ما زلنا نواصل إبحارنا مع الصحفي والأديب الحضرمي الأستاذ : علي عمر الصيعري ومناقشته في جانب مهم من تجربته والغوص في عقله لنلامس أكثر الأماكن أهمية في أرشيفه الصحفي الزاخر بالعطاء ،مما جعلنا نضيف للحلقة الثالثة ، حلقتين قادمتين لنستكمل بعدها المجال الصحفي .. وهاهي أسئلتنا ، وتلك أجوبته الشاملة عليها : * نبدأ سؤالنا ، أستاذ / علي ، في الحلقة الثالثة من الجانب الصحفي ، بالقول : كيف تنظرون للواقع الصحفي الراهن بحضرموت ؟ لا أجد أفضل تقييم للراهن الصحفي ، من تقييم عميد الصحافة الحضرمية الأستاذ الراحل / أحمد عوض باوزير رحمه الله في معرض إجاباته عن الأسئلة التي قدمها له الزميل الصحفي القدير / صلاح العماري ، ونشرتها صحيفة " 30 نوفمبر" في ص"4″ من عددها رقم (22) بتاريخ 3/12/2012م ، إذ قال مجيباً على ما يشبه بسؤالك: ( أصدقك القول لا توجد هناك صحيفة مستقلة لها رأي مستقل وسياسة مستقلة . وأرى حقيقة أن صحيفة " الأيام " تعكس آراء المجتمع والواقع ، وفيها جهد تُشكر عليه هيئة التحرير. ولا أعتقد أن هناك صحيفة بحجم وجودة " الأيام " التي بها كتاب بارزون يكتبون مقالات قوية وناقدة، وهناك جسارة في النشر، وإيمان بالرسالة).وأضيف بدوري هنا في ما يتعلق بصحافة " حضرموت" في الوقت الراهن ، لم يعد لدينا صحافة " ورقية " مستقلة بعد أن توقفت أربع صحف عن الصدور ، هي : ( المحرر ) و( عين) و( حضرموت اليوم) و ( الرشد) . ولم يتبق سوى ثلاث صحف هي : ( المسيلة ) وهي حزبية ، و( شبام) و( 30 نوفمبر ) الرسميتين ، وبالمقابل ظهرت عدد من الصحف الالكترونية أبرزهن ( المكلا اليوم ) و( هنا حضرموت ) و(هنا المكلا ) وزميلاتها ، وجميعهن مستقلات ، إلا أن الجانب التحريري والإخراج الفني والجودة كانت من نصيب الأولى والثانية منهن ، وإن كان التركيز على الصحافة الورقية لا يزال قائماً في وقتنا الحاضر. وتقييمي للصحف الورقية المستمرة في الإصدار بحضرموت لا يسر الخاطر. إذ لاحظت تراجعاً في مهنيتها وجودة مقالاتها وإخراجها الفني ومضامينها على الرغم من تزيينها بالألوان ، وحتى الألوان نفسها لم تكن توزع بمهنية وفنية في هذه الصحف.كما لاحظت أن بعضهن يتماهى في تلوين حروف المواضيع ، وهذه بدورها تستهلك عمر آلة الطباعة ، وتتعب القارئ حين يقرأ أحرفا باللون البرتقالي . ومن المؤسف له أنها تصدر بكمية قليلة فالبعض منها لا يتجاوز الألف نسخة. أما المرتجع فحدث ولا حرج ، كما أنهن لا يحضين بأي إقبال خارج حضرموت، على الرغم من الصرف الكبير عليهن . ولعلك تعرف الأسباب جيداً . * في رأيي أن أهم الأسباب تكمن في ضعف المهنية الصحفية، وغياب الاستفادة من الأقلام الصحفية الجادة ومنها المخضرمة، ولا يستفاد فيها من الاستشارات من ذوي الخبرات المخضرمين. وعلى ذكر المهنية الصحفية، ما هي نظرتك، وما هو تقييمك للصحافة الحضرمية قديماً، وعلى وجه التحديد منذ ما قبل الأربعينيات إلى أواخر الخمسينيات ؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى كتاب بكامله، وهو ما أعمل عليه الآن.فالصحافة الحضرمية، وعلى وجه الخصوص في المهجر الآسيوي (سنغافورة واندونيسيا وجاوه وسورابايا ) يعود تاريخها إلى ما قبل العام 1906م ، وتعتبر رائدة الصحافة اليمنية في المهجر.وأرى أنها في حاجة إلى دراسات وبحوث من قبل أبناء حضرموت أنفسهم كما أشار إلى ذلك الباحث الأكاديمي والخبير الدولي في مجال الإعلام والاتصال والتواصل د.( عبد الله يحيى الزين ) في كتابه القيم الموسوم ب [ النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر ] ، والذي قام مشكوراً ببحث ميداني متكرر للمهجر الحضرمي ، ومع ذلك قال : (لا توجد إلى حد الآن أي دراسة متكاملة تتناول الصحافة في المهجر منذ ظهور أول صحيفة مهجرية هناك ، من حيث نشأتها ، وتطورها ، والبحث في مضامينها ، ومساهماتها في إبراز الأحداث، ومختلف الأنشطة والتغيرات التي طرأت على الوطن الأم والمهجر ) .وأنا أتفق معه من خلال مطالعاتي لما كتبه الأساتذة / عبد الحليم سيف ، وعلوي طاهر ، وعبد الرحمن خبارة ، وعبد الوهاب المؤيد والأخير في كتابه الموسوم ب[موسوعة الصحافة اليمنية ]، ولاحظت اختلافاً في تقييمهم ، و تحديد تواريخ إصدارات صحف المهجر الحضرمي ، وكذا صحف حضرموت الأم . وانعكس كل ذلك قي كتاب الأستاذ " المؤيد" كونه أعتمد على ما وضعوه من دراسات وأبحاث ومقالات. ولعل من بين هذه الأسباب اللبس عند البعض منهم في التحويل من التاريخ الهجري إلى الميلادي. لذا من سابق أوانه أن نقيم ونوثق تاريخ الصحافة الحضرمية المهجرية قبل استكمال إطلاعنا على البحوث والدراسات والحوارات التي خاضت في هذا المجال . ففي تقديري أن أول صحيفة حضرمية مهجرية هي صحيفة ( الأمام ) أصدرها في العام 1906م في " سنغافورة ( محمد بن عقيل بن يحيى ) وهي في طبيعتها " مجلة " اهتمت بنشر المقالات الدينية والتاريخية والأدبية . أما الأخبار وأغلبها اجتماعية، فقد كانت محدودة. وكان توزيعها محدوداً في نطاق سنغافورة واندونيسيا على الجالية العربية والإسلامية ، كما أثبت ذلك د. عبد الله يحيى زين في كتابه آنف الذكر" ص 165″ ، وقال عنها في كتابه : ( …. وهي أول صحيفة عربية يصدرها واحد من كبار علماء المهجر آنذاك ).تلتها ( الإصلاح ) في عام 1908م ،بعد توقف )( الأمام) 1908 وهي صحيفة بالفعل أسسها ( كرامة سعيد بلدرم ) مع ابن يحيى ، وساهم فيها لأول مرة شيخ الصحافة الحضرمية ( محمد بن هاشم ) وانمازت بمهنية الصحافة وفق المقاييس آنذاك . ثم توالت إصدارات الصحف في المهجر الحضرمي ، حيث أصدر ( بن هاشم) في العام 1914م صحيفتي ( البشير) و ( الميزان) في " باتافيا " جاكرتا حالياً ، كما تولى الإشراف على صحيفة ( الإقبال) بسورابايا في 1915م التي أسسها ( محمد سالم بارجاء ) . وقد أربت أعداد الصحف التي صدرت في المهجر الحضرمي على ال50″ صحيفة أسست للريادة الحضرمية في الصحافة المهجرية . وبحسب الأستاذ / عمر احمد الشاطري في مقال له عن " ابن هاشم " ، فقد تولى رئاسة تحرير صحيفة ( حضرموت) . وكان صاحب الامتياز والمسئول عنها السيد / عيدروس المشهور .وهي من أرقى الصحف العربية التي صدرت في المهجر وأوسعها انتشاراً، وساهم في الكتابة فيها " الأمير شكيب أرسلان " و" السيد التفت ازني " و" العلامة الشيخ رباح حسونة الأزهري ، والعلامة " محمد المرشدي " . وكانوا من الكتاب والعلماء المشاهير . نأتي للصحافة في حضرموت الأم .يقال ، والعهدة على د/ محمد زين، أن أول نشرة خطية صدرت في " تريم" هي نشرة " البشير" عام 1911م ، وحررها السيد / محمد بن عقيل بن يحيى . إلا أنني أرى أن صدورها كان في العام 1921م ، لأن ابن عقيل كان قبل ذلك التاريخ في المهجر. ويقول الأستاذ: محمد بن احمد بن عمر الشاطري. في محاضرة ألقاها في "المكتبة السلطانية "بالمكلا عام 1945 م، ونشرها الزميل الصحفي الراحل ( فاروق بن زيمة ) رحمه الله في مجلة " شعاع الأمل " : أن أول صحيفة خطية صدرت بحضرموت هي صحيفة ، أو بالأصح مجلة ( حضرموت) أصدرها السيد / شيخ بن عبد الرحمن بن هاشم السقاف، أول صحيفة خطية أسبوعية عرفها الحضارم في عقر دارهم . ونعتقد أنها صدرت في العام 1927م ، ويعلق قائلا: (ولما صدر العدد الأول منها ثارت ثائرة الشيوخ وصبوا جام غضبهم على مديرها الذي لم يستطع هو ورفاقه أن يدافعوا عن جريدتهم سوى مدة وجيزة أصدروا في خلالها أربعة أعداد فقط ثم خُنقت صحيفتهم في مهدها. فضل اؤلئك الشباب متألمين من هذه المعاملة القاسية التي أحدثت ردود فعل سريعة عجلت بإصدار الأستاذ علي احمد باكثير في أعقاب ذلك مجلة(التهذيب)، بمدينة سيئون وبالتزامن بادر الأستاذ عبدالله احمد بن يحيى بإصدار زميلتها مجلة(عكاظ). وكلتا المجلتين أدبية شهرية خطية ولكنهما لم تدما طويلا ولم تصدر من كل واحدة منهم سوى بضعة أعداد لأسباب في مقدمتها عدم وجود كتاب ونساخين واستطاع الأستاذ با كثير فيما بعد أن يتم مجلته الى سنة كاملة ثم طبعها على نفقة الثري ابوبكر بن شيخ الكاف.) . وبعد صراع بين القوى المتشددة من الشيوخ ، تتالت إصدارات الصحف . ويشير الأستاذ / الشاطري إلى هذا المجال بالقول : (وفي المكلا صدرت صحيفة (المنبر) التي يديرها نخبة من شباب المكلا يرأسهم الشيخ يسلم بن عبد حوالي 1358 هجرية 1937 م، وهي أول صحيفة حضرمية مطبوعة اذا استثنينا جريدة (النهضة) الحضرمية التي أصدرها الشيخ "الطيب الساسي" بصفتها لسان حال المؤتمر الإصلاحي الحضرمي بالمكلا. ولكن لم يصدر منها سوى عدد واحد حيث عطلت لأسباب سياسية، وحلت (المنبر)، بعد ذلك محل(الإخاء)، التي تصدرها جمعيتنا جمعية الأخوة والمعاونة بتريم ويحرره نخبة من أعضائها، وصدرت في بادي الأمر خطية سنة 1357 هجرية 1938 م. ثم جلبت لها مطبعة يدوية واستمرت نحوا من سنتين ثم أرغمتها ظروف الحرب الحاضرة على الاحتجاب، ولا تزال مجموعتها محفوظة وفيها مقالات ممتعة وبحوث قيمة وكثير منها بقلم الأستاذ النابغة محمد بن هاشم بن طاهر.).هذه لمحة وجيزة عن الخطى الأولى التي خطتها الصحافة الحضرمية في المهجر وحضرموت الأم ، ولسنا هنا بصدد الشمول والتتبع لتاريخ نشؤ الصحافة في المهجر وحضرموت الأم ، فذلك ، كما قلت لك لا يستوعبه سوى كتاب بكامله . في الحلقة الرابعة نواصل ما بدأناه مع الأستاذ القدير أبو أمجد ، وهو الحديث عن الصحافة في عصرها الذهبي ، وأهمية الدور الذي لعبته في الوعي الجمعي لأبناء حضرموت ، وكما قال الأستاذ علي ( لسنا هنا بصدد الشمول والتتبع لتاريخ الصحافة في المهجر وحضرموت الأم ) ولكن حديثناً يسلط الضوء بإيجاز على هذه التجربة الصحفية .. لنا لقاء معكم الأسبوع القادم .. انتظرونا أعزائي القراء الكرام .