عندما تتوجه فوهة البندقية نحو صدور الشباب كحل وحيد لإسكاتهم وإخماد صوتهم ومنع احتجاجهم, وعندما يخرج هذا المشهد عن دائرة الخطأ بتكراره في كل مرة يخرج فيها هؤلاء الشباب مطالبين بقضية هم يرونها مصيرية ورئيسية, وسواء اختلفنا معهم أو اتفقنا في الآليات والوسائل والسبل, فإن البندقية القاتلة هنا تكون خصما وعدوا لابد من إخراجها وطردها, لأنها استمرأت القتل ودرجت عليه بدم بارد. نعم أقول لابد من طرد هذه البندقية خارج حضرموت وإخراج العسكر الذين لا يجيدون سواء الرصاص الحي يخاطبون به شباب ثائر أعزل, وكما يقال في المثل " كل إناء بما فيه ينضح", وإناء العسكر ينضح بالكراهية ويطفح بالبغضاء ولم يعرفوا سوى الرصاص سبيلا لإسكات الأصوات, وإلا بماذا نفسر عمليات قتل الشباب والأطفال التي تكررت من قبل هؤلاء الوحوش البربر في ظل وجود سلطة محلية أشبه ما تكون بلاعبة دور النائحة المستأجرة بعد كل جريمة قتل, لأنها تعيش في كنف العسكر وتحت الوصاية. وإن من الرزايا والمصائب أن هؤلاء العسكر ينتمون للجيش اليمني, وأنا أسميه يمني مجازا, وإلا فهو جيش يتقاسمه أفراد وأشخاص متنفذون هتلريون لا يعرفون حكما مدنيا ولا ديمقراطيا ولا حكما محليا, اقتسموا هذا المخلوق المسكين والذي يقال له " جيش " بينهم بالسوية, كأنما هو تركة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم, وزجوا به في حروب وصراعات على مدى سنين مضت, خضعت لحسابات وتصفيات ونزاعات شخصية تخدم مصالحهم وأهوائهم ومناصبهم, راح ضحيتها شباب ورجال, ثم تُركت أسرهم تعاني العوز والعيلة بعد موت العائل في حروب هؤلاء القادة الهتلريون,فإذا كان هؤلاء القادة لا يرون أن قتل النفس بغير حق من أعظم الجرائم, وإذا كانوا لا يعملون أي اعتبار للنصوص الشرعية التي حرمت قتل النفس المسلمة إلا بإحدى ثلاث " الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَة ", فإن هؤلاء لا يستحقون أن ينالوا شرف قيادة الجيش والانتساب إليه, بل لا يستحقون أن يمشوا على تراب حضرموت ويستظلوا بسمائها. ولا غرابة أن نطالب بطردهم وإخراجهم إذا كانوا يفتقدون للكفاءة والقدرة على التعاطي مع الأزمات والمحن, والتعامل مع الشعوب الثائرة على أنهم بشر لهم كرامتهم المعتبرة, وفي المقابل لا نمانع أن يؤخذ على يد كل خارج عن النظام بالنظام والقانون, إذا ثبت ذلك عليه, لا أن يكون العسكري في الشارع يمارس دور القاضي ودور الجهة التنفيذية في الوقت نفسه ويصدر الأمر لرصاص بندقيته أن ينطلق ليعبث في صدور وأجساد الشباب. وأنا أول مرة أسمع أن الرمي بالرصاص وإن كان للتخويف عقوبة من يقول " عاع " لطقم عسكري " والعهدة على ناقل الخبر وهو الدكتور بلخير " فهذه كارثة ومصيبة وطامة, إذا وصلوا إلى هذا المستوى الأخلاقي والوطني, وأرى أنهم بحاجة لعملية عرض فورية على أخصائي نفسي لمعالجتهم ولا عيب في ذلك, وكيف نأتمنهم على الأمن والاستقرار والنفوس والأموال إذا كان " كلمة توديهم وكلمة تجيبهم", بل إننا نخاف من اليوم على أبنائنا من رصاص العسكر لأنهم كثيرا ما يرددون هذه الكلمة " عاع " في الشوارع والملاعب والمدارس. ولهذا أقول أخرجوهم فقد انتهت صلاحيتهم. ولازالت اليمن حبيسةُ حظيرة العسكر, رغم نجاح ثورتها في كسب بعض جولاتها السياسية وأهمها طرد المعمّر العسكري " بو حمد " إلا أنها استبدلت جنرال بآخر, أقل كفاءة وقدرة وذكاء, خرج من دائرة الظل ونومة أصحاب الكهف لسنوات, إلى دائرة الأضواء والشهرة ولكنه أبرق علينا بمخالب من ورق, وحُشِر وحيدا في محيط قبلي متعصب لمشيخه, ومافيا فساد كالإخطبوط بأذرع متعددة, وجيش مقسم بين جنرالات تربطهم آصرة أسرية وقبلية وليست وطنية, ليس له فيه أولياء أصحاب شوكة وغلبة, فكان هذا الفارس " الديكور " ضحية المرحلة القادمة, نتيجة لعجز الأطراف المتصارعة والمتكافئة في القوة والنفوذ على فرض جنرالاتها على رأس الهرم السياسي, ولا يزال اليمن يسير على نفس السيناريو منذ تحرره من الاستعمار والإمامة وهو الانتقال من عقلية عسكرية إلى عقلية عسكرية أخرى, ولا يزال الجيش منقسم ولاءه بين قادته الكبار " حمران العيون" أبناء القبائل. لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس وإذا كان الحال هكذا – ولا شي في عبود اعترف – فلابد من الدعوة إلى حضرمة العسكر, مائة في المائة, وليعد كل عقيد قائم بأعمال مشيخته في حضرموت من حيث أتى, وشكرا على ما قدمتموه إن كان هناك شيء يذكر, إلا إذا كنا نحن الحضارم غير وطنيين وغير جديرين بإدارة الجيش داخل حضرموت, وأن أبناء حضرموت لا يملكون القدرة حتى على الوقوف أمام باب البلدية كحارس أمني, ويُستقدم حارس من أعالي جبال حجة وصعدة لبوابة البلدية العتيقة, فإذا كان جنرالات صنعاء يعتبرون الجيش ملكا من أملاكهم الشخصية مثل الطاولة والسجاد ونحوه , وينظرون لنا بهذه النظرة الطائفية, فمن حقنا أن نقول سلامٌ عليكم لا نبتغي عسكركم, وارحلوا عنا واتركونا للهوام تنهشنا.