طوال العشرة الأشهر الماضية من عمر الإنتفاضة لم تكن الثورة محل قناعتي ببراءة ساحة من ساحاتها باستثناء تعز . ساحة تعز كانت في نظري – ولا زالت - الوحيدة من براثن الحزبية وإن كانت موجودة لكنها بنسبة أقل من مثيلاتها , ثوار تعز الوحيدون الذين يغلب عليهم الوعي والإنفتاح ورفض الأدلجة والوصاية . تعز ... الفريدة في حمل مشعل الثورة النقي الخالي من عبثية الأحزاب وهيمنة القوى القبلية والمتطرفة على قرارها وسيادتها الحرة . تعز ... الأنموذج المتميز بين ساحات الثورة على مختلف مساحات الوطن الشاسعة , وثوارها المتوحدون بحمل رايات الثورة وتقديم التضحيات الجسام في سبيلها دون منٍّ . من يُشبه تعز ؟ من يُماثل ثوارها ؟ أؤكد جازماً أن لا نظير لهذه الثورة ولا مثيل لثوارها , ومن أجل ذلك وفي سبيله ولأنها كذلك ها هي تدفع الثمن دون أن يشعر بها أحد من معادلات الصراع السياسي في البلد , ودون أن تحظى بقنوت يماثل قنوت البكاء على دماج . أأنوح على تعز وأبكيها ؟ أم أقف قليلاً مع حجم مأساويتها ؟ أم ألقي نظرة متأملة في دواعي وملابسات معاناتها ؟ وقفت ملياً أجول بفكري وخاطري , أفكِّر وأتأمل وأتساءل : لماذا تعز دون غيرها من المدن من تدفع الثمن بهذا الشكل والحجم والمأساوية ؟ لقد أدركت جيداً أن ما تتمتع به ثورة تعز يتمثل في : · تحييد الحزبية والقبلية والمذهبية . · المطالبة بمشروع الدولة المدنية النقية الطاهرة . · رفض المُنْظَّمِّين والمُنضوين للثورة من رموز وأركان النظام والمطالبة برحيل الجميع ومحاكمتهم . · ربط العلاقات السويَّة مع كافة أطياف العمل السياسي وإتاحة الفرصة للجميع دون إقصاء أو تهميش أو تمييز بما فيهم الحوثيين . · رفض المبادرة الخليجية . هذه الأمور جعلت ثورة تعز فريدة ومتميزة وفي المقابل جعلها هذا التميز في مرمى استهداف النظام والمعارضة والقوى المتطرفة والقبلية والهاربين , وبالتالي فالخطر على الكل قادم من هذه الثورة وبالتالي لا بُدَّ من كسر شوكتها وإرغام أنفها للنزول والتسليم بالتسويات . إن ثورة تعز وثوارها يدفعون ثمن موقفهم المتصلب في نقاوة الثورة وبراءتها وما علينا سوى القول : نعتذر عن تخاذلنا في عدم نصرتكم , وفي الوقوف موقف المتفرج لكنَّ المجد لكم والخلود لشهدائكم , سلمت أياديكم وأنَّى يضر الشاة سلخها بعد ذبحها ؟