القات ظاهرة يمنية ضاربة في جذور التاريخ وليست وليدة اليوم، ويجب التعامل الجاد مع هذه الظاهرة حيث أنها تحتاج إلى دراسة وبحث عميقين إذا ما وجدت النوايا الطيبة والمخلصة للحد من زراعة القات ومن عدد المتعاطين له، والآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المترتبة عليه. أسواق القات وانتشارها في الشوارع العامة والخطوط الطويلة، تعد إحدى ظواهر الفوضى التي تعيشها محافظة صنعاء وبقية محافظات الجمهورية كانعكاس طبيعي للفساد العام الذي تعيشه البلاد. ولا توجد قوانين لتنظيم الأسواق، وتحديد الأماكن والمساحات المناسبة لها، بما في ذلك اسواق بيع القات، وإن وجدت لا تفعّل ولا يترتب على مخالفاتها أي عقوبات، كما أن غياب دور السلطات المحلية وما يناط بها من مهام حضرية لتنظيم المدن واظهارها بالمظهر اللائق، وخاصة فيما يتعلق بتمثل هذه الاسواق. إن الإقبال المتزايد على القات من قبل المواطنين، وزيادة الإقبال على الاسواق القريبة، وخاصة تلك التي تصل إليها وسائل المواصلات بسهولة ويسر، ودون أن يبذل المشتري اي عناء، كالانتقال من محطة إلى أخرى، كذلك هروب الباعة من الضرائب وما يرافقها من ابتزاز من قبل العاملين عليها، وارتباط حركة البيع والشراء طردياً مع اسواق القات، وخاصة الخضروات والفواكهة، والاقبال على المطاعم والبوفيات، ومحلات التجزئة التي تزيد بشكل ملحوظ في مثل هذه الاسواق. أضف إلى ذلك الاساليب اللاقانونية في جباية ضرائب القات في هذه الاسواق المعتمدة على الافراد الذين ينتمون إلى بيت الطاعة بالمقاولة، وما يترتب عليها من ابتزازات ومشاكل.. فغدت اسواق القات مصادر ارتزاق للكثير من هذه النوعيات من المقاولين ومن وراءهم في الجهات ذات العلاقة. إن ظهور مثل هكذا ظاهرة يترتب عليه مشاكل كثيرة ومتعبة، لعل من أبرزها اظهار المدن الرئيسة بمظاهر غير حضارية، وما يترتب على ذلك من إزعاج وتقليص للحركة السياحية لهذه المدن، كما يلاحظ وجود الضوضاء والازعاج للسكان المجاورين لهذه الاسواق، وإعاقة حركة السيارات، وعرقلة سير المارة، وكثرة الحوادث المرورية، وتعرض السكان والمارة لنتائج هذه الحوادث، وخاصة الاطفال، ناهيك عن تلوث البيئة، وما يترتب عليها من أمراض وزيادة عدد المتعاطين للقات من الجنسين وفي مختلف الأعمار لقرب الاسواق التي جعلت القات في متناول الجميع. وإذا ما تحدثنا عن الاسباب التي أدت إلى زيادة العاملين في مجال بيع القات، خاصة في السنوات الاخيرة الماضية، فإن هناك اسباباً متعددة ومتشعبة، لعل من أبرزها زيادة الطلب على شجرة القات (تعاطياً وزراعة) وخاصة بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وقلة فرص العمل في المجالات الأخرى، وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، أضف إلى ذلك الارباح المجزية والسريعة التي يحققها باعة القات. ولعل غياب دور الدولة للحد من إنتشار شجرة القات وتعاطيها، من أهم الأسباب التي دفعت إلى زيادة العاملين في مجال بيع وزراعة القات. وانتشار اسواق داخل المدن وضواحيها إنعكاس لتدني الوعي الجماعي المجتمعي. وشكلت عودة المغتربين من دول الخليج عاملاً رئيساً في مسألة انتشار اسواق بيع القات وعدد العاملين في مجال القات. وزيادة العاملين في مجال بيع القات ايضاً شكل بعض الآثار السلبية التي لا تخدم الاقتصاد والوطن، فكلما زاد العاملون في بيع القات أزداد عدد المتعاطين له، وبالتالي يزيد العرض، وهذا يعني زيادة عدد الاسواق. وزيادة الطلب على القات، يترتب عليها زيادة زراعته، كما ان التوسع في زراعة القات يترتب عليه مشاكل. وفي كل الاحوال تتحمل الدولة، ممثلة بسلطاتها المحلية، المسؤولية المباشرة للحد من اسواق القات، وخاصة داخل المدن «عواصم المحافظات»، باعتبارها المعنية بإيجاد بدائل وتنظيم الاسواق عموماً والقات على وجه الخصوص، بحيث يراعى فيها الحفاظ على البيئة وجمال المدن ودرء المشاكل التي تسببها هذه الاسواق «مرورية، صحية، بيئية وسياحية).. كما تتحمل منظمات المجتمع المدني (أحزاباً، منظمات، نقابات، اتحادات).. مسؤوليتها في تنظيم حملات الوعي ورفع مستواه لدى المجتمع، لتبيان الاضرار والمخاطر المترتبة على هذه الشجرة الخبيثة، اقتصادياً، اجتماعياً وصحياً.. على مستوى الفرد والجماعة من خلال الوسائل المتاحة امام هذه المنظمات.