ما تزال تعز هي تعز، أم الثورات اليمنية وحاضنتها ومهدها وإكسير حياتها وسر نجاحها، وما دامت تعز تسير في نهج التغيير فإن جدلية نجاح الثورة قد حسم لصالح النجاح. منذ بدء الحراك الثوري ورهاني يذهب إلى أن نجاح الثورة في اليمن رهن بنجاحها في تعز أولا، جغرافية المكان، الوعي السائد والمتقدم لأبناء هذه المحافظة والمدينة، ومدنية أبنائها، وغياب القبلية والعصبية، وزخم التوجه الوطني البارز في ذهنية سكانها، كل هذه تدفع باتجاه الرهان المتفائل. لا يغيب عن ذهن كل يمني سواء كان جنوبيا أو شماليا، أن تعز الولادة للعباقرة مدت كلا الشطرين قبل وبعد ثورتي 26سبتمبر و14أكتوبر بالرجال ثوارا وقادة، وكان حضورهم لافتا في صلب الكيانات الحزبية الثورية أو السياسية الشطرية لدولتي ما قبل الوحدة، حتى قيام دولة الوحدة اليمنية العظيمة، لم تبخل أن تجود بدماء رجالاتها في سبيل خلاص الوطن من ربقة الاحتلال الغاشم للجنوب، واستبداد الأئمة الظالم للشمال، فضم التراب الوطني في ثناياه خيرة رجالها الخلص الذين ضحوا وقضوا لأجل عزة ووحدة الوطن الكبير، وبقت عطاءاتهم العظيمة في سبيل الحرية والخلاص من الظلم والجبروت حية، تتلا سنها الأجيال، ويدونها التاريخ بأبهى حروفه العابقة ، ولم يغب فضلهم في أتون الذاكرة الوطنية الخصبة، بقى نابضا بالحياة، والحيوية، والفاعلية، مضى الجميع في التباين، وبقى أيوب شاديا بترانيم الفضول يوحد المختلف ويؤلف الصف ويعيد اللحمة من تعز. ملهمة الثورة الرائعة، تشدو اليوم بأغنية الرحيل، تعج حناجرها بلحن الخلاص، تصبوا لحياة أجمل، في نهارات ما بعد الأفول الكبير لأساطين النظام، المرسومة بأبهى صور الحب والحرية، والعدل والإخاء والتسامح والمدنية، الحالمة تسبق الجميع بأحلام الرفاء، ولأنها كذلك فقد قست عليها يدر الغدر ومازالت تقسو، كانت نهارات أول أيام إبريل وحشية، خضبتها القلوب الآثمة بالنقاء الطاهر للدماء الزكية لشباب تمنطق أحلام الربيع، 17 روحا ودعت الأرض إلى السماء، نفضت عن نفسها الهوان وتعالت ارتقاء إلى الفردوس، تعز لم تحزن فقد اعتادت أن تسبق الفداء والتضحية في الميادين ولا غرو، زغردت طربا عند لحظات الوداع الأخير لفلذاتها. أعراسها لم تنقطع منذ وطئت أقدام الحرية ساحة الحرية، صوتها الهادر يخنق الجبابرة، يؤذن برحيلهم المبكر، قدمت تعز وفي قلبي حنين، وأنا في قلبها لم أتمكن من الإشباع بعد، كان لي رغبة في أن أصول في أحناء ساحتها، فإذا هي تصول في أحنائي، تجتث بقايا الخيبات، تغرس باقات الأمل، في الساحة لا شيء جديد سوى أنها في تعز ويكفيها، كبقية الساحات مرايا يعكس بعضها بعضا، أنت تعيش في قلب مدينة تتمترس بالحيوية والنشاط والحركة والسلام، خيام وسكان وباعة، وأنشطة وبرامج ثورية، وزخم بلا مثيل، ربما رؤيتي تذهب في تميزها لخيمتها، خيمة المبدعين، كمعرض لإبراز فنون الألق الثوري في الرسم التعبيري والخطوط وكصالة تلقي فيها التعاليم لمختلفة ( ثقافة – نظافة – تنمية بشرية -.. الخ ) وهي تؤسس لمستقبل ما بعد الرحيل كمتحف أو صالة مرجعية، هي تستحق أن يكتب عنها بإسهاب كتعريف تفصيلي أو استطلاع أولي لفاعليتها، وكان ذلك مشروعي في ساحة الحرية، كونها أجمل ما يميزها، لكني عدلت عن ذلك لسبب ما. نوع من العرفان أن أسجل لبعض شخوص الخيمة الذين تختزن الذاكرة الشيء الكثير من بقايا ذكرياتهم المليئة بالألق، فما زالوا كما تركتهم - منذ عقد - تضحية وعطاء، عبده مرشد رجل القيم والخير والمواقف النبيلة وصاحب المعروف على الدوام، مازال الفاعل الاجتماعي، والكائن الحاضر في قلب المقدمة، هاهو يساهم في صناعة المجد بحضوره المشرف في الخيمة، وبأفكاره النيرة، وأطروحاته القيمة وخبرته. دكتورة الفت الدبعي، مثال المرأة المثابرة في الحياة، القادرة على العطاء، مازالت هي الثائرة، كما أعرفها منذ دراساتنا الجامعية، صاحبة شخصية قائدة، ها هي تقود المنافحة في زمن الثورة، دورات توعوية في الخيمة، وبرنامج يومي رائع تقدمه من على منصة الساحة يناقش هموم الثورة اليومية وأحلامها وتطلعاتها. العرفان موصول للمناضل الرائع في خيمة المبدعين إنه الرسام المبدع محمد صالح الشرعي الذي ائتلقت رسوماته الثورية التعبيرية الجميلة، وحظيت بإعجاب الجميع، يلخص مفهومه للمنتدى بأنه متنفسا آخر لآمال وآلام المبدعين، من الأحرار الرافضين لسياسات القهر والقمع والإذلال والتنكيل، من خلال أعمالا فنية رائعة ومبتكرة استخدمت فيها العديد من المعالجات الفنية بالوسائل الالكترونية أو التقليدية، تحمل في مضامينها رؤى متعددة وتصورات مختلفة تجسد شبح الماضي المخيف وتستشرف المستقبل، الإبداع الحر ينفض عن كاهله غبار الذل ليصنع ثورته بوهج اللون.