للبحر والإنسان في ساحل حضرموت علاقة حب وهيام لاتنتهي ، وفي لجج البحر وظلمة أعماقه قصص من الإبحار في المغامرات والتحدي أبطالها ربابنة كثيرون انطلقوا من سواحل المكل والشحر والحامي والديس الشرقية ، كانوا قادة لدفة السفن والعباري التي أوصولها برصانة إلى مرافئ آمنة في الهند والعراق وأندونيسيا وعمان . فارسنا ورباننا النوخذة عبدالكريم بن سالم الكسادي الذي أخذ هذه المهنة عن أجداده وبرز اسمه بين ربابنة البحار وعمره 13 سنة تحدث لموقع هنا حضرموت في لحظات الفرح والوفاء التي عاشها في الحفل التكريمي الذي نظمته مؤسسة الصندوق الخيري للطلاب المتفوقين لرواد المجتمع بمركز بلفقيه بالمكلا وفيه نال رباننا الكبير جانباً من التصفيق واهتمام الكاميرات التي رصدت تلك اللحظات التي لن تنسى لتظل في ذاكرة الأجيال القادمة متى ماسألت من هو الربان عبدالكريم الكسادي؟ سألناه أولا عن معاني هذا التكريم بالنسبة له ولمهنته الجليلة فقال : شعرت بالسعادة الغامرة عندما أخبرني أبنائي أنه تم اختياري كأحد رواد المجتمع في حضرموت وانه سيتم تكريمي في حفل كبير وفاء لما قدمته ، وبصراحة أعجز عن شكر من نظموا هذا الحفل الجميل الذي أعطى من يستحق التقدير والاحترام والوفاء في وقت فقدنا فيه الوفاء لكل الأخيار. نبذة مختصرة أنا من مواليد مدينة الديس الشرقية سنة 1356ه 1932م كان والدي يعمل في مهنة النوخذة في السفن الشراعية وكذا العديد من آل الكسادي بالديس الشرقية فأخذت المهنة كابرا عن كابر. متى كانت أول رحلة للربان الكسادي وإلى أين كانت وجهتها.؟ أول رحلة لي كانت وعمري 13 سنة رافقت فيها خالي النوخذة محمد بن عمر الكسادي اتجهت إلى ميناء البصرة في العراق كنا على متن سفينة الهاشمي تعلمت فيها فنون البحر والقياس وعلوم الملاحة من النوخذة القدير محمد عمر بايزيد إذ كان خبيرا في هذه الأمور حتى شهد لي الجميع بالذكاء وسرعة الفهم وبدأت حينها أشق طريقي في أسفار بحرية إلى عمان والهند ، ومن القصص التي حدثت لي قصة تعجب خالي الربان محمد الكسادي عندما طلب استئجار ربان يقود له سفينته الشراعية عندما وصل ميناء "كاليكوت بالهند" أشاروا عليه بالربان عبدالكريم الكسادي فقال لهم هو ولد صغير فردوا عليه بأنه من أفضل الربابنة الآن. ماهي أبرز البلدان التي زارها الربان الكسادي ؟ خلال مسيرتي في مهنة الربان زرت دولاً كثيرة منها الهند والبصرة في العراق وعمانوالكويت ، كنا ننقل الأخشاب والمواد الغذائية والتمور ومستلزمات أخرى بين موانئ تلك الدول بسفن لاتحظى بالكثير من التقنيات التي نجدها اليوم كنا نعتمد على الحسابات الفلكية والمقاييس لنخوض غمار البحر ونقاسي اهواله. هل من مواقف تعرضتم فيها لشدائد خلال رحلاتكم بين البحار والمحيطات؟ هناك مواقف كثيرة يتعرض فيها الربان لشدة في قيادة السفينة إلى بر الأمان ومن ذلك ماتعرضنا له في إحدى الرحلات بعد أن تحركنا من ميناء كاليكوت في الهند ومررنا بميناء كراتشي في باكستان في السفينة " الميمون" وواجهنا جزر الديبة المغمورة تحت سطح البحر حيث تمر السفن من بينها وهي مكان خطير يتخوف منه الربابنة ، ولما وصلت ذلك المكان وكنت ربان السفينة استطعت بما آتاني الله من مهارة في القيادة لتجاوز ذلك الموقف وذلك المكان الخطير الذي هلكت فيه العديد من السفن وصار مقبرة لعشرات الملاحين ، لكن الموقف الصعب لم ينته عند ذلك فبعد خروجنا من جزر الديبة واجهتنا رياح الشمال المعروفة عند الملاحين ب"العيوقي" وتلاعبت بالسفينة وجرفتها في اتجاهات مختلفة حتى بدت أمواج البحر كالجبال وحينها تسامح الكل من بعضهم حيث كان الموقف صعب للغاية ولم يشعر الجميع أنهم سينجون منه ، ولهجت ألسنة البحارة بالتوسل إلى الله والدعاء حتى فرج الله عنهم. الاستقرار بالكويت عام 1967م كان يوما فاصلا في حياتي بعد أن قررت الاستقرار من اسفار البحر وأهواله فرضعت قدماي في دولة الكويت التي أكن لها ولشعبها الطيب كل الحب والاحترام تم قبولي في المؤسسة العامة للموانئ الكويتية في إدارة العمليات البحرية بميناء الشعيبة النفطي عملت فيه برتبة نوخذة من الدرجة الأولى حتى وصلت إلى المعاش ، ثم عدت إلى مسقط رأسي مدينة الديس الشرقية بعد الغزو العراقي على الكويت. هل من كلمة شكر في الختام وإلى من توجهها؟ أشكر كل من تذكر الربان عبدالكريم الكسادي بعد هذا العمر من العمل الشاق في مواجهة أخطار البحار ، الشكر لآل باحمدان وآل بن محفوظ وآل بقشان ومؤسسة الصندوق الخيري للطلاب المتفوقين على هذا التكريم الذي سأحتفظ بذكراه ماحييت.