمداد متشددي القضية بالمال والسلاح.
وبأدوات مختلفة تمارس الأطراف السياسة التعبئة والضغوطات على الطبقات الاجتماعية بغرض استمالتها، لكن الحراك المصمم للعودة إلى ما قبل 90 يتصدر المشاهد السلبية بقوة السلاح في تلك المدينة، وتُشير أصابع الاتهام صوب مُتشدديه المُغالين في تبني ظواهر جمة تضرب جذر المجتمع العدني الشهير بالبساطة والتسامح.
في النقاشات: إنهم يتحدثون عن حزبٍ سياسيٍ بعينه، ويغضون الطرف عن «صالح وحزبه».
وقد يكون للحراك بروتوكولاته التي يتحرك بموجبها، لكن هذه البروتوكولات خلقت عازلاً بدأ ينمو بالتدرج بين الشباب والقيادة بشكل عام من جهة وبين مكونات حراكية وفصيل علي سالم البيض من جهة أخرى.
فمثلاً الجمعة الفائتة أصدر «اتحاد شباب الجنوب» -وهو أحد المكونات الحراكية- بياناً بلهجة لاذعة يهاجم فيه علي سالم البيض وإعلامه المتمثل في قناة عدن لايف، وأبدوا شعورهم «بالخوف و الخطر على الثورة الجنوبية وأن يصل العبث بها إلى المستوى اللاأخلاقي واللانضالي.
ويبدو أن مطبخ البيض الإعلامي -حسب تسمية البيان- يتعامل مع موقف شباب الجنوب من منطلق الضعف ومحاولة لي الذراع ليكون الاتحاد مجرد تابع لأشخاص وجعل الاتحاد ومكونات حراكية مجرد أدوات لتمجيد الأشخاص على حساب الثورة وتضحياتها -كما جاء في البيان.
فبدلاً من وحدة الصف وردم الفجوات وتالف رفاق النضال في الحراك تتفاجأ مكونات جنوبية -اتحاد الشباب أنموذجاً- «بمحاولات رديئة لتفريخ الاتحاد، ويتبنى ذلك «الدور اللامسؤول مطبخ البيض الإعلامي» -حسب ما عنونه بيان شباب التواهي الذين وصفوا «مكتب البيض وتلفازه باليتيم عبر نشر أخبار عارية عن الصحة تستقوي بالأكاذيب الرخيصة».
وبينما ينشط بعض الشباب تتشبث القيادة «بحب الظهور والأنانية المفرطة والاستثمار المالي لقضية الجنوب ولذلك لابد أن يتسلم الشباب قيادة الحراك وينقلوه إلى بر الأمان» -حد تعبير أحدهم.
بقايا النظام يعملون عند التأسيس كان الحراك بحاجة إلى خط ديني لممارسة التعبئة في أوساط العامة، وحينها لجأ إلى استقطاب بعض رجالات الدين لممارسة أنشطته التعبوية بشكل سلمي ومقبول.
ومع اندلاع شرارة الثورة اليمنية في 15 يناير 2011م كان من المنطق أن تنخفض الأصوات المنادية بالانفصال، وبالفعل تراجع الكثير، ولكن بعض قيادات الحراك ارتأت ضرورة الاعتماد على قوة تُرهب بها المتراجعين فيما كان رجال دين متشددون بحاجة إلى رواج جماعتهم وضمان موطئ قدم في المدينة المسالمة.
في ظرف مصلحة أصبح للحراك عباءة دينية في تحالف غير مُعلن مع جماعة دينية بعدما التقت مصالح الحراك والجماعة المتشددة.
لم تكتفِ جماعة واحدةٌ بالتواجد، إذ الجماعات تتناوب في العمل وسط غرابة أبناء عدن وزوارها، قُتل عدد من الأشخاص خلال الفترة السابقة دون معرفة القاتل.. حوادث قتل تتم عبر الدراجات النارية لا يعرف أحد مصدرها.
في المنصورة وكريتر تنشط جماعات مختلفة في المساء، وهو ما خفف بشكل جلي على التجوال من بعد الساعة التاسعة مساءً، شباب مسلحون يلفون حول رؤوسهم ما يثبت أنهم حراكيون يوقفون السيارات ويستلبون النقود، وعلى بعد مسافة منهم جماعة أخرى تعمل جاهدة -كما تزعم- لتطبيق شرع الله ومنع الرجل أن يمشي مع زوجته بعد الساعة التاسعة.
السلاح و المخدرات .. من المسؤول؟ ليس سيئاً استغلال الوضع في عدن في نظر الحراك وموالين للمخلوع علي صالح؛ عند التقاء المصالح المشتركة لا يألو الطرفان جهدا في خدمة مصالحهما..
تنتشر المُخدرات -كما يشير أبناء عدن- في منطقة البساتين بالشيخ عثمان، ويعزو أبناء عدن ذلك لتواجد صوماليين كُثر هناك ويتسترون وراء طرف سياسي، كما تنتشر الحبوب في منطقة القلوعة التابعة لمديرية التواهي، وحسب المعلومات الخاصة فإن عمليات الخدمة تتم في منطقة «الرومي» حيث النفق الذي يؤدي إلى البحر الأحمر كما يرتاد المحببون حي الزيتون، ويتواجدون بحي الرصافي.
أقدم شوارع عدن (شارع مدرم بالمعلا) كان قد أصبح وكرا للعصابات ومسرحاً للجريمة والمخدرات، وتمكنت العصابات من إغلاق الشارع لمدة عام ولم تتمكن السلطات الأمنية على فتحه إلا قبل نحو ثلاثة أسابيع.
والغريب أن بعض بائعي المخدرات صغاراً في السن في منطقة القلوعة من تحدثنا إليهم يقولون مثلا إن (ر. أ) وهو شاب صغير يشتهر ببيع المخدراتوهو متعصب للقضية وتحرير «الدولة المحتلة»، لديه أنواع غالية من حبوب ال»كيف».
وترتبط المخدرات بالسلاح، ذلك أن المدمن يمكن إخضاعه لأية أوامر مقابل إمداده بما يشبع رغبته. وذلك ما يسهل مساعي المتحالفين لإغراق محافظة عدن في أتون الفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي عبر الحملات المنظمة لتوزيع السلاح.
قبل 5 أشهر قامت سيارات مجهولة بتوزيع أسلحة مجاناً، وقال الموزعون إنهم يتبعون مسؤولا كبيرا في المجلس المحلي بالمحافظة.
بعد تتبع سلسلة متواصلة من المتهمين بتوزيع سلاح وامتلاكه حصلت الصحيفة على ثلاثة أسماء (نحتفظ بأسمائهم) واتضح أن الثلاثة الأشخاص عسكريون مرتبطون بضابط أمن ينتمي إلى محافظة صنعاء وجلهم موالون لصالح.
لقد أرسلت إحدى التربويات هذه الرسالة: «الحراك والمؤتمر يقودان عدن إلى الضياع، الحبوب تنتشر.. الأسلحة تنتشر.. وتوزيع حصص مالية بشكل يومي على مسلحين ومدمنين.. المعادلة شبه مستحيلة لكن الحراك والمؤتمر أجادوها».
في الوقت الراهن أضحى لذلك المسؤول الكبير في المجلس المحلي جناح داخل الحراك يشتغلون في خط معين، وهو خط هجومي على المحافظ الجديد وحيد رشيد ويعزون إليه أي مشكلة تمر بها المحافظة، وهو ما يخالف مبدأ الحراك الحقيقي الذي بُني على أساس «أن قضيته تفوق المناصب ولا علاقة لها بالأشخاص».
يذكر أن هذا الرجل كان قد قال في وقت سابق بأن عدن تتمسك ب«علي عبدالله صالح» رئيساً وقائداً وصاحب إنجازات تاريخية، وأن المؤتمر الشعبي سيرسم الآفاق المستقبلية لنهوض اليمن كما قال يومها.
الكهرباء.. الهم الذي يؤرق عدن مع دخول فصيل الصيف المعروف بشدة رطوبته المولدة لدرجة الحرارة في عدن بدأت مشاكل الكهرباء تزداد لدرجة أن أبناء المدينة يصفون الانقطاعات ب»الموت البطيء»، حيث تنطفي الكهرباء ساعتين بعد كل أربع ساعات، وهي مدة طويلة ومرهقة بالنسبة لأبناء المدينة.
في ساحة الحرية بكريتر (وهي ساحة الثوار التي تتعرض لهجمات بين حين وآخر من قبل أنصار الحراك) ينام الشاب داخل خيمته ومن شدة الحرارة يجد نفسه مستلقيا في الشارع خارج خيمته.
وزادت الانطفاءات في الآونة الأخيرة بشكل لا يُطاق، لتدخل مدينة عدن في دوامة الحرارة التي وصفها المحافظ ب»المميتة» للأهالي والسكان، ما جعله يلوح باستقالته حسب موقع عدن أونلاين.
وعلى خلفية تلويحه استدعت رئاسة الحكومة محافظ عدن إلى صنعاء مساء الخميس الفائت لمناقشة الموضوع المؤرق لأبناء عدن.
في ذات السياق خرجت محطة المنصورة الكهرو حرارية عن جاهزيتها الكاملة يوم السبت الفائت، وهو ما يضاعف العذاب على أبناء عدن.
ويعاني أهالي محافظة عدن من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي منذ أكثر من شهرين لمدة تصل لأكثر من ساعتين عقب كل أربع ساعات يوميا، وهو ما دفع الأهالي للاحتجاج في أكثر من منطقة في مديريات عدن.