-هل ننتظر حقوق الإنسان دائماً لتعلمنا حقوقنا وحقوق الآخرين علينا ؟ -ألا يمكن أن يكون لدى أفراد المجتمع إلتزاماً ذاتياً بحقوق الانسان ؟ -متى تضيع حقوق الإنسان ؟ولماذا تضيع في مجتمعاتٍ دون مجتمعات أخرى ؟ -وهل يفقد الإنسان كرامته إذا ضاعت حقوقه ؟ -لماذا من تعرّض لامتهان الكرامة دخل في دائرة الوحشية والانتقام من جميع الأنفس البشرية وهل السلوك الوحشي والهمجي من الفطرة ؟ تدور في خلدي كل هذه الأسئلة , كلما قرأت خبراً في الصحف المحلية أو العربية عن جرائم القتل والتعذيب بوحشيةٍ داخل بعض الأسر , فضلاً عمّا نسمعه عن القتل اليومي للمتظاهرين في الشوارع العربية التي هبّت عليها رياح الربيع العربي والقتل الممنهج لبعض القيادات والشخصيات المؤثرة إلى جانب بعض الحوادث اللاإنسانية واللاأخلاقية التي تشمل الاعتداء على الأطفال والنساء والمستضعفين والأقليات. ألَا يمكننا أن نحلم بمجتمعاتٍ أكثر رقيّاً وإنسانية أكثر أماناً وسلاماً أم أن ما نحلم به مجرّد حياة مثالية تشبه المدينة الفاضلة الأفلاطونية؟ ربما تكمن لدى البشر ميولاً وحشية تحتِمها طبيعة الحياة الدنيوية التي خلقنا فيها ,تلك الحياة التي يكتنفها الصراع والتنافس ,فمنذ بدء الخليقة قتل أخانا قابيل أخاه هابيل حسداً لأن الله تقبّل القربان من هابيل ولم يتقبّل من قابيل , إن هابيل اجتهد في تقديم أجود ما لديه قرباناً لله تعالى فرزقه الله القبول بينما قابيل فعل العكس فلم يتقبل منه , وهنا يتجلّى مبدأ التنافس والبحث عن الأفضل لكسب السباق , ثم يتجلّى مبدأ الصراع.. الصراع مع الآخر حينما يصطدم حسد قابيل واستكثاره الخير لأخيه بنزعات الشيطان ومهالكه فيرديه خاسراً وحائراً , بعد أن استيقظ في داخله نداء الفطرة نتيجة إزهاقه روح أخيه. نعم هناك ميولٌ وحشية لدى البشر تخرج منهم أسوأ مالديهم , ربما ليدافعوا عن أنفسهم تارة إذا تعرضوا لأيّ اعتداء , وربما للانتقام تارةً أخرى إذا استيقظت في دواخلهم مشاعر الحسد والاستكثار معجونةً بنار الشيطان وحقده أو إذا دفعتهم للانتقام مشاعر خفية دفينة نتيجة الكبت والحرمان وضياع الكرامة , ربما الحالة الأولى هي الحالة الوحيدة التي يشرع فيها ظهور تلك الميول الوحشية وبقية الحالات فلا شك أنها تًردِي صاحبها في مهالك وليس و فحسب بل والمجتمع بأكمله , لذلك فإن النفس الإنسانية ونوازعها المختلفة والمتناقضة تهذبها التربية وتقومها الأديان وتطمسها مشاعر الرحمة والرغبة الحقيقية في العيش بسلام . ومع ذلك فقد شُرعت القوانين والأديان لتنظيم حياة المجتمعات حتى يضبط الجميع نفسه إما خوفاً من العقوبة أو رغبةً في الثواب والآية الكريمة تقول : (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) والقصاص بمعنى استعادة وأخذ الحق لصاحبه انتقاماً من المجرم الذي تعدى على حق غيره , حتى تسود العدالة في الأرض فالعين بالعين والسن بالسن ,وفي عصرنا الحديث ظهرت المنظمات الحقوقية لتساند هذه القوانين وتدعمها بل ولتشذِّبها أحياناً بأن تنبِّه المشرِّع لثغراتٍ معينة في القانون قد تتسبب في عدم معاقبة المجرم أو هروبه من وجه العدالة , وفي مجتمعاتنا العربية كثيراً ما نلحظ غياب الالتزام بحقوق الآخرين من قبل الحكومات تجاه الشعوب ومن قِبل الشعوب تجاه نفسها , نتيجة الفساد الحكومي وفساد القضاء وعدم الالتزام بتطبيق القوانين ونتيجة القمع والكبت وانتشار الفقر والأمّية ما يجعل ميزان العدالة مختلا ًدائماً , لذلك نرى المنظمات الحقوقية الدولية تركض ركضاً في مثل هذه البيئات الملوّثة سلوكياً وأخلاقياً وقانونياً , ورغم أن ديننا هو دين الأخلاق والرحمة فما أبعد هذه النظريات عن التطبيق على أرض الواقع بعد أن سادت في مجتمعاتنا المقهورة شريعة الغاب , فإلى متى سنظل ننتظر حقوق الإنسان دائماً لتعلّمنا الحقوق , ونحن ندرك أن ركضها ليس من أجل سواد عيوننا بل خدمةً لأغراضٍ أخرى نجهل منها أكثر مما نعلم ؟؟!!