تزاحمت الأصوات علينا في السنوات الأخيرة , وبات المنبر غاية لا وسيلة , حيث كثر من يتدافعون لإعتلائه ليلاً ونهاراً , وباتت الصناعات الإعلامية تتطور تطوراً مفزعاً ومن صناعة الكلمة الى صناعة الجمهور , وأصبح الكثير من ملاك القنوات والمواقع يضطهدون الحق ظاهراً بباطل ويرمون التهم جزافاً , ويعبئون المجتمع بمايتلازم مع مصالحهم , وينتهجون الأساليب العاطفية منها والإستفزازية للحشد والإستقطاب , وفق إيدلوجيات معاقة ومسمومة تنخر في جسد الأمة الإسلامية الواحدة ليقع فيما بعد ذلك الشعب أو الرأي العام – المحلي – ضحية وفريسة سهلة لمازاعمهم ومطامعهم , وليحلل الشيخ الفلاني دم فلان بن فلان , ويهاجم الإعلامي نظيره الإعلامي الآخر علناً , ولتبرز الأصوات الهجينة بين باطل وحق , ليبدو الحال أشبه بالطماطم حينما وضعت في سلة واحدة , فأنتقلت عدوى المعطوبة منها لأخواتها الأُخريات ," وكل صاحب رأي أخذ عشرة بيده " !, ولعلنا نلاحظ أن الكثير ممن يستلطفون ويألفون الوقوف في المنابر , والساحات , وخلف الميكرفونات , ينساقون وراء الأضواء اللافته , وأصحاب الجيوب " العمرانة " , فتهزل الكلمة حين يقوم مقامها الريال , وتسقط المبادىء لمّا تجاورها الكاميرات ! ولكن قلة يتشبعون يقيناً بأن كثيراً من المظاهر تخدع , وأن وراء الكلمة ألف قناع يقبع , وإن الباطل العقيم على إعوجاجه لايطمس حقاّ , وإن الحق لايهادن زيفاً , ولايُنطفأ نورالحق ولو أجتمع عليه أهل الباطل جموعاً . ولعل من نافلة الحديث أن نشدد على الإستمساك بجهاد العقل ضد الباطل أي كان , وخاصة في زماننا هذا , فبين ظلمات التلفزة وأبواق الميكرفونات , يتخفي الباطل ويتلون ويقتحم العقول ويسلبها الحقائق بغية التجرد من قواعد التفكير السليم . و يرى الكاتب والصحفي فهمي هويدي أن التورط في إخراس صوت الحقيقة قد يطول الترويج للباطل ذاته , حيث يقول " اذا لم يكن بمقدور المرء في ظروف معينة ان يعلن الحقيقة كلها فلا بأس أن يقدم بعضها لكن المهم ألا يغالط ضميره ليزيف الحقيقة او يتستر عليها , إذ أنه في هذة الحالة لن يرتكب جرم "الشيطان الأخرس" و إنما سيقع فيما هو اسوأ، حيث يصبح " شيطانا فصيحا"، إذ لن يكتفي بالسكوت على الحق و إنما سيتورط في الترويج للباطل. وأخيراً وليس آخراً , لنا من كتاب الله خير مرشدِ ودليل حيث يقول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) 70 -الأحزاب ( قولاّ سديداّ ) أي : مستقيماّ لا اعوجاج فيه ولا إنحراف , وقد قيل السديد : الصدق أو الصواب , والحق , ومنه تسديد السهم نحو الرمية . سدد الله خطانا وإياكم لكل حق , وأجرى لنا من نور العقل هداية تنفعنا وتنفع غيرنا.