ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة في عقل أديب وشاعر حضرمي"الحلقة السابعة الأخيرة "

حبل الوصل مع أديبنا وشاعرنا الأستاذ القدير / علي عمر الصيعري لم ينقطع أبداً ، كنا معه في حلقات خمس طاف بنا في عالم الصحافة وهو المسار الأول من هذا الحوار ، وهانحن وصلنا بعد الحلقة السادسة من عالم الأدب والشعر ، إلى الحلقة السابعة الأخيرة حيث سنضع عليه آخر الأسئلة في المسار الثاني ، ولعل للشعر نكهة أخرى عند شاعرنا بما تبثه لواعجه وشجونه ، معبراً فيه عن الذات الإنسانية بما حملته مفرداتة اللغوية التي كساها شعره بأسلوبه المتميز الجميل :
* نسألكم هنا عن أسباب المراوحة والجمود في تلك المرحلة ، يقابله الانجراف غير الموضوعي لدى جيل التسعينيات وما تلاه ؟
(ج) السبب الرئيسي يعود إلى أننا لازلنا محاصرين بالبلاغة منذ عبد القاهر الجرجاني وكتابيه "أسرار البلاغة " و"دلائل الإعجاز " مما دفع بالجيل الجديد من الشعراء إلى أن ينحوا منحى آخر بقصيدة الحداثة وهو ما عُرف ب" البلاغة الجديدة " أو المغايرة الفنية في قصائدهم الحديثة للفكاك من أسار بلاغة (الجرجاني )، إلا أنهم وقعوا في مطب التكرار من جهة ومطب اللامعنى للتصوير الفني الذي يعني البلاغة نفسها .
وعلى ما أذكر، أن أحد النقاد الذي لا يحضرني اسمه الآن وقف أمام هذه الظاهرة اللغوية التي أسيء استخدامها من قبل الشعراء الشباب ،ودلل على ذلك بأن يستحدث أحدهم صورة بلاغية جديدة مثل " يا أنت يا أنثى البرق " هنا التصوير الفني مقبول حيث يشبه الشاعر المرأة الرمز بأنثى البرق ، فإذا بزملائه يقلدونه ويأتون بصور شبيهة لها غير أنها تفقد معناها البلاغي كأن يقول أحدهم " أستقيل من امرأة الصدأ ، وأتزوج أنثى البرق " وآخر يقول "أنثى المدينة " فالصورتان الأخيرتان لا تحيلان إلى شيءٍ .وشاعر آخر جاءنا بصورة بلاغية جديدة يقول فيها " قميص الغيمة " وهذه مستساغة وتحيل إلى معنى ، ولكن أن يأتي آخر ليجاريه فيقول " قميص المدينة " ؟ وثالث يطلع علينا بالقميص نفسه إلا أنه يلبسه الشجرة ، فيقول " قميص الشجرة " ومبررهم الوحيد أن الشعر غرابة !! وأنهم "سرياليون" ، وأن السريالية الحديثة تقول بهذا . صحيح أن "حازم القرطاجني "أشار إلى أن الغرابة هي قانون الشعر ، ولكنه لم يقصد تلك الغرابة التي لا تؤدي إلى معنى . ناهيك عن أن أحدا هؤلاء الشعراء كتب قصيدة حديثة يقول فيها : "سقطتُ في انتخابات البلدية ، فازرَّقَ كتفي " فما ذا يعني لك ذلك ؟؟!!
أما السبب الثاني فيعود إلى ضحالة التجربة ، وقلة المحصول الثقافي ، واستسهال الكتابة وعجلة النشر . لهذا تحول المشهد الشعري العربي الراهن إلى أداة هدم لا يواكبها بناء، فلا تستغرب إذا ما قلت لك إن شاعراً لم يبلغ من العمر الثلاثين عاماً إلا وقد أصدر عشر مجموعات شعرية ، وهذه تساوي نتاج عشرة أو خمسة عشرة شاعر قديما أو من الرواد الأُوائل ، إذا عرفنا أن كبار الشعراء العرب أو شعراء الغرب لم ينشر بعضهم في حياته كلها سوى ديوان واحد .
* هلا توقفنا قليلاً هنا لتقرأ على متابعينا الكرام قطوفاً من قصائدك الحديثة، وهل صدر لك أعمال شعرية ؟
(ج) على الرحب والسعة .وفي البدء أقول إنه صدرت لي مجموعة شعرية مشتركة مع زملائي من الشعراء الشباب آنذاك في العام1986م ، ولي ديوان عنوانه " النهر العصي " لا يزال حبيس المطابع بصنعاء جراء الأحداث المؤسفة في العام 2011م، في الوقت الذي أتهيأ فيه الآن لإعداد ديواني الثالث وألملم قصائدي العامية لأضمها في ديوانٍ خاص بها . أما حول طلبك نماذج من شعري ، فهاك ما سأورده هنا :
( وطنٌ
إذا ازددتُم له
عقّاً ونهباً واستلاباْ
زاد من غفرانه
لَكمُ فعِثْتُم
في جوانحه بَطَرْ.)
وهذا المقطع من قصيدة " هاتف من حضرموت " نشرتها لي صحيفة ( قاب قوسين ) الأردنية . ومن قصيدة حديثة نشرتها لي صحيفة ( المتوسط) اللندنية بالعربية ،واسمها "لعينيها " أقول فيها :
( لعينيها
أردد
كلَّ أغنيةٍ
تماهتْ في مغانيها
لعينيها .
ولحناً صاعداً
من بحرها المشدوهِ
بالحِنَّاءِ و"العُود
الدُّخونِ" فيسلب
الألبابَ,
والأحزانَ
يَشفِيها..
* * *
لِعينَيها ..
لعينيها " المكلا"
غادةً يأوي
إليها الموجُ
في الآصالِ
والأسحار
يمنحها ،
نسيمات معطرة
ويهديها,
تحايا كُلِّ صاريةٍ
رسَت فيها..
لعينيها
* * *)
* من محطة عودتكم للشعر والقراءة الأدبية مجددا، لنقول : أطلق الشاعر الراحل الكبير محمد الماغوط عصافير "قصيدة النثر". هل يا ترى حلقت في الفضاء لترسل أجمل الأنغام وأرق الألحان ، أو عادت إلى أفنانها خائبة ؟:
(ج) يعيد بعض الباحثين والنقاد تاريخ ظهور قصيدة النثر إلى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كبديل/طبيعي / للشعر الحر, أو ما يسمى ب"قصيدة التفعيلة". كما يذهب البعض منهم عند تناوله حيثيات ودوافع هذا الظهور إلى ربطه بظهور (العولمة) التي روج لها بوصفها ثورة حداثة لتغيير العالم، وأنا لا أتفق معهم في ربط هذا التوقيت بهذه "العولمة " المزعومة ، لأن إعلانها أساسا جاء في نهاية سبتمبر 1995م في قمة فندق "فيرمونت" الشهير في سان فرانسيسكو،وطلع علينا محمد الماغوط وبول شاؤول بقصيدة النثر قبل ذاك التاريخ . هذا أمر ، والثاني أنني لا أتفق مع ما روجوه من أن قصيدة النثر تعد تمثيلا أمينا لروح العصر ، وأنها جاءت لتلبية حاجات المجتمع في تطوره وعكس قيمه الإنسانية، وزعمهم بأنه ليس من الضرورة أن تستوعبها الذائقة الشعرية العربية عند الجميع .
إنني أتساءل هنا عن أي روح وأي عصر تمثله قصيدة النثر هذه؟! هل يعنون بروح العصر الذي يعيشه الغرب ؟! إذا قالوا : نعم . نقول لهم إنها روح "الاقتصاد الذي يغدق فقرا"وروح قهر الإرادة العربية، وروح فلسفة القتل الموارب الذي فضحه الشاعر العربي بقوله على لسانهم:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر * * * وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
والغريب في الأمر قولهم إن قصيدة النثر جاءت كبديل طبيعي لقصيدة التفعيلة،وهذا هو الخطأ بعينه ، لأن قصيدة التفعيلة لم تأت كبديل انتقالي من القصيدة العمودية أو الكلاسيكية اعتباطيا ، بل جاءت عبر ثورة استغرقت جيلين منذ الثلاثينيات بعدما مهد لها الأديب الحضرمي علي أحمد باكثير، والأديب المصري أحمد زكي أبو شادي. وأعلنت عن ظهورها رسميا الشاعرة العراقية نازك الملائكة في العام 1949 م، في ديوانها " شظايا ورماد " .
* ربما نتفق معك ، إلا أننا نسأل: عن مبرر ميل هؤلاء الشعراء إلى قصيدة النثر، وما عذرهم الأساس ؟!
(ج) عن الشق الأول من سؤالك أقول : إنه يعود إلى فذلكة بعض النقاد ودأبهم على الدفع بالشعراء المخضرمين وكذلك الشباب وإغرائهم بقصيدة النثر تماشيا مع نوء الحداثة والتغيير. خذ مثلا للمخضرمين الشعراء بلند الحيدري ومحمد سعيد المكنى وأدونيس، فهؤلاء تعاطوا قصيدة النثر ولكن بدوافع وآراء متناقضة حينا ومتقاطعة حينا آخر. وما سأوضحه هنا سيكون إجابة عن الشق الثاني من سؤالك القيم،أقول : إن عذرهم الأساسي هو أنهم يعزون الميل إلى قصيدة النثر لحساسيتهم من انغلاق اللغة, أي فنية التكثيف اللغوي في قصيد الشعر الحر أو شعر التفعيلة ، وربط الإيقاع بالدلالة النصية في قصيدة التفعيلة . فهم يفسرون ذلك بأنه خطر يعيق التواصل مع تجاربهم الفنية من جهة ومن أخرى يحد من مواكبتهم لجديد الحداثة الغربية.
وعلى الرغم مما روّج له النقاد وما سوّقه لنا هؤلاء الشعراء من قصائد نثرية إلا أنهم جميعا لم يقدروا على فرض هذا اللون الشعري على الجميع ،بل اتجه بعضهم وأبرزهم" أدونيس " إلى حل وسط يقول بالتخفيف من كثافة اللغة المغلقة ، وتجاوز حساسية سلسلة قصيدة التفعيلة والاستعاضة عنها بالتدوير .
* هل نفهم من ذلك أن المميز أو الفارق بين قصيدة التفعيلة وبين قصيدة النثر هو اشتراط وجود التفعيلة والمقاطع ؟ إذا أجبتم بنعم ،فهذا أدونيس , الذي أدرجته أنت في ضمن شعراء النثر ، يقول في مقدمة الطبعة الجديدة من أعماله الشعرية الكاملة : (حين نشرت قصيدة "هذا هو اسمي " ظن البعض ومن بينهم نقاد وشعراء أنها نثر، ولعل ذلك عائد إلى أنهم لم يروا فيها الشكل المألوف المشطّر لقصيدة ما يسمى ب "الشعر الحر " أو شعر التفعيلة . لذا ينبغي الإشارة هنا إلى أن القصيدة موزونة بكاملها لكنها مدورة ، لهذا يجب أن تقرأ محركة ، ودون توقف إلا من حيث الوقف الذي تفرضه القافية !)
(ج) نعم قرأت ذلك في الصفحة السابعة من الأعمال الكاملة كما قرأت القصيدة. واعتقد أنك أحسست بصعوبة في قراءتها من دون توقف إلا بعد لهاث . وهذا هو العيب في قصيدة النثر لتغييبها للأشطار وتباعد المسافة بين القافية وهذا ما يخالف البنية الشكلية الفنية لقصيدة التفعيلة التي وصلت حداثتها إلى اعتماد الأنساق البنائية التي اعتبرها النقاد خصيصة جديدة للشعر الحر .وكما أشرت آنفا أن أدونيس لم يتماهى مع القصيدة النثرية .وبوجيز القول يبقى الشعر شعرا والنثر نثر،ولن يلتقيا . وكما قال الأستاذ الناقد الكبير د.عبد العزيز المقالح :النثر مجاله العقل والشعر مجاله العاطفة. ويعترف بأنه يجد صعوبة في الاقتراب من قصيدة النثر ، إلا أنه يستدرك بالقول (إن بعض النثريات ,وبخاصة عندما تصدر عن شعراء كبار تكون أكثر شعرية من الشعر السائد ) ويقصد بالكبار أمثال أدونيس . وكما أشرت آنفا بأن أدونيس نفسه كان يدفع عن نفسه الإيغال في قصيدة النثر.وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن ما أطلقه الماغوط من عصافير النثر في طريقها للعودة الخائبة.
* نعود إلى تجربتك الشعرية لنقول إنك انطلقت مع جماعة الأدباء الشباب منتصف السبعينيات منهم عبد الرحمن إبراهيم ، شوقي شفيق ، د. مبارك سالمين ،انطلقوا وتعثرت أنت،فهل أخذت الصحافة منك روح الشعر ؟
(ج) سأبدأ من حيث أنهيت سؤالك،مع تحفظي على مفردة(روح الشعر) صحيح أن الصحافة أخذتني من الشعر ولكن لم تسلبني روحه،لأن روح الشعر ملكة إذا خبت جذوتها فإنها تظل كامنة كجمرة تحت رماد الانشغالات العملية والمسئولية. ولكي أكون أكثر تحديدا،أقول إن سبب هذا الخفوت أو ذاك "التعثر" كما وصفته أنت يعود إلى انشغالي بالإدارة الصحفية وليس الكتابة الصحفية، كون أن هناك فارقا بين الاثنين فكثير من الصحفيين والكتاب غير الإداريين لازالوا يواصلون تألقهم في عالم الشعر والأدب. كما أن هناك فارقا بين الإدارة الصحفية للصحف السيارة اليومية والأسبوعية وبين إدارة المجلات الثقافية وغيرها.
أما عن الانطلاقة فإنني و زملائي الأساتذة الشعراء والأدباء من حضرموت أمثال الشاعرين الراحلين سعيد دحي وسعيد البطاطي رحمهما الله ،وعمر محفوظ باني، وحسين عبد الرحمن باسنبل ، حفظهما ربي وأطال في عمريهما ، انطلقنا وأسسنا في العام 1973 أول جمعية للأدباء الشباب بكلية التربية العليا جامعة عدن حاليا برعاية الدكتور تاج السر الحسن، واعتبرت النواة التي خرجت من رحمها جمعية الأدباء الشباب ، ونشرنا قصائدنا في مجلة الكلية وصحف عدن . كما أن زملاءنا الشعراء و الأدباء في عدن أمثال عبد الرحمن إبراهيم ،وشوقي شفيق، ومبارك سالمين، وجمال الرموش، ونجيب مقبل ، ومحمد حسين الجحوشي، وعبد الرحمن السقاف،وعمر محمد عمر، وآخرهم الراحل النبيل محمد حسين هيثم، والقاص الراحل إبراهيم الكاف والقاص ميفع عبد الرحمن ، وعلي صالح عبد الله، و كمال الدين محمد ، ومحمد حيدر و آخرين ..،استفادوا كثيرا من تواجد شعراء عرب كبار في عدن في الأعوام 78 و85 أمثال الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف ،وشوقي عبد الأمير، وزكي عمر، والشاعر والأديب السوداني المقيم في عدن الدكتور حسن الخليفة وآخرين،فاحتكوا بهم وفي محك تجاربهم صقلوا مواهبهم، أضف إلى ذلك الدور الكبير الذي لعبته مؤسسة "دار الهمداني للطباعة والنشر"برئاسة المثقف الشهيد أحمد سالم الحنكي من خلال إصداراتها المضطردة خلال تلك الأعوام ، ناهيك عن بروز نقاد يعتد بهم آنذاك من أمثال عبد الفتاح إسماعيل، وعبد الرحمن فخري ، وعبد الباري طاهر ،ومحمد سعيد جراده، وزكي وفريد آل بركات،وظهور نقاد من بين ظهرانيهم آنذاك أمثال فيصل الصوفي ، و وجدي شينه، ود.عبد المطلب جبر وآخرين مطلع الثمانينيات .
صحيح ما ذكرته آنفا،فقد نشرت لهم بعض أعمالهم في مجلة "الثقافة الجديدة " في عدن آنذاك .نعود لتجربتك الشعرية لنستوضح نظرتك إلى التقنيات الفنية التي جاء بها الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة كما يحلو لك تسميتها ؟!
(ج) إن قصيدة التفعيلة ،كما أشرت آنفا، تعتمد دمج الإيقاع مع الدلالة النصية ،إلى جانب تكثيف الصورة في ثنايا النص،وهي من التقنيات الحديثة . خذ مثالا على ذلك من قصيدتي (هاتف من حضرموت) التي نشرتها في العدد(52) من العزيزة "حضرموت اليوم "وأقول فيها :
(شكرا لكم يا سادتي
ما عدت أعزف للمموسق
في ثآليل النزيف المنتظر،
نغم الحشاشة
وهو يسلبني
مداي
وقامتي
ودماي
حتى النطفة الحبلى..
بميلاد قمر )
ستلاحظ أن الإيقاع المتواتر الذي يبدأ ب/ما/ الممتدة صعودا في "الثيمة "ثم ينحدر في /نغم الحشاشة / ..ليتوقف عند /وهو يسلبني/ ثم يعاود الصعود عند / مداي إلى /الحبلى/ ثم يخفت هذا الصوت.والوقفات هنا مع التواتر الموسيقي للإيقاع يطلق عليه (الأس) وأقرب تعريف له ما أورده الدكتور الناقد عبد الله حسين البار في كتابه ،قبل الأخير، (شعر المحضار النشيد والفن) بالقول:(وهذا في أصله مصطلح موسيقي . وهم يعنون به في أبسط التعريفات الوقفة الموسيقية على مستوى النغمة وعلى مستوى الإيقاع )[الكتاب ص 168] فهذا المقطع المشحون بصرخة رفض لاستلاب الآخر قيم ومقومات حياتنا في حضرموت ربما يلاقي تفاعل المتلقي وانفعاله وفهمه للدلالة النصية برغم التكثيف في مفردة /المموسق/ وجملة /ثآليل النزيف المنتظر/. وكذلك ميلي إلى الأنساق البنائية التي يعتبرها النقاد ،وفي مقدمتهم الناقد الفذ"كمال أبوديب"،خصيصة للشعر الحر . وتعني تقسيم القصيدة إلى عدد من الأنساق كل نسق قائم بذاته إلا أنه يرتبط بروابط يلحظها المتلقي إذا ذيلت بإشارات مطبعية ك (* * * ) أو بحروف العطف أو بمفردات دلالية مثل(شكرا) و(ياأيها ال وطن) كما فعلت أنا .وهذه الخصيصة تميز قصيدة التفعيلة عن القصيدة العمودية التقليدية وقصيدة النثر وهي أفضل من التدوير الذي أشرت إليه أنت عن" أدونيس" .
* قبل أن أستودعك .. هل من قصيدة كتبتها مؤخراً وستنشرها ، لتكون ختام مسك لحوارنا هذا ؟
(ج) آخر قصيدة كتبتها ونشرتها لي صحيفة ( قاب قوسين ) الأردنية .. بعنوان ( قمرٌ ومزهرْ) وهي محاكاة بين القصيدة الرومانسية وقصيدة الواقع .
صُدفة،
والسوق مزدحم،
رأتني
عبر برقعها المُشجَّرْ.
رمقتني بلحاظٍ سمَّرتني
مثل لوحٍ يتجدَّرْ .
رمشُ عينيها بريد
طار بالبشرى
لميعادٍ مُبكَّرْ.
حملتني ريحُ شوقٍ
للقاءٍ كلما فكرت
فيه يتبخَّر.
و… أخيراً
التقينا
مثلما قمر ومَزْهَّرْ.
* * *
شَعْرها المسدل شلاَّلاً
من الليل المُقنْطرْ.
فمها " فراولةٌ " وشَهدٌ
من قَدا الشفتين يَقْطُر.
وجنتاها .." قِشدةٌ " قُدَّت
من اللبن المخثَّرْ.
مقلتاها نجمتان بريقُهُّن
يشِعُّ في الكحل المُعكَّر.
عنقها "بوصلةٌ " تومئ
للصدر المكوَر.
صدرها واحةُ بوحٍ
من حنينٍ لا يقدَّر.
و… افترقنا
مثلما قمر ومِزهر.
************
أوقفت آلة التسجيل بمجرد انتهاء أستاذنا القدير " أبو أمجد " من جوابه الأخير ، شاكراً له حرارة اللقاء الذي خلق حالة انسجام حقيقية وصولاً إلى ما يفيد المتلقي ، فاستأذنته للرحيل ، حيث ودعني حتى باب العمارة التي يقيم فيها ، متمنياً لي الصحة والعمر المديد .. بدوري تمنيت له إكمال كتابه ( المشهد الصحفي بحضرموت 1950 – 1967 م ) وعدم نسيان حجز نسختي منه والإهداء بخطه المنمنم الجميل ، قلتها مازحاً ، ولكنه قالها بجدية واضحة : (أنت في قائمة من سأهديهم كتابي القادم أستاذ علي .. بحكم خصوصية مكانتك عندي ، وتقديري لشخصك الكريم ) .. دلفت الشارع فإذا ب ( تاكسي أجرة ) فأوقفته لأرمي ما أحمله من أوراق في المقعد الخلفي ، وبقيت ذكرى عطرة لحوار جميل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.