(من وجد ذاته لا يهمه فقدان الدنيا بأسرها , ومن فقد نفسه فلن تغنيه عنها كنوز الأرض). هناك من يعيش حياةً رغيدة وآمنة ومرفّهة لا يحمل همّاً من هموم الدنيا , فتعتقد أنه حازَ السعادة وأن حياته من أحسن ما يكون , ولكنِّه يفاجِئك حين يتذمّر ويشكو من الحياة ومن شقائها , لا يتلذذ بشيءٍ… كلما امتلك شيئاً ظلّ نظرهُ معلّقاً وتوّاقاً إلى ماهو أفضل منه حتى إذا حصل عليه , بحث عن شيءٍ آخر علّه يجد السعادة وراحة النفس , ومع ذلك فإنه لا يجدها.. وآخر يحصل على قوتِ يومه أو أكثر وقد تجده أحياناً من الأثرياء ولكنه سعيد سعيدٌ جداً , مرتاح البال لا يشكو همّاً.. قد يفسِّر البعض هذه الحالة بأنها الرضا والقناعة والحالة الأولى الطمع والركض خلف متاع الدنيا الزائل , قد يكون هذا التفسير في محلِّه ولكنه يتناول جزءاً من الحقيقة التي تخفِي خلفها حقيقةً أكبر يغفل عنها كثيرٌ من الناس .. فمِن الجيد بل من المحمود أن تكون لك نفساً توّاقة طموحة و نفساً قنوعة ترضى بما قسمه الله لها , ولكن الخطأ الأكبر أن تضيّع ذاتك بين القناعة والطموح… أولئك الأشخاص الذين تحيط بهم زينة الدنيا ويفتقدون السعادة , هم في الحقيقة يفتقدون الطموح ليس الطموح المادي بل الطموح في الوصول إلى الذات إلى تحقيقها إلى رؤيتها عظيمة تقدِّم شيئاً للإنسانية والحياة بدلاً من أن تكون زائدةً عليها , إنهم يحدِّقون خارج ذواتهم ويظنّون أنهم سيجدونها في الأمور المادية , ولكنهم لا يجدون سوى أشياء لا تُغني ولا تسمن من جوع , أشياء لا ترضي الداخل المتعطش لأمرٍ ما , لم يكتشفوه بعد …ومنهم من اكتشفه ولكنه مقيّدٌ بالماديات وبالمجتمع وبأفكاره القاتلة. كثيرٌ من الشباب خاصةً الذي يعيش حياة مرفّهة يشكو من هذا المرض الذي ليس له طبيبٌ أو مداوِ ولن يجده عند والديه أو في أمواله , بل دواءه الوحيد هو النفس , فينفق أيامه فيمالا ينفع , ومنهم من يقع فريسةً سهلة لأصدقاء السوء فينحرف عن طريق الصواب , أو يهرب من نفسه بالإنتماء للجماعات الجهادية البحث عن الذات. البحث عن الذات هو بداية الطريق إلى الله تتعرّف عليه من خلالك تراه في حركاتك وسكانتك فترى الدنيا حولك نعيماً لا ينقطع , أن تجد ذاتك يعني أن تفتح نافذتك لتنشر الجمال والسعادة في الكون من حولك , أن تتواضع للخلق وترسم البسمة على وجوههم ,أن تبعث التفاؤل والانفتاح على الحياة كشرارة انطلاق لتستمر في العطاء والبذل والنهوض وعمارة الأرض والتنمية ,أن تنفض عنك التشكي وترى في كل بقعةِ ظلام شعاعاً لغدٍ أجمل. فالقناعة أن تقنع بما لديك من إمكانيات وهبك الله إياها -دون أن تنظر لما عند غيرك -وتجاهد لأجل تطويرها وتنميتها لتحقق طموحك وأحلامك ولترى ذاتك في المكان الذي تستحقه والذي يجعلك تشعر بالرضا والهدوء والاستقرار النفسي والروحي والمادي , بحيث إذا فقدت من الدنيا ما فقدت فإنك لا تهتم , لأن في داخلك دنيا أوسع من السماوات والأرض. فالطموح والرضا المادي ليس خطأً , ولكنه ليس كل شيء , وإن لم يسبقه رضاً داخلي ومعرفة تامة بالذات وما تصبو إليه , كان شيئاً أشبه بالسراب الذي يركض خلفه المرء دون أن يجده شيئاً . تحرَّر من القيود الداخلية والخارجية حاول أن تأخذ بضع دقائق مع نفسك فتِّش فيها عن ذاتك مالذي حققته ومالذي تود تحقيقه , لا تنتظر أحداً يريك الطريق فالطريق واضحة تماماً ولكنها تنتظر من يقطعها لتحيا حياة الرضا والطموح.