(1) " رجب " من الأسماء المتداولة كثيراً في مراحل تاريخية سابقة، مثل شعبان ورمضان وعرفة، وهي تسميات ذات صلة بالتيمّن الشعبي بحُرمة الشهر الذي يخرج فيه المولود المسمَّى إلى الكون، على خلفية ما ثبت في "الصحيحين" أنَّ النَّبيَّ (ص) خطب في حجَّة الوداع، فقال:" إنَّ الزَّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثناعشر شهراً، منها أربعة حُرُمٌ، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم، ورجب مضر الذي بين جمادَى وشعبان ". ولقد كان العرب قبل الإسلام يُعظِّمون رجباً، ولاسيما قبيلة مُضَر، ولذا جاء في الحديث كما سبق:(رجب مُضَر). قال ابن الأثير في "النهاية":"أضاف رجباً إلى مضر؛ لأنهم كانوا يُعظِّمونه خلاف غيرهم، فكأنهم اختصُّوا به ". فلقد كانوا يُحرِّمون فيه القتال، وكانوا يُسمُّون الحرب التي تقع في هذه الأشهر "حرب الفجار!!". وفي تسمية شهر رجب رجباً، قال ابن رجب الحنبلي، رحمه الله تعالى: "سمّي رجبٌ رجباً؛ لأنه كان يُرجب، أي يُعظَّم، يُقال: رَجَبَ فلانٌ مولاه، أي عظَّمه. وقيل: لأنَّ الملائكة تترجَّب للتَّسبيح والتَّحميد فيه. وذكر بعضهم أنَّ لشهر رجب أربعة عشر اسماً، منها:" شهر الله، رجب مضر، منصل الأسنَّة، الأصمّ، الأصبّ…إلخ". (2) ومن المعلوم أن التسمية ب( رجب ) ومثله شعبان ورمضان وغيرهما، تكثر على نحو لافت في حضرموت ولاسيما مناطق معينة، وفئات اجتماعية وثقافية معينة أيضاً، وهذا شأن مما تُعنى به الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية، ويرفدها بنتائج موضوعية في إعادة قراءة تاريخ المجتمعات وتحولاتها الثقافية والاجتماعية. وليست حضرموت هنا إلا مثال لتداول هذا الاسم وارتباطه بالتراث الشفهي والفولكلور الشعبي، دلالة على جذور عميقة لعظمة هذا الشهر عربياً وإسلامياً في الثقافة والوعي معاً. وإلا فالاسم متداول على نحو لافت في مصر ولاسيما الصعيد، تداولَه في أقطار عربية وإسلامية أخرى، فابن رجب الحنبلي الذي تقدمت الإشارة إلى قوله في تسمية رجب، بغدادي عاش في دمشق (736 – 795 ه)، ومن أعلام الألفية الثالثة إسلامياً رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان. (3) يقال:"عش رجباً ترَ عجباً"، وقيل في الأمثال الشعبية الحضرمية:( لقّى له رجب ورجبجب )، وهو مثل ذو خلفية ثقافية خصت رجباً، محفوفاً بشعبان ورمضان، اعتماداً على ما لها من تعظيم في نفوس المسلمين، كأنما يراد تمرير الخديعة، في المثل، تحت يافطة دينية!. جاء في "معجم الأمثال والاصطلاحات العامية المتداولة في حضرموت" للأستاذ بامطرف:" يُحكى أن رجلاً تزوّج في غرّة شهر رجب، امرأة قيل له حين خطبها إنها بارعة الجمال، ولكن بها انتفاخاً عارضاً في البطن سوف يخف بالعلاج البسيط، فأغراه جمالها فتزوجها وراح يعالجها، وفي شهر رمضان من السنة نفسها، وضعت المرأة مولوداً، فاستدعى الزوج الرجل الوسيط واستفسره عن هذا الحادث الغريب، وكان الوسيط يعلم حال الزوجة أنها حبلى، ولكنه كان غشاشاً، فرد على استفسار الزوج بقوله: أبداً،ً لا وجهَ للاستغراب هنا، فقد مضى عليك تسعة أشهر منذ أن تزوجت المرأة، وبدأ يعدّ: شهر رجب، وشهر رجبجب، وشهر العجبجب، وشهر شعبان، وشهر شعيبان، والشهر القصيّر، وشهر رمضان، وشهر رميضان، والشهر الذي يصومونه الناس. هذه تسعة أشهر كاملة يا صديقي". ثم يكمل الأستاذ بامطرف إشارته إلى قصة المثل: "… فضحك الزوج، وكان هادئ الأعصاب، ولام نفسه أنه وسّط في زواجه شخصاً مخادعاً". (4) العجيب، اليومَ، أن تتعامَى أمةٌ، أو يتجاهل شعبٌ، أو يتغافل امرؤٌ رشيد، عمّن "يلقي له رجب ورجبجب وشهر العجبجب"، أو لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب- إنْ أنتَ أنكرتَ عليه القبول بأن يظل مستغفلاً مستكيناً، وهو يرى الحقائق رأيَ العيان، ثم يقول كما قال بنو إسرائيل: "إنَّ البقر تشابه علينا"!. إنما مَن يعشْ رجباً يرَ عجباً- كما قيل- ولله في خلقه شؤون!.