عندما أراد الكاتب متابعة انعكاس التغيرات السياسية على حضرموت وبالذات التي أعقبت الاستقلال الوطني وسيطرة الجبهة القومية بدأ من عامه الأول في المدرسة ( 1970-1969 ) منطلقا من الطابور الصباحي والشعارات التي كان التلاميذ يرددوها وهم في طريقهم إلى مدارسهم من الساحات العامة التي كان يجرى فيه الطابور لكل عدد من المدارس المتقاربة بحسب نهج معين وخطط مرسومة وقد أورد الكاتب بعض تلك الشعارات مثل : (والله يا شباب ما با تكون الإجابة إلا بالنار والمدفع والدبابة ) شعار آخر ( بغينا حقنا ما بغينا شئ باطل مع الصياد لا هز رأسه با نقاتل ) وفي بعض الحالات يغير الصياد في الشعار ليكون ( الفلاح ) وفقا ومتطلبات المرحلة وهي كافية بأن تعطي تصور عن طبيعة الفكر القائم على ( الصراع الطبقي ) الذي نقل عن دول بعيدة و أريد له أن يطبق في مجتمع متخلف لم يرتق إلى مستوى تلك البلاد المنقول عنها إلا أن الاندفاع نحو ذاك الاتجاه كان قويا خاصة بعد أن تحول التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية إلى حزب طليعي ( من طراز جديد ) هذا الحزب الذي يعبر عن طموحات ( البروليتاريا ) بحسب الأدبيات الاشتراكية ويعزز من تحالفاتها مع باقي فئات المجتمع وفقا والنظرية ( الماركسية اللينينية ) التي صنف المجتمع بموجبها إلى رأسماليين وإقطاعيين …إلخ كتصنيف اقتصادي وإلى رجعيين وكهنوت .. إلخ كتصنيف فكري وكان الخطأ يكمن في عدم استيعاب خصوصية المجتمع اليمني كمجتمع مسلم محافظ مصنف ضمن البلدان الفقيرة المتخلفة اقتصاديا . كانت الدولة الوليدة في الجنوب تتلمس الطريق نحو مجتمع خارجي قوي يحفظ لها استقلالها الحديث ويدعم مسيرة التطور والنماء فيها خاصة وقد عزل جنوباليمن عن دول الجوار وبعض الدول الشقيقة في مقدمتها مصر عبدالناصر والشطر الشمالي من اليمن بعد توقيع وثيقة الاستقلال من قبل الجبهة القومية وسيطرتها على الحكم بعد إزاحتها لجبهة التحرير التي كانت تحظ بتأييد تلك الدول ودعمها . انتهى عهد قحطان بالانقلاب عليه في أواخر مارس 1970 ليبدأ عهد جديد اتجه من خلاله سالم ربيع على ( سالمين ) باليمنالجنوبي نحو الصين كدولة صديقة وبدأ يخطو خطواته الأولى على دربها الاشتراكي بخصوصيته المأوية الآسيوية لتوقع بين البلدين عدد من اتفاقيات للتعاون نفذت الصين بموجبها في اليمن جملة من مشاريع البنية التحتية كان أبرزها لحضرموتوالمكلا الطريق الذي يربطها بالعاصمة عدن والذي يبتدي بالجسر (الصيني) الراسخ حاليا علي أحد أطراف خور المكلا مذكرا بعمق العلاقة اليمنيةالصينية ورسوخها ودور (سالمين) فيها حيث لا يزال توقيعه منقوشا على ذات الجسر ومع وصول تلك المشاريع وصلت كتابات ( ماو تسي تونغ ) وبدأت التجربة السياسية في اليمن تطبع بالطابع الاشتراكي الصيني . وأصبحت أفكار (سالمين ) وخطواته ترسم ملامح الطريق نحو الاشتراكية المأوية ومن بعده المجتمع مرددا ( سالمين نحن أشبالك وأفكارك لنا مصباح وأشعلناها ثورة حمراء باسم العامل والفلاح ) . لم يطول السير في ذات الطريق وقد أطفأت رصاصات الرفاق (مصباحه) باغتيالها (سالمين )على خلفية اغتيال الرئيس ( الغشمي ) في شمال اليمن بواسطة حقيبة مفخخة قيل حول مصدرها الكثير ومن بين ما قيل أن مصدرها كان سالمين عبر مبعوثه ليلقى ذلك استجابة لدى الفصيل المناوئ له داخل السلطة الرافض لمنهجه وقد وصل معه الخلاف إلى مشكلة لا يحلها إلا الرصاص – من وجهة نظرهم – . وبمقتل سالمين نشطت العلاقة مع السوفيت التي لم تكن على أحسن حال في عهده وغيّر الرفاق من بعده قبلة نهجهم كليا من آسيا إلى أوربا الشرقية لتفسح أفكار ( ماو تسي تونغ ) المجال واسعا أمام أفكار ( ماركس وأنجلز ولينين ) وأفكار المفكرين ونظريات المنظرين من بعدهم . كانت الدولة قد أصدرت قرار بتأميم البنوك الأجنبية والشركات الاحتكارية التي خلف الاستعمار بعضها في عدن بعد رحيله ليشمل التأميم المؤسسات الوطنية الصغيرة وبيوت المواطنين ولأن سلاطين حضرموت لم يخلفوا شئ من تلك الشركات فقد أمتد التأميم إلى محلات المواطنين التجارية ( والأمتار ) الزراعية وقوارب الصيادين والغرف الإضافية في بيوت المواطنين حتى أن المواطن كان يضطر إلى إضاءة كل غرف بيته من بعد المغرب إلى ما قبل منتصف الليل ليوهم من يراها من الخارج بان كل غرفة في البيت مشغولة بساكنيها خوفا من تأميمها وتلك كانت من الأخطأ العميقة للتجربة . وقد كان مقتل( سالمين ) خطأ فادح فتح الباب لثقافة التصفيات بين الرفاق التي تنبأ بها هو ذاته حين قال لمن وجه البندقية إلى صدره ليقتله (اليوم في صدورنا وغدا في صدوركم ) بحسب شهادة أحد رفاقه وكان ذلك الغد هو الثالث عشر من يناير 1986 الذي شكل أحد العوامل الذاتية التي هيأت لتحقيق الوحدة اليمنية لاحقا التي كانت أي الوحدة بالنسبة للشعب حلما وكانت للنظامين حينها هروبا إلى الأمام حيث وقد سقط المعسكر الاشتراكي وتداعت من بعده دول المنظومة الاشتراكية واهتز الجنوب لها لتطل القبيلة برأسها من الفجوة التي تركتها أحداث يناير فكان الهروب إلى الأمام ليقع النظام الأممي البروليتاري في أحضان القبيلة من جديد ( نظام الجمهورية العربية اليمنية ). أما دافع النظام في الشمال للتوحد كان أيضا بمخاوف داخلية لا تختلف كثيرا عن تلك التي أخافت أخوانهم في سلطة الجنوب حيث وقد تضاعفت الضغوطات عليه من بعض القوى التي تبنى احتضانها وتنميتها وقد أصبحت تشكل تهديدا له فكان الهروب إلى الإمام مخرجا وخاصة أن في الأمام هدفا لتفريغ ضغطها بعد رفع مستوى شحنها الفكري ضد شريك الوحدة ( الاشتراكي الشيوعي ) ولعبت بعض الدول دورا في الإسراع بإنضاج الظرف الموضوعي خاصة وقد بدأ التوتر في الخليج ينذر بحرب قادمة لاشك من أنها ستباعد بين الشطرين أكثر أن لم يتوحدا قبلها حيث من المؤكد أن يختلف موقف كل شطر منها بناء على علاقتهما بأطرافها فتوحد الموقف ليدفع اليمن ثمنه ألاف من المغتربين المهجرين من الخليج بعضهم بسبب الحرب والأغلبية بسبب موقف بلدهم منها وكان لحضرموت منهم نصيب الأسد . بعدها انطلقت حرب صيف 1994 بين شركاء التوقيع وكان في طليعة المحاربين في جبهة المؤتمر بعض من تلك القوى وبعض عناصر (الزمرة ) الذين عادوا إلى الجنوب على دبابة المؤتمر لتصفية حسابات قديمة مع عناصر ( الطغمة ) وقد اشترط قادتها من قبل أي قادة الطغمة قبيل إعلان الوحدة بأن لا يدخلوا صنعاء وللزمرة قيادة فيها فكان لهم ما طلبوا فكانت تلك خطوة غير مدروسة وخطأ يضاف إلى الأخطأ السابقة . حسمت المعركة لصالح قوى المؤتمر ومن حالفهم من القوى المختلفة التي أطلقت على نفسها مجتمعة ( بالقوى الشرعية ) وقد رأت بعض القوى والتيارات الحضرمية في رئيس المؤتمر حينها البطل المخلص لها من تركة الماضي حيث وقد أعيدت في عهده المساكن والمؤسسات المصادرة بفعل التأميم لملاكها ولم تعد الأرض لمن يفلحها بل لمن يملكها وهي خطوات ما كان على الرفاق أن يغفلوها وهم يعدون العدة للوحدة مثلها مثل خطوة التصالح والتسامح التي جاءت متأخرا بينما كان من المفترض أن تكون من ضمن خطوات الرفاق الأولى نحو الوحدة ولكن كما يقال ( أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل ) وكأي عمل بشري اجتماعي أو تجربة سياسية مهما كثرت سلبياتها فلابد أن تكون لها من الإيجابيات ومهما عظمت إيجابياتها فهي لن تخلو من السلبيات وما يحسب للنظام المركزي السابق في الجنوب انه فرض سلطة الدولة وقوة حضورها وحرصها على حماية حدودها وسيادة القانون فيها وتوفير الغذاء الضروري والتطبيب والدواء المجاني ودعم التعليم من الأساسي إلى الجامعي وتلك من إيجابيات المرحلة رغم كثرة سلبياتها وهي خطوات لم يغفلها الكاتب وقد عبر عن تقديره لها .