عندما يذكر اسم ( بن حمادة )([1]) تتهلل الوجوه بشراً ، وترقص القلوب طرباً ، لما يحمله الناس من حب لهذا الشاعر المشقاصي الأصيل ، لقد غزا بقصائده كل البقاع الحضرمية ، بدأ مشواره الشعري منذ أن كان عمره اثني عشر عاماً ، اشتهرت المشقاص بعدد كبير من الشعراء الذين ذاع صيتهم والذين كانت اشعارهم مرآة عاكسة للبيئة المشقاصية ، والشاعر ابن بيئته كما يقولون ، والشيخ كرامة بن عمرو بن حمد بن مبرور بن مطر الثعيني ولقبه ( بن حمادة ) هو صاحب الريادة في الشعر الشعبي في هذه البقعة من الوطن الحضرمي .. والذي يكاد يجمع عليه بأنه كذلك . يأتي ديوان ( صاحب الريادة في الشعر الشعبي ) الذي جمعه وأعده بورح سبيتي بن دري المطري ، وقدمه الدكتور سعيد سالم الجريري ، بعد خطوتين رائدتين في هذا المجال لشاعرين مشقاصيين هما : الشيخ نصيب بن مغيفات العدلي صاحب كتاب ( رحلات وقصائد من الماضي ) والأستاذ الشاعر سعيد بن صالح بن عبدربه العمقي صاحب ديوان ( بدع مشقاصي ) . والديوان سالف الذكر (يأتي إسهاماً في حفظ شئ من الموروث الشعري المشقاصي الذي يخشى عليه أن يذهب بذهاب رواته وحفظته ، كون هذا الموروث الثر الجميل يتناقل شفاهة ، ولا يكاد يوجد منه المدون والمكتوب الا ما شذ وندر) ، كما يشير الأخ العزيز بورح سبيتي المطري في توطئته .. وهذا ما نشكو منه في كل مقال كتبناه عن شعرائنا المجيدين . وفي تقديمه للكتاب يقول الدكتور الشاعر سعيد سالم الجريري عن الحكيم "بن حمادة " ( إنه شاعر طالع من أعماق هذه الأرض ، معجوناً بلغتها ، ومعجمها ، وتراثها ، وفولكلورها ، وتنساب على لسانه معانٍ وصور لصيقة بالمكان الذي يتشكل على صورة ( بن حمادة ) ، أو يتشكل ( بن حمادة ) على صورته ، لا فرق ، في حالة من حالات التماهي الوجودي والجمالي ، ويتجلى ذلك كله في أنماط التعبير وأشكاله الايقاعية التي يجيد ( بن حمادة ) اللعب على أوتارها ، إذ يستل من الكلام كلاماً خاصا به ، دالاً عليه من دون غيره ، كأنه البصمة ) مقدمة عصماء من دكتور شاعر وابن بيئة الشاعر " بن حمادة " الذي عاش بين أكنافها ، وتشرب من ثقافتها البدوية فقرض الشعر صغيراً ..وللدكتور الجريري ديوان شعر بالعامية الحضرمية ( بخيتة ومبخوت ) الذي قوبل باستحسان كبير ، كتب عنه النقاد فقالوا كلاما جميلا يثني على الديوان . وخير ما نفتتح به قصائد ديوان الشيخ " بن حمادة " مساجلة شعرية ..يقول فيها : حيا بكم يا بحرها طامي ويم *** عديت ع الظاهر وداخل في الكنان لي من زمن ما شي تغير وانهدم *** وإن شي خطأ عندي مقيد بالبنان ………………………………………………………….. وعلى نفس القافية الشعرية .. يقول : حيا تراحيب المروة والهمم *** ودي معك لو شي في الطاقة ثمان اليافعي بالهيل لي ما يرتقم *** حطوا شدود الخيل زموا بالعنان ……………………………………………………………… عندما نقرأ هذه الأبيات نجد مفرداتها عربية فصيحة .. مما يعني بأن الشيخ الشاعر متمكن من أدواته الشعرية ..وله باع طويل في الشعر . كما أن للشاعر " بن حمادة " شعر بأسلوب نصائحي جميل .. بعنوان نصيحة شاعر لأبنه .. أخذنا منه شذرات : وعاد عندي نصائح شلها ياعمر جالس خيار النسب واهل المروة خير واهل الديانة رجال المعرفة والبصر والعلم والحلم واهل الدائرة والفكر وأوزن كلامك تحذر لا لسانك تقر وان جات شينة تركها خل نفسك صور لا عطاك علقم تقدم له بأحلى ثمر ولا ترد على صاحب الشينة بمثله ومر وابعد من القات والتمباك هو والسَكر لا تكون مغرور مثل اللي بنفسه غتر كيد النفوس الضعيفة من عمال الغجر والكذب والزور والبهتان أحد الكبر طب مطعمك وأنتبه أكل المحرم يضر واحذر ولا تكون متصيد فماء العكر والبيع هو الشراء اعدل ولا تحتكر والوعد حسب حسابه كون صادق وبر والعهد لا تخونه بنده نقض عهدك عسر فكر حذر لا تجوب قبل ما تفتكر لا تكون مسرع بردك غير للمعتبر هذه النصائح لكم انتم وكل من حضر والختم صلوا على طه الحبيب الأغر سيد الملا كلهم من جنها والبشر صلوا عليه عد ماقاري قرأ في السور وما هطل مزن من نوره رشيش المطر وما نبت نبت من طينه واصبح خضر وآله وصحبه مصابيح الظلام الغدر ……………………………….. كم نحن سعداء بالاطلاع على دواوين وكتب تبرز الكنوز الثمينة في حضرموت التي كان لها دور في إبراز موروثها الشعبي ، وكذلك في خلق حراك ثقافي أدبي يتصدره شعراء وكتاب وصحافيون .. كما نعد القراء بالتنقيب على كل جديد ونفض الغبار عن المهمل من الاعمال التي مازالت بحاجة إلى نبش .. نسأل الله أن يعيننا على خدمتكم وإدخال الفرحة إلى قلوبكم بمساعينا الحثيثة لهذا الهدف النبيل . والله من وراء القصد [1] ) الشاعر " بن حمادة " من مواليد 1354 ه بريدة عبدالودود .. تلقى تعليمه على يدي إمام مسجد ظبق هزوال بعسد الجبل الشيخ سعيد بن عبدالرحمن باحميد ، قضى أيام صباه بالبادية . سافر للكويت سنة 1956 وعمل هناك حيث تأثر بثقافة أخرى ، له ملتقى يجمعه مع شعراء آخرين في الكويت .. الآن شيخ قبيلة بن مبرور ولديه خبرة في الأحكام العرفية .