﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾ [ طه :81 ]. ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ أي واشكروه على ما أسدى إليكم من النعم. ﴿ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ ﴾ أي في رزقه فتستعملوه في معاصيه، وتبطروا النعمة، أو لا تنفقوا منه على المساكين كما فعل أصحاب الجنة ﴿ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) ﴾ [ القلم : 17-31 ]. فمن كان لا يريد أن يطعم المساكين مما رزقه الله أو يحسد عماله وخدمه أن يأكلوا معه من رزق الله, فلا شك أن ذلك داخل في الطغيان في مجال الرزق, ومن ثم يستحق هذا الطغيان والتعالي أن يهوي إلى الأسفل في الدنيا قبل الآخرة؛ فإن الطغيان والظلم عقوبته معجلة، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [ القلم : 33 ] . روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها « أن رجلًا قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم : يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافًا لا لك ولا عليك, وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل. قال : فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف، أي يصيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما تقرأ كتاب الله ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [ الأنبياء : 47 ] فقال الرجل : يا رسول الله، ما أجد لي ولهؤلاء شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدكم أنهم أحرار كلهم » صححه الألباني في صحيح الترمذي 2531. والعقوبة إن كانت أكبر من الذنب فهو طغيان. فهل من مستعد لهذا الحساب الدقيق؟!