فعالية بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر في سنحان وبني بهلول بصنعاء    العلامة مفتاح يلتقي القائم بأعمال وزير الاقتصاد والصناعة والاستثمار    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    قبيلة الخراشي بصعدة تقدم قافلة رمان للمنطقة العسكرية الخامسة    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    سوريا تستسلم.. ونحن وراءها؟    اثنان من الحكام اليمنيين ضمن الطاقم التحكيمي لبطولة كأس الخليج للناشئين    المحافظ بن ماضي يستقبل نجوم شعب حضرموت أبطال ثلاثية الموسم السلوي ويشيد بإنجازهم التاريخي    ناطق شرطة تعز يتهم شقيق الشيخ المخلافي باعتراض حملة أمنية أثناء ملاحقتها متهماً باغتيال المشهري    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    اليمن ينال العضوية الكاملة في الاتحاد العالمي للدارتس    تدمير ممنهج للكادر الجنوبي وبناء مؤسسات عائلية.. قرارات تفاقم الأزمات :العليمي.. وجه عفاش الآخر في الجنوب ..    صعّدت تهديداتها باغتياله.. هل حددت إسرائيل موقع عبد الملك الحوثي؟    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    في برقية رفعها إلى قائد الثورة والرئيس المشاط بالعيد الحادي عشر لثورة 21 سبتمبر..    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    تدشين المحكمة العسكرية في شبوة بمشاركة قوات دفاع شبوة    خرتيت إخواني في تركيا: قتل "افتهان المشهري" أمر عادي    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    ثورة 21 سبتمبر إنجازات عسكرية وسياسية استثنائية    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "13"    الراحلون دون وداع۔۔۔    الفائز بالكرة الذهبية 2025.. ديمبلي أم لامين جمال؟    اعدام 3 "عملاء" أمام حشد كبير في غزة    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    نص كلمة قائد الثورة بمناسبة العيد الوطني لثورة 21 سبتمبر    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    قاضي: جريمة اغتيال المشهري خطط لها باتقان ونفذها أكثر من شخص    أحتدام شراسة المنافسة في نهائي "بيسان " بين "ابناء المدينة"و"شباب اريافها".. !    منتخب الناشئين يخسر أمام قطر في مستهل كأس الخليج    هيئة التعليم والشباب والرياضة تشيد بتنظيم البطولة الوطنية لكرة السلة وتتفقد أعمال الصيانة في الصالة الرياضية المغلقة بالمكلا    الرئيس المشاط يعزي في وفاة اللواء عبدالرحمن حسان    وزارة الإعلام تطلق مسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" للموسم الثاني    قراءة في كتاب دليل السراة في الفن والأدب اليمني لمصطفى راجح    الوفد الحكومي برئاسة لملس يختتم زيارته إلى مدينة شنغهاي بالصين    الإصلاح ينعى الشيخ عبد الملك الحدابي ويشيد بسيرته وعطائه    فخ المنحة السعودية:    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    عبد الملك في رحاب الملك    إصلاح حضرموت ينظم مهرجاناً خطابياً وفنياً حاشداً بذكرى التأسيس وأعياد الثورة    السعودية تعلن تقديم دعم مالي للحكومة اليمنية ب مليار و380 مليون ريال سعودي    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيرحي رجلٌ استثنائي في زمنٍ استثنائي
نشر في هنا حضرموت يوم 03 - 12 - 2013

هو محمد علي محمد القيرحي، وقد طغى اسم الكنية على صاحب الاسم، لأن القيرحي هو حالة فردية لا تتكرر، . . .هو كذلك ليس بالاسم فقط، بل بالنشأة والتربية والأخلاق والمواقف والسلوك والثقافة والبصمات التاريخية التي تركها حيثما حل.
كنت تلميذا في "الكُتَّاب" عندما ذاع اسم الرجل كواحد من أشهر (المتمردين) الثائرين على النظام الاستعماري السلاطيني في الجنوب، وكنا نستمع إلى معلمينا وهم يحدثوننا عن الاستعمار، والحرية، والتبعية، وعبد الناصر، والثورة، وغيرها من المفردات التي كانت كبيرة على أسماعنا وقدراتنا الذهنية وعلى سننا الصغير نسبيا، لكننا كنا نفهم أن الاستعمار والتبعية مفهومان بغيضان وأن الحرية والثورة مفهومان جميلان وكان اسم القيرحي يتردد كواحد من رجال الثورة ضد الاستعمار.
أعتقد أنه كان العام 1965 عندما انتشرت حكاية هروب عشرة من مناضلي الجبهة القومية من سجن البحرين الرهيب بمدينة جعار (عاصمة السلطنة اليافعية) وكان اسم القيرحي، بين أسماء الهاربين.
في صغري هناك اسمان لا يمكن أن يندثرا من الذاكرة، ربما لتشابه طباعهما ودورهما ومكانتهما هذان الاسمان هما علي عنتر، والقيرحي، نظرا للسمعة التي كان يحظى بها صاحبا هذين الاسمين، الذين لم أكن قد تعرفت عليهما إلا من خلال أحاديث الناس عنهما، وعما يتمتعان به من شجاعة ونزاهة وإقدام واستبسال وروح فدائية لا تتكرر.
منذ العام 1969 وبعد أن انخرطت في أولى الدفعات التي استقبلتها مدرسة رخمة التي بنيت بعد الاستقلال وكان للفقيد دورا كبيرا في الحشد وجمع التبرعات والدعوة للمبادرات الجماهيرية لإنجازها ومثلها عشرات المدارس التي بنيت حينها في مديرية رصد، شاهدت الفقيد لأول مرة عندما كنا في مبادرة جماهيرية لشق طريق تصل بين منطقة الصفأة ووادي رخمة، وكان الفقيد يتقدم الصفوف موجها حينا ومشاركا في العمل العضلي في غالب الأحيان، وكانت كل الأصابع تشير إلى ذلك الرجل ذي القامة الشامخة والصوت المبحوح والهمة العالية.
كنت صغيرا على الانخراط في التخاطب مع الرجل وسط هذه الزحمة لكنني كنت أتباهى عندما عدت إلى القرية لأروي للأهالي بأنني اليوم قابلت القيرحي.
منذ العام 1970 ازداد الحضور الجماهيري والسياسي للفقيد بعد تأسيس القوات الشعبية عندما تولى مهمة قيادية في هذه القوات في المديرية الغربية (وكانت تشمل مديريات يافع السبع اليوم).
في العام 1973م كنت قد انتقلت للدراسة الإعاداية في مدينة زنجبار وكان الفقيد قد أصبح قائدا للميليشيا الشعبية في المحافظة بعد عودته من دورة تدريبية في جمهورية كوبا، وكان يزورنا إلى المدرسة الإعدادية والقسم الداخلي وتعرفنا على بعض عن كثب، إذ كان الفقيد ميالا إلى تشجيع الشباب على التعليم وكنا نحن متلهفين لهذه الخدمة التي حرمت منها مناطقنا عقودا متواصلة من الزمن، . . وانتقل الفقيد إلى عدن ليتولى مهمة "قائد القيادة الوطنية للميليشيا الشعبية"، التي شهدت في ظل قيادته تطورا كبيرا وتحولت إلى جيش ثاني رديف لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الذي تطور هو الآخر في ظل قيادة الشهيد علي عنتر، وتشاء الأقدار أن تصبح الميليشيا الشعبية جزءا من الجيش وأن يعمل الفقيد والشهيد معا وأن يتبنيا نفس الرؤى والمواقف والسلوك والسياسات طوال فترة عملهما المشترك، ولا غرابة في هذا فهما تلميذان لمدرسة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي القائمة على زرع وتوطين قيم الوطنية، والصدق والنقاء والنزاهة والعزة والإباء والتواضع والشجاعة وحب العدل والانتماء إلى الشرائح الفقيرة وبغض الظلم والكذب والنفاق والتمايز والاستعلاء والغش والتزييف، . . .وهي سجايا وقيم تربى عليها جيل بكاملة من أبناء ثورة 14 أوكتوبر، الذين كانوا يتباهون بهذه القيم مثلما يتباهى حكام اليوم بالقصور التي عمروا والأرصدة المالية التي راكموا والشركات التي أسسوا وعدد الزوجات اللواتي تزوجوا وطلقوا، وكل ذلك من الأموال الحرام التي سرقوها من المال العام أو من قوت المساكين.
تعرفت على الفقيد بعمق بعد أن أكملت دار المعلمين وانتقلت إلى العمل التربوي في مديرية رصد كمدير للمدرسة الإعدادية ثم في العمل الحزبي هناك، إذ كانت زياراته الدائمة ولقاءاته بالناس كعضو مجلس شعب محلي ثم عضو مجلس شعب أعلى تقربنا منه أكثر وتمكننا من التعلم منه الشيء الكثير، وقد عرفنا في الفقيد تلك السجايا التي سمعنا عنها فيه منذ الستينات لكن إن تسمع شيء وإن ترى الحقيقة شيء آخر، فبرغم كل المواقع القيادية التي تبوأها الرجل كان دائما يتصف بالبساطة والصدق والتلقائية والثقة بالنفس، وكان ما إن يزور المديرية ويخرج للتجوال في الأسواق والشوارع حتى ينهال عليه البسطاء من العمال العاديين والموظفين والفلاحين وغيرهم من الفئات الاجتماعية بالتحية والسلام ومخاطبته واستفساره بما يشاءون وكان ينصت لهم ويمازحهم ويخاطبهم بأسمائهم ويسألهم عن أحوالهم وعن بعض اقاربهم، ولا أخفي إننا كنا نشعر بالحسد تجاه الرجل الذي يملك هذه الثروة الكبيرة من حب الناس والتي لم نستطع نحن امتلاكها بالرغم من وجودنا بينهم لسنين طويلة.
عندما عدت من الدراسة الأكاديمية في بلغاريا العام 1988م وعاد هو من عمله الدبلوماسي كسفير لليمن الديمقراطية في ليبيا، كان الفقيد قد أصبح محافظا لمحافظة أبين التي عينت للعمل فيها، لكنه انتقل بعد أشهر إلى محافظة شبوة، ليأتي العام 1990م حينما عين محافظا لصعدة بعد إعلان 22 مايو، وقد بقي هناك حتى 1994م عندما اندلعت الحرب اللعينة التي دمرت كل الأحلام وجرفت في من جرفت آلاف الشرفاء والمناضلين المحترمين الذين كان الفقيد أحدهم.
كان انتقال الكوادر الجنوبية قد عرض الكثير منهم لعدد من المفاجآت الصادمة من بينها ما رواه لنا الفقيد عن رجل الأعمال الذي جاءه إلى مكتبه ليعرض عليها الملايين مقابل عدم الضغط عليه لدفع الضرائب المستحقة (على رجل الأعمل)، . . . كان الفقيد يتمتع ببديهة حاضرة وحدس قوي يمكنه من طرح الفرضيات المختلفة عما يكمن وراء كل حادثة، وقد روى لنا كيف طرد الرجل النافذ من مكتبه وطلب منه عدم زيارته مرة أخرى وترك الأجهزة المالية لتقوم بوظائفها، وكما قال فإن العملية لم تكن مجرد الرغبة في تخفيض الضرائب ولا هي حبا في هذا المناضل الفقير القادم من الجنوب، لكنها كانت بالون اختبار لنزاهة المحافظ (الاشتراكي الذي يهوى الفقر) لأن رجل الأعمال كان يمكنه دفع ربع أو ثمن المبلغ لمحصلي الضرائب الذين سيمنحونه شهادة تقديرية، كما هي العادة في الجمهورية العربية اليمنية.
لقد حرصت على اغتنام أي فرصة تجعلني أوزر القاهرة أو أمر بها للقاء بالزملاء النازحين السياسيين هناك، وقد زرت الرجل أكثر من خمس مرات في منزله الكائن بشارع فيصل في القليوبية وفي كل مرة كنت أجد لديه زوارا من مختلف محافظات اليمن وعلى وجه الخصوص من أبين بكل مديرياتها، ومن شبوة ومن صعدة التي غالبا ما خرج محافظوها بسمعة ليست على ما يرام، . . .لقد سحر الرجل أفئدة الناس بإخلاقه وسمعته وتواضعه وصدقه مع الجميع، وظل بيته (في عدن وشبوه وأبين وصعدة ثم لاحقا في القاهرة) مأوى لكل من تعذر عليه الحصول على مسكن من العابرين والمسافرين والمتابعين والباحثين عن علاج أو عن عمل.
في كل مرة كنت أقابل فيها الفقيد أبا جمال كان الهم الوطني حاضرا في حديثنا فكان سؤاله عن الوضع السياسي في البلد وكانت آراؤه الثاقبة وتصوراته الدقيقة تؤكد رجاحة عقله وقلقه المشروع على مصير الوطن في بلد لم ينكب بشيء مثلما نكب بحكامه.
لدى الفقيد منزل في مدينة خور مكسر أقام فيه منذ العام 1973ن وقد اراني ملفا يحتوي على سندات أجرة عدة أشهر دفعها عن المنزل منذ السبعيات، وعقد الانتفاع ثم عقد التمليك عندما تم تمليك المنازل لساكنيها، ثم حكم المحكمة بعدم أحقية المغتصب الذي اقتحم المنزل واستولى عليه وعلى ما فيه في العام 1994م الحكم القاضي بإعادة المنزل لمالكه محمد علي القيرحي وبرغم كل المحاولات المبذولة من أجل تنفيذ حكم المحكمة فقد تعذر هذا لأن الغاصب من النافذين الذين يضعون أنفسهم فوق القانون وفوق القضاء وفوق مستوى المواطنة.
اليوم أضع هذه القضية بين يدي الرئيس عبد ربه منصور هادي لينظر فيها ويؤكد لنا أنه يختلف عن علي عبد الله صالح في احترام النظام والقانون وأخذ أحكام السلطة القضائية بمحل الاعتبار والتنفيذ، وليؤكد للقائلين بأن مقولة "هذا الخبز من ذاك العجين" مقولة ليست دائما صحيحة وأن عبد ربه منصور هادي ليس النسخة الثانية من علي عبد الله صالح، وأنه لم يأت ليحمي الغاصبين واللصوص من المحسوبين عليه وإن أنصاره مواطنين مثل سائر المواطنين وليسوا فوق النظام والقانون، وحق المواطنة.
* خاطرة شعرية:
قد عاش فذاً عفيف النفس محتشماً ومات شهماً كريماً شامخاً بطلا
في كل بيتٍ له صوت ومأثرةٌ في كل ركنٍ قصيٍ قد غدا مثلا
تراه يركض إما هادماً صنماً أو رافعاً علماً أو زارعاً أملا
كم أنفق العمر كي يبني به وطناً لنصرة الحق كم أعطى وكم بذلا
وكم تسامى على الآلام يبلعها وكم مضى ينثر الأفراحَ والقُبِلا
لم يرجُ شكراً ولم يطلب مكافأةً كلا ولم يستهب موتاً ولا أجلا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.