يقول الكاتب والمفكر والفيلسوف الإنجليزي (برتراند راسل) في كتابه "السلطة والفرد" عن دور الحكومة في المجتمع : " إن الأغراض الرئيسية للحكومة، كما أرى، يجب أن تكون ثلاثة : الأمن، والعدالة، والصيانة. وهذه الأمور هي ذات أهمية قصوى للسعادة البشرية، وهي أمور تستطيع الحكومة وحدها أن تحققها. وفي الوقت نفسه فإن أياً منها ليست مطلقة، فكل منها لا بد، في بعض الظروف، من التضحية بها إلى حد ما، من أجل مقدار من الخير أعظم من التضحية". انتهى كلام الكاتب الفيلسوف، وما يهمنا في مقامنا هذا، الحديث عن أغراض الحكومة الرئيسية التي تحدث عنها الكاتب، وسنتكلم عن أغراض الحكومة الثلاثة بشيء من التفصيل قبل أن ندخل في صلب موضوع المقال. ويقصد الفيلسوف بالأمن توفير الحماية لمواطني تلك الدولة بكل أشكال الحماية ومسمياتها مثل حماية الأملاك والأعراض والدماء، وكذا تأمينهم وحمايتهم من العدوان الخارجي، ويقصد بالعدالة إرساء مبدأ المساواة بين جميع فئات الشعب فلا تمايز عرقي أو قبلي أو طائفي أو حزبي أو غيره من أنواع التمييز، فالكل سواسية أمام القانون وكذا المساواة في توزيع الخيرات والثروات وحقهم في الحصول على التعليم الجيد، وغيرها من الحقوق. ويقصد بالصيانة صيانة مقدرات الدولة ومؤسساتها و الحفاظ على الثروات الطبيعية والبشرية والحفاظ على المكاسب المحققة لسعادة هذه الشعوب. وإذ كان الفرد غير قادر على تحقيق هذه الأغراض منفرداً فإنه فوَّض جماعة أو تنظيماً له قدرة إدارة هذه الأغراض وتحقيقها ألا وهي الحكومة، فالعلاقة بين الحكومة والفرد هي علاقة تفويض من الشعب للحكومة بإدارة مصالحه وحماية أرضه وممتلكاته ومنجزاته وكذا صيانة ورعاية ثرواته الطبيعية. وإذاً، فالواجب على الحكومة أو السلطة أن تسعى لتحقيق واجباتها المنوطة بها، حتى تستمد شرعية بقائها كحكومة تخدم مصالح رعاياها، وإلا فعليها التخلي عن هذه السلطة وإفساح المجال لحكومة أخرى تكون قادرة على إدارة شئون البلاد والمجتمع بأفضل السبل وأنجع الوسائل كونها فشلت في تحقيق ما أنيط بها من مهام لتنفيذها. وعادة ما تقاس كفاءة أي سلطة في المجتمعات المدنية بمدى إنجازها وتحقيقها للمهام المناطة بها، وبمدى تجاوبها وتخطيها للأحداث والظروف المستجدة خلال فترة عمل هذه السلطة. وينطبق هذا الأمر على كل مستويات السلطة سواء التشريعية أو التنفيذية، وكذا على المستويات الإدارية بشكل عام بدأ من أدنى درجات السلم الوظيفي مرورا برؤساء الأقسام وصعودا بمدراء العموم وهلم جرا في الهرم الوظيفي حتى نصل إلى رأس الهرم متمثلا برئيس الدولة أو من يمثله في الأقاليم والمحافظات. وهذا الأمر شائع في المجتمع المدني الذي يتمتع بوعي ديمقراطي ويمارس هذا الوعي في تعاملاته اليومية ويكون هذا المجتمع ملما بحقوقه وواجباته تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه. والدين الإسلامي أثار هذه القضايا وحث على الإعتناء بها ورعايتها وفيه ما يغنينا عن اللجوء الى النماذج الديمقراطية الغربية ومحاولة تطبيقها في مجتمعنا. فيجب على مجتمعنا أن يعي ويدرك أن من في السلطة ليسوا إلا وكلاء عنه وأنه هو من فوَّضهم للقيام بمهامهم فإن أحسنوا استخدام سلطاتهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعهم جدد لهم هذا التفويض بالاستمرارية في السلطة وإن أساوء استخدام هذه السلطات أو فشلوا في أن يخدموا هذا المجتمع سحب ثقته منهم وعزلهم وفوَّض غيرهم ممن يرى فيه الخير والصلاح والكفاءة. ولدينا في حكومتنا وسلطتنا المحلية من نُحسنُ الظن فيهم وفي كفاءتهم من أبناء المحافظة وشبابها ويجب عليهم أن يكونوا عند حُسن ظن الناس بهم، وأن يقوموا بما يخدم الناس الذين أعطوهم ثقتهم وفوَّضوا إليهم أمرهم، فإن تعذر عليهم القيام بذلك لزم منهم التخلي عن هذه السلطات وإتاحة الفرصة لغيرهم حتى يستطيعوا القيام بخدمة هذا المجتمع. وإلا فإن الناس قد يضطروا إلى نبذهم والتنصل منهم ونكران أعمالهم والحطِّ من قدرهم في مجتمعهم. ف(هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ابراهيم الآية 52.