لا أدري شيئًا عن ذلك الاتحاد السياسي العلمائي الذي تمت محاولة إشهاره في أحد بيوت الرحمن ، فتحول من إشهار إلى تشهير بمن تبناه وحاول عقده ، فوقع في سلسلة أخطاء ذهبت بوقار القائمين عليه وبحرمة المسجد لسبب سوء التقدير والإفراط في حسن النيات إلى درجة من السذاجة المعممة . لقد أصبحت عندي عقدة من ربط الدين ورجاله أو علمائه بالسياسة ، لا بوصفها وسيلة للحكم بل بوصفها لعبة قذرة تختلط فيها كل الأوراق حيث لا وجود لحلال أو حرام ، وتحل الإباحة محل جميع الأحكام الخمسة ، ويصبح المواطن البسيط حيران تدور عيناه بين بياض العمامة وسواد السياسة . ولم يكتف معممونا الموقرون بالتضحية بوقارهم بولوج لعبة السياسة القذرة التي لا يطهرها الماء بكافة أنواعه الفقهية من مطلق ومستعمل وما خالطه طاهر ، فأبوا إلا أن يحشروا معهم المسجد ، بما يشبه الاغترار بالرأي وتقديسه حيث لا تقديس ولا مقدس في السياسة فرأوا أن يتم الإشهار في بيت الله كأنهم على ثقة بقداسة رؤيتهم السياسية التي يجب أن تعمد في باحة المسجد . إن من حق كل مواطن المشاركة في الحياة السياسية بالرأي والعمل لكن بعيدًا عن العمامة والسبحة والمسواك ، وبعيدًا عن بيوت الله والمؤسسات الدينية ، حفاظًا على وقار العمامة وروحانية السبحة وطهارة المسواك ، وهروبًا من تقديس الرجال والآراء في مجال هو أقرب للتدنيس لا التقديس . نعم إن المجتمع بحاجة ماسة لمعرفة رؤية مستمدة من دينه لأوضاعه العامة التي يعايشها ويعانيها في مختلف نواحي حياته ، والمجتهدون من علماء الدين هم مصدر تلك الرؤية لاطلاعهم العميق والمتخصص على مصادرها ، لكن على أن يأتي ذلك في صورة تليق بالعالم الرباني من التوجيه والفتوى والمشاركة بالرأي والإيحاء بما ينبغي فعله أو اتخاذه ، دون مباشرة للعمل السياسي نفسه لا بذواتهم ولا بمؤسساتهم ، ذلك لأن طريق السياسة المعاصرة محفوف بالشهوات وبالمكاره معًا ولا تشفع للعمل السياسي مقولة إنما الأعمال بالنيات . إننا ما زلنا نبكي على رموز دينية من العلماء والدعاة كانوا مظهرًا من مظاهر العلم والفقه والقدوة والإجلال ثم أصبحوا بين ليلة وضحاها لقمة تلوكها ألسنة (اللي يسوى واللي ما يسوى) بعد أن ولجوا بأرجلهم إلى أوكار السياسيين ، وغاصوا إلى آذانهم في وحل السياسة الذي لطخ بياض دثارهم وغطى على كل مآثرهم ومحا آثارهم . أليس السعيد من وعظ بغيره ؟ دعاء : اللهم اهد علماءنا هداية تنفعهم ، وعن السياسة ترفعهم ، ومن مجازفة أخرى تمنعهم