لا أدري هل بات بيت الشعر الذي يقول : ويقضى الأمر حين تغيب تيم *** ولا يستأمرون وهم شهود يجسد الصورة الراهنة لحضرموت حتى كأن قائله يقصدها ويعنيها بهذا الهجاء اللاذع المشين. هل عشت يوما معنا – يا جرير – حتى تفتحت قريحتك بهذا الهجاء؟ وهل أنت ممن ينح منحى: (( إياك أعني واسمعي يا جارة))؟ إن كنت تقصدنا فنحن بدأنا نسمع ونعي ونفهم, ولكن ليست المشكلة في السمع والوعي والفهم, مشكلتنا أكبر من ذلك, فنحن قوم فهّامة, وكنا قضاة مصر والحجاز وغيرها قرونا طويلة؛ قال فينا باكثير وهو من الدار وداخل: ولو ثقفت يوما (حضرميا) لجاءك آية في النابغينا, ليست المشكلة هنا يا جرير!! المشكلة أن باب دارنا مخلوع, ما يرد الهوام والدواب عنا, ربما أنت تعرف الباب العالي العثماني, أو علي بابا الشخصية الأسطورية, أو أي شيء له علاقة بالباب, ولكنك لم تسمع عن باب حضرموت الموقر, نعم أنت لم تسمع به؟ نحن بحمد الله – يا جرير – نملك سلطة تأتيها لحظات وفترات تثور و تنتشي مثل نشوة الصوفي عندما يغرق في وَجْده وسماعه حتى إذا فاق قال لنا كنت في مكة أصلي. لعلي أعطيك لمحة – يا جرير – عن سلطتنا المحلية, هي فارس حضرموت المغوار, الذين يذودون عنها ليل نهار, من كل المصائب والشرار ( العسكر – الكهرباء – الغلاء – البطالة …وأخيرا: مخلوق اسمه صخر), فهل سمعت عنهم أو رأيت أو أحسست أو لمست أو ذقت؟ وهل تعلم أنهم بواسلٌ, إذا ناد المنادي بهم, هبوا زرافات ووحدانا ليرفعوا الضيم, هل تعلم: من حبهم لحضرموت فهم مغرمون بأكلة " الكراش" الحضرمية وهي أمعاء السمك تبلل بالتوابل حتى تغذوا ألذ من اللحم, فيحجزونها بآلاف الريالات. وعمر بن عبد العزيز حينما اشتهى الحلوى لم يجد ثمنها وهو أمير المؤمنين. هل تعلم – يا جرير – أنها غضبت اليوم غضبا لم تغضبه من قبل, وهددت صنعاء, نعم – يا جرير – هددت صنعاء, ثم استوقفتهم مسألة توقيف المحافظ المتوقعة من صنعاء, لكن المهم أنهم غضبوا أخيرا – يا جرير – وهذا يُعد من أعظم الانجازات والمكاسب وصدق من قال: يا حضرموت افرحي سلطتنا غضبت على صنعاء. غضبت بعد سنين من جرجرتنا خلف حرامية النظام السابق وقد أباحوا لهم أرضنا وأموالنا ونفطنا ولزموا صمت القبور على كل عمليات النهب المنظم وغير المنظم, حتى يظل الواحد منهم محفش على بيضته, اليوم ثاروا وزمجروا وهددوا وأرجوا وأتمنى وآمل أن يكون صادقين. لقد رأيتهم – يا جرير – يتكلمون ويصيحون, رأيت صورة عمرو وهو منفعل مكفهر الجبين, ورأيت زيد رافعا يده كأنما هي سيف بتار, ورأيت عبيد يتطاير الشرر من عينيه, نعم – يا جرير – قرأت البيان – الإنذار- الذي مضمونه : صنعاء لا نجونا إن نجوت, وهم – يا جرير – مستعدون أن يضحوا بمناصبهم وعقاراتهم وحتى كراش الظهيرة, من اجل حضرموت , نعم – يا جرير – . كانوا في صالة مغلقة ومن شدة الانفعال انقطعت الكهرباء. حدثت نفسي – يا جرير – وقلت من هو ذاك الأفاك الكذاب مدعي الحقوقية والمساواة والعدالة أيام الثورة على الجزيرة وسهيل والعربية, أعني به صخر وله من اسمه نصيب, من هو حتى يقف أمام الباب الحضرمي العالي, متحديا معاندا, إننا – يا جرير – نملك سلطة مثل ما تملك مأرب سلطة, وتستطيع سلطتنا أن تنتزع حق حضرموت مثل ما فعلت سلطة مأرب. لعلك تغبطني – يا جرير – على ما أنا فيه من نعم وخيرات وملذات, وكل ذلك بعد الله بحسن تدبير سلطتنا الموقرة, فكل شيء يهون بعد سلطتنا, ونحن مستعدون – يا جرير – أن نصبر ويصبر أولادنا وأولادهم وأولاد أولادهم حتى عاشر صفة, نصبر على حر الليالي ولسع البعوض بانقطاع الكهرباء – وإن كانوا يملكون مولدات جاثمة تحت بيوتهم- ترفع صوتها عاليا في ليل بهيم أليل, لتخبر الفقراء والمساكين أن قادة سلطتهم يسهرون على راحتهم ويشعرون بمعاناتهم, وعمر بن عبد العزيز كان يشعل سراجه الممنوح له من الدولة في أعمال الأمة فإذا أراد أن يشتغل بعمله الخاص, أطفأه وأشعل سراجه الخاص. نعم مستعدون – يا جرير- أن ننسى شيء اسمه كهرباء لأن نور سلطتنا قد عم كل دروب وبيوت حضرموت. نحن نعذرهم – يا جرير – أن اليابان استطاعت أن تعيد بلادها في ظرف شهور بعد كارثة الطوفان, وسلطتنا لازالت تتوسل لصنعاء لبناء ما دمرته سيول 2008. هم معذورون, لا طاقة لهم اليوم بصنعاء وعسكرها, لأنهم شاخوا على الركوع والسجود لصنعاء, فليس لهم من الأمر شيئا, إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا. بقيت لدي مسألة تخوفني كثيرا – يا جرير – وهي: يقولون عندنا في حضرموت ما ينقلب إلا الحمار الزين – يا جرير – . ضحك جرير وهز رأسه ولّى مدبرا بعد أن رمقني بعينين ساخرتين وابتسامة باردة وقال: ليهنك ما أنت فيه أبا جعفر. وبدأ يردد : إذا غبتُ لم أُحضر وإن جئت لم أُسل * * فسيان مني مشهد ومغيب فأصبحت تيميا وما كنت قبلها *** لتيم ولكن الشبيه نسيب