تمر حضرموت بمنعطف تاريخي خطير, ولحظة حساسة, فإن كل الخيارات مفتوحة أمام حضرموت ونخبها وعقولها, حضرموت التي عرفت على مدار التاريخ بجملة من المميزات والخصائص تختلف بها عن محيطها, العقل الجميع الحضرمي عقل تواق للمدنية والاستقرار , لا ينجر إلى الفتن بسرعة ولا ينغمس فيها, ويعول على هذا العقل في هذه المرحلة الكثير والكثير, حتى تخرج حضرموت بأخف الضررين, وإن لم نستطع تحقق أكبر المصالح على أقل تقدير. ما حدث في حضرموت لا يمكن سلخه عن السياق السياسي والاجتماعي السائد ,هناك أطراف كثيرة تتنازع , تنازع البقاء , وتنازع الهيمنة, ومن حق أبناء حضرموت كما هو من حق أبناء الجنوب , كما أنه من حق أبناء الشمال ,أن يكونوا أسياد قرارهم ومصيرهم, دون الاضرار بمصالح الأخرين. وفي ظل هذا الوضع كله وتطوراته, فإن ما حصل في حضرموت يمكن تداركه وفهمه واستيعابه, هذا إذا ما اشتغل العقل الحضرمي بحرية واستقلالية دون إملاءات ووصايا من هنا وهناك. كيف يحصل ذلك؟ دعونا ندخل في الموضوع ؟ أولا: "أبناء حضرموت". ما قام به "أبناء حضرموت" كما يحبون أن يطلق عليهم , خطوة استباقية كما يفسرونها هم, إذ كان حسب هذا المنطق لابد أن يسبق إلى حضرموت أحد الأطراف المتنازعة, ومن المؤكد وكل الناس تدري أن بعض هذه الأطراف قد رتبت فعلا مع أجنحة داخل حضرموت , أجنحة عسكرية , وسياسية واجتماعية, وقبلية, رتبت هذه الأطراف على حسب مصالحها وحسب مصالح هذه الأجنحة , والسبب في هذه الترتيبات هو بعد حضرموت عن مراكز الالتماس, وما تكون حولها من طوق وجدار مانع من الوصول إليها من قبل المحافظات المقاومة, مأرب وشبوة, فاصبح اسقاطها عن طريق الغزو الخارجي دونه خرط القتاد, فلا بد من اسقاطها من الداخل وهو ممكن ومتيسر, لأن أكثر ألوية الجيش توجد في حضرموت أكثر من غيرها لأهداف معروفة, فلو استمالت هذه الألوية مجتمعة عليها لكان من الصعوبة بمكان منع ذلك, ولكن من فضل الله على هذه البلد أن هذه القوة لم تكن مجتمعة على هدف واحد. وفي ضوء هذا الوضع أصبح الكل يرتب ويخطط على الكيفية والطريقة التي سيتم بها الاسقاط , وكل الأطراف كان لها أذناب داخل حضرموت. ما قام به "أبناء حضرموت" هي خطوة لقطع الطريق على غيرهم, وهذا حسب تفسيرهم, ولكن حسب تفسير المتابعين, هذا ليس من تخطيطهم, لا بد من جهات اعطت الضوء الأخضر ليحدث هذا, والأهم من ذلك أن عفاش وزبانيته مني بضربة ساحقة في حضرموت إلى حد الأن. ثانيا: مجلس أهل السنة والجماعة: ما حدث حدث, وأقدار الله يجب ان يتعامل معها بأقدار يحبها الله , فلا يمكن ان نقف مكتوفي الأيد ونقول قدر الله ما فعل, بل إذا كان ما قُدر قُدر للابتلاء, فيجب رفع هذا البلاء بما يحب الله ويرضا, وفي ضوء ذلك تحرك نخبة من مشايخ مجلس أهل السنة والجماعة برئاسة الشيخ أحمد برعود ومن كان معهم من أهل الخير والصلاح, لفتح خط مع هؤلاء المسيطرون الجدد, ومن أول لحظة , لتجنيب البلاد والعباد كثير من الكوارث, هذه الخطوة لم تكن ضمن السياق لا السياسي والاجتماعي ولا الإقليمي, لكن استطاع هؤلاء المشايخ أن يتواصلوا مع الجميع للخروج بهذه النتيجة التي يعرفها الجميع, وهو جهد يشكرون عليه, مع ما يترتب على ذلك من مفاسد ومضار قد تصلهم نتيجة لهذه الحركة التي لم تكن متوقعة من الجميع, ولكن حسب ظننا بهؤلاء المشايخ انهم يعدون ما قاموا به واجب يتحتم عليهم القيام به اتجاه بلدهم وأهلهم. ثالثا: المجلس الأهلي الحضرمي: اسفرت كل الجهود التي قام بها مشايخ مجلس أهل السنة ومن كان معهم من الشخصيات والوجاهات الاجتماعية إلى تشكيل مجلس حضرموت الأهلي و الذي بدوره سيقوم بالتفاوض مع "أبناء حضرموت" لاستلام إدارة البلاد في جميع الجوانب. تكون المجلس من جميع أنواع الطيف الحضرمي تقريبًا, إلا من أبى وأحجم عن المشاركة مثل ممثلي الأحزاب السياسية وكثير من هؤلاء بارك الخطوة, والمهم تكون المجلس بعد هذا المخاض الصعب بأسرع ما يمكن واختار له قيادة باتفاق الجميع وبدأ يتلمس الطريق في استلام البلد . أما ما سيواجه المجلس من تحديات تتمثل في: أنه سيكون غطاء للأفعال التي قام بها وسيقوم بها "أبناء حضرموت". الوفاء بالوعود التي قطعاها "أبناء حضرموت" على أنفسهم مع المجلس. علاقة المجلس بالمكونات الأخرى الموجودة في الساحة. بالضافة للتحديات الاقتصادية والخدمية والامنية. ولكي يتغلب المجلس على هذه التحديات عليه أن يسعى جاهدا في اخرج هؤلاء "ابناء حضرموت" من المشهد بشكل كامل ويستلم منهم جميع الملفات الأمنية والسياسية, والإدارية والاقتصادية وغيرها وبعض هذه الملفات تحتاج تدرج مثل الملف الأمني. عليه أن يفتح أفاق مع جميع المكونات الموجودة وأن يسعى جاهدا على أن يُشرك جميع أطياف حضرموت في إدارة البلد. و بعد استلام كل الملفات واستقرار الوضع لابد من عقد مؤتمر عام يشمل جميع مكونات المجتمع الحضرمي في الداخل والخارج. وقبل كل هذه الخطوات يجب الوصول إلى صيغة أو اتفاق مع "أبناء حضرموت" لعودة السلطة المحلية وعلى راسها المحافظ, وهذا سيعطي للمجلس شرعية للاستمرار إلى جنب المحافظ في ادارة البلاد حتى يعقد المؤتمر العام لكل أهل حضرموت ليختار أهل حضرموت صيغة جديدة وقيادة جديدة توجه جديد حسب ما يقرر في المؤتمر. رابعا: حلف حضرموت. من أبرز المكونات الموجودة في الساحة الحضرمية حلف قبائل حضرموت , فهو مكون مهم لا ينبغي تجاهله في هذه المرحلة وفي المرحلة القادمة, قام الحلف بدور وجهد في محاولات لتقريب وتجميع أبناء حضرموت, إلا أنه واجه عدة تحديات لم تمكنه من تحقيق الالتفاف الحضرمي لعدة أسباب داخل الحلف وخارجه, فجهده مشكور وسبقه معترف به, ولا يوجد إلى حد الآن مكون حضرمي استطاع أن يلم جميع أبناء حضرموت خلفه, لا الحلف , ولا المجلس الأهلي , ولا الحراك بكل أطيافه, ولا الأحزاب ولا المنظمات . إذا لا بد للجميع أن يتواضعوا , من السهل أن تقول أنا أمثل الشعب الحضرمي, ولكن في الواقع كل الناس تعرف حقيقة هذه الدعوى, لذلك الكل جزء من الكل. ففي هذه المرحلة لا يمكن أن يوجه فصيل دعوة للكل ليحضروا إليه, ولكن يجب ان نتداعى كلنا لنحضر من أجل حضرموت. خامسا: المكونات السياسية : المكونات السياسية في حضرموت نأت بنفسها عن المشاركة أو التقدم بأية مبادرة منذ سقوط المكلا إلى الآن, وهي قامت بهذا الفعل طبعًا لحسابات سياسية , فطبيعة العمل السياسي يختلف عن طبيعة العمل الشعبي والمجتمعي, ولكن في الحقيقة هي حسبت حسابات سياسية ولم تحسب لحضرموت ولم تفعل شيئا من أجل حضرموت , عادة الأحزاب السياسية أن تأتي بعد الجهد الشعبي لتقطف الثمرة, كما حصل في الثورات التي حدثت في الربيع العربي, فهذه المكونات لا يمكن أن تنسلخ عن مراجعها السياسية التي تنتمي لها, بعكس الجهود الشعبية التي تتحرك من أجل ذاتها. إن مباركة هذه المكونات للجهود الشعبية خطوة جيدة في الطريق , من الطبيعي أن لا تتحرك هذه المكونات في ظل سيطرة "اصحاب القصر" لحسابات سياسية ودولية , ولكن عليهم أن لا ينسوا جهود من ضحى بكل الحسابات وتحرك من أجل مصلحة بلده. أن دور المكونات السياسية سيأتي في ضوء الأمن والاستقرار, لأنه من المعروف أن السياسي لا يضحي من أجل الفكرة, بل الثوري هو الذي يضحي من أجل الفكرة, والمحتسب هو الذي يضحي من أجل الفكرة, والسياسي أبعد ما يكون عن الاحتساب والثورية. سادسا: حضرموت. رغم كل الذي حدث , إلا أن حضرموت أمام فرصة ذهبية هل يلتقطها أبناء حضرموت, ويسموا على احقادهم وانانياتهم الذاتية ويفتحوا أفاق للالتقاء والتفاهم والتفكير في مستقبل بلادهم وأجالهم, أم يريدوا أن يظلوا مرتهني للغير, فإن التاريخ لن يغفر لهذا الجيل الذي سنحت له هذه الفرصة وضيعها …حضرموت محتاجة للجميع علينا ان نتكاتف جميعا لتحقيق الاتي : التفكير والسعي في توفير الخدمات للناس بأسرع ما يمكن . تكوين قوة عسكرية من أبناء البلد تشكل نواة لقوة امن تحفظ حضرموت وثرواتها فلن نرضى بعد اليوم أن تأتي قوة من خارجنا. لا نتباكى كثيرًا على الأموال والسلاح الذي نهب, علينا أن نتجاوز هذه المرحلة ونفكر في المستقبل, كل شيء يمكن أن يتعوض, فلم تكن هذه الأموال ولا السلاح يومًا من الأيام بأيدينا. وفي الأخير أقول للعامليين ولكل من بادر وخرج إلى الساحة, اعملوا وصابروا لا تلتفتوا للمثبطين ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)). وستلاقون ما هو أكثر من التثبيط, فإن كثير من المرجفين لادوا بالاختباء الآن خوفًا من بطش "سكان القصر", فعند ذهاب هؤلاء سيخرجون من جحورهم وسيسلقونكم بألسنة حداد. سابعا: المحافظ. وأقول للمحافظ ومن هم في قصور وفنادق الرياض أن لم تبادروا بإنقاذ الوضع واغاثة الناس ويرى الناس جهودكم وحركتكم فإن الوضع سيتجاوزكم عليكم بدعم هذه الجهود وجمع الناس تحت غطاء واحد, ويكفي من وعود وتصريحات وبيانات إن كنتم فعلا تنتمون لهذا البلد وحريصين عليه ونحسبكم كذلك والله حسيبكم.