غالبا ما تستهوي الشباب الأضواء والشهرة والظهور, ويفقدهم هذا اللمعان وبريقه الحس والتوازن لديهم, مما يجعلهم برجماتيين أكثر من اللازم, ويخوضون ماراتون الغاية بأي وسيلة تتاح أمامهم بغض النظر عن مدى شرعيتها وجوازها. ويعد الإعلام من بين جميع التخصصات حصان الشهرة والنجومية السريعة, لما يمتلكه من سلطة ونفوذ وتمدد وانتشار, مما جعله قبلة الشباب في عصرنا الحالي, وبوابة العبور لهذا العالم المليء بالمزالق والمتاهات, فلا غرابة بعد هذا أن يصاب الشباب هذه الأيام بحمى ( الإعلامي) التي يحرصون أكثر من أي شيء على أن تتصدر أسماءهم على صفحاتهم ومقالاتهم. لا يعني هذا أنني ضد الإعلام ككل أو أنه شر محض لا خير فيه, أو أنني من راغبي وأْد الشباب ودفن طوحهم وكبح جماحهم, أو أدعو للجمود والركود وإهمال الإبداع والتفوق في الحياة, فهي سنة ماضية سواء رضيت أم أبيت, بل أؤكد على غرس روح الإبداع والنجاح وحب التفوق لدى الشباب لحاجة حضرموت لهؤلاء الشباب وإبداعهم وتألقهم. غير أن مما يبعث على الأسى, ويحز في قلب كل مسلم غيور على جناب التوحيد وحراسة العقيدة أولا, وعلى هذه الطلائع الطرية الندية ثانيا, أن يظن شبابنا –هداهم الله- أن بلوغ مراتب التطور وامتلاك ناصية النجاح لا تتم إلا عبر بوابة التحرر من العقيدة والشريعة, فتراهم يسلكون سبلا معوجة ويعتنقون أفكارا من نتاج الفكر الغربي, تتصادم تماما مع عقيدتهم الغراء, وشريعتهم السمحة, وتُمرر عليهم الشبه التي تزيد من حيرتهم وبعدهم عن حياض دينهم. لقد استطاع الإعلام الليبرالي بكل هيئاته وأدواته ورموزه أن يصور لشبابنا أن التدين يعيق التطور والتحصيل العلمي الجيد, وأن بلوغ قمة التطور تبدأ بالتحرر أولا من الإسلام كشريعة مهيمنة على الحياة. وفعلا انساق بعض شبابنا خلف هذا الماخور الإعلامي, وأخذوا يرددون في لحظة غياب وعي كل هذه الأراجيف والأباطيل, وأصبحوا يفخرون ويفاخرون بأن هذا الشاب يساري وآخر علماني وثالث ليبرالي وناصري وهكذا, بل إنك لتعجب من حرص بعض شبابنا ووقوفهم في طوابير محطات الانتظار لبعض المذاهب الفكرية التي تشهد تراجعا وانحسارا في عقر دارها وقد هجرها أهلها ونبذها أصحابها, بينما تجد من شبابنا من يقف في الطابور منتظرا وصوله لشباك التذاكر. إن الزعزعة الإيمانية التي تحيط بشبابنا اليوم, والتيه الفكري الذي يعصف بهم, والسقوط المدوي أمام بريق الإعلام وشهرته, كل هذا بمثابة قنابل شديدة الانفجار وضعت تحت عرش المسلمات لتنسفها. إنها معركة ميدانها هذا الشباب المنفتح على الحياة, الهدف منها أن يظل تائها بين مسلمات عقيدته وبين الفكر الوافد عليه وعلى مجتمعة, لأن الحيرة هي بداية الدخول لعالم الطمس والمسخ. إن الانسياق خلف الرغبة الجامحة في الظهور بدون تعقل وتروٍ وبدون مكابح تحد من سرعة الانطلاق تعود بنتائج عكسية ليس عليهم فحسب بل على المجتمع عامة. لاشك أن خلف كل هذا أسباب أوصلت الحال لما هو عليه, ويأتي على رأسها الإعلام نفسه وإبرازه لهذه المذاهب ودعاتها وإضفاء الحسن والجمال لها وإلباسها لباس التقدم والتطور, وأنها المخرج الآمن للبشرية من قيود الماضي وتحجره. ويأتي بعد الإعلام الابتعاث الخارجي, وللأسف الشديد أن شبابنا يمتطون صهوة الابتعاث وهم في حالة فقر علمي, لا يملكون الأهلية العلمية للتصدي للشبهات التي تنهال عليهم من كل مكان, فيقعون فريسة سهلة لهم. لذا وجب على الشاب المبعث أن يكون على قدر وعلم ودراية بشبهات القوم ومعرفة ردها وتفنيدها, ولاشك أن هذا من الجهاد في سبيل الله تعالى, ومن فضل الله أن الشبكة العنكبوتية تمتلئ بالمواقع والمنتديات التي تصدت لشبهاتهم وفندتها, بما لا يترك أي عذر لكل من وقع فريسة لهم. لست في مقام الرد على الأباطيل والدعاوى التي يقذفها الرعاة بين يدي شبابنا, ولكني أحيل على بعض الكتب التي تصدت للرد على شبهات المناوئين من العلمانيين والليبراليين واليساريين وغيرهم : 1- (شبهات حول الإسلام) و(مذاهب فكرية معاصرة) وكلاهما لمحمد قطب 2- ( حوار مع صديقي الملحد) و ( رحلتي من الشك إلى الإيمان) و (أكذوبة اليسار الإسلامي) وكلها للدكتور مصطفى محمود. 3- (قصة الإيمان) لنديم الجسر. 4- (الفيزياء ووجود الله) لجعفر شيخ إدريس. 5-(دفاع عن السنة) للعلامة الدكتور محمد أبو شهبة. 6-(السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) للدكتور مصطفى السباعي. 7- (الإسلام والسياسة الرد على شبهات العلمانيين)(التفسير الماركسي للإسلام) و(سقوط الغلو العلماني) وكلها لمحمد عمارة. 8-(الإسلام والمناهج الاشتراكية) محمد الغزالي. 9- شبكة ضد الإلحاد (موقع إلكتروني على الشبكة). 10- (موسوعة بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات) لنخبة من كبار العلماء قام عليها أكثر من ( 200 ) عالم وباحث في تخصصات مختلفة قامت بالرد على قرابة ( 1200 ) شبهة. 11- (الإسلام والعلمانية وجها لوجه) و (فصل الدِّين عن السياسة) للشيخ يوسف القرضاوي. ومضة: روى البخاري في "صحيحه" بسنده إلى حُذَيفَة بن اليمان – رضِي الله عنه – أنَّه قال: كان الناس يسألون رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دَخَنٌ))، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: ((قومٌ يَهدُون بغير هَديِي، تعرِف منهم وتُنكِر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: ((هم من جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنت على ذلك)).