كنت اتمنى ان تستهل المبادرة الخليجية بدعوة اطراف الصراع السياسي في بلادنا قبيل التوقيع عليها وعلى آليتها التنفيذية المزمنة الى توقفهم الفوري عن بث ونشر الحملات الاعلامية المتبادلة في مختلف وسائل الاتصال الجماهيرية \"الرسمية منها والخاصة\" بما فيها الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الناطقه بلسان حال تلك الاطراف بالاضافة الى الاصدارات المناصرة لهذا الطرف او ذاك والمدعومة مادياً ومعنوياً ولوجيستياً من قبلها أو أي منها كمدخل لتنفيذ بنود المبادرة، من منطلق ان التوقيف الالزامي لاستمرار تلك الحملات كان سيسهم ويساعد على تنفيذ بنود المبادرة وبخاصة ايقاف التوترات وتحقيق الامن والاستقرار واستتباب السلام الاجتماعي وبالزمن المحدد لتنفيذ كل بند ، الا ان المبادرة لم تتضمن تلك الدعوة ، وبالتالي تصاعدت تلك الحملات التي تنوعت وتوزعت بين \"التحريضات، ونشر الاشاعات ، وتبادل الاتهامات والاستقطابات، والتوسيع من رقعة الانقسامات ونشر ثقافة الكراهية وتعريض التماسك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية داخل الاسر والجماعات الى اهتزاز غير مسبوق، بل ان طروحات وخطب بعض تلك الاطراف المتشددة تجاوزت آداب الخطاب، وواكب ذلك تكاثر الصحف والقنوات والمنابر ومسميات\"الجمع\" وخلو العديد من المساجد من المصليين واحلال الساحات الى \"بدائل مسيسة عنها\" الامر الذي أدى الى \"توتير\" التوترات وشيوع \"الانفلات الامني\" وشعور العامة بعدم الاستقرار وانعدام ونقص الخدمات الاولية والاساسية في اوساط غالبية افراد وشرائح المجتمع جراء التقطعات واختطاف ناقلات النفط والغاز واستهداف ابراج وكابلات الكهرباء وتفجير انابيب النفط والغاز وقيام البعض باستثمار الازمة او الاحتجاجات الممنهجة لتحقيق الثراء غير المشروع وتفتيت العلائق بين المكونات المرابطة في الساحات، وتحول الوقفات الاحتجاجية والمسيرات والاضرابات الى ظاهرة أثرت بالسالب على اداء العاملين والعاملات لواجباتهم في كثير من المرافق الخدمية التي كانت بعضها او معظمها قد تعرضت \"للتغيير المعاكس\" . ولحداثة التجربة الديمقراطية الناشئة في بلادنا ، الا ان الوعي بها \" نطرياً وعملياًُ\" افرز احزاباً وتنظيمات سياسية \"وسطية ومنسوخة ومعتدلة\" ظلت خلال الفترة الفاصلة ما بين الانتخابات البرلمانية التي عقدت عقب قيام الوحدة بأعوام ثلاثة وبالتحديد في عام 1993م ، تراهن على الجماهير وارادتها العامة التي كانت قبل الوحدة مصدراً للجباية وعرضة للمصادرة والتأميم، كما افرزت بالمقابل احزابا وتنظيمات \"محافظة وراديكالية\" كانت قد تشربت ثقافة انماط الشمول ولم ترق الى مستوى القناعة بتلك التجربة، ليس من كونها تمثل أنموذجاً تحديثياً \"وافداً\" لا يستقيم من توجهاتها، وانما لأن قيادات تلك الاحزاب والتنظيمات السياسية كانت عبر مراحل حكمها وتحكمها الانفرادي والمغيب للارادة العامة قد فقدت قبول الجماهير بغالبيتها المطلقة وبالتالي ظلت تثير وتنتج الازمات وتحاول بكل الوسائل السوية \"نظرياُ\" والمسيئة في احايين اخرى ان تحصل على تنازلات مفصلة على مقاسات مصالحها من قبل الطرف الحائز على ثقة الجماهير وقبولها له والتفافها حوله من كون ذلك الطرف تمكن من موقع مسؤليته من تحقيق العديد من التحولات والنقلات النوعية وخلال فترة زمنية قياسية كانت تلك الاحزاب والتنظيمات السياسية الممثلة بقياداتها التراثية المعتقة قد عجزت عن تحقيق الحد ما تحت الادنى من مثل تلك التحولات، وبعد ان عجزت هذه الاحزاب الاخيرة عن استعادة وزنها وثقلها خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية بدأت تحدد مواقفها من مجمل القضايا وفقاً لمعيار \"الشخصنة\" حيث اخذت تعزف على وتر الاختلالات والفساد والفقر والبطالة وتتجاوز كافة المعايير بما فيها عدم تقيدها بعدم نشر القضايا المحضور نشرها والواردة في قانون الصحافة والمطبوعات الذي كانت قد وافقت على مشروعيته تحت قبة البرلمان، بل وذهبت الى ما هو ابعد من ذلك حيث بادرت بإثارة حروب صعدة وتوسيع وهجومات القاعدة الارهابية وتحميل النظام مسؤلية عدم مبادرته بإصلاح مايسمى بمسار الوحدة كمفردة تؤزم الازمةوالضغط عليه بالاعتراف بما تسمى القضية الجنوبية وكما لوكانت تلك الاحزاب في \"دار اربعة\" وحليفة \"جورج قارنق\" وبالتالي ضاعفت من حدة \"التراكمات\" ومن موقع هروبها من الحوار المستهدف تشخيص وحلحلة تلك الاختلالات والازمات التي أنتجتها بهدف اسقاطها على النظام ومن مواقع عدائية وانتقامية لشخصيات قيادية بعينها كما تبدى ذلك من خلال استجرار طروحاتها للثقافة الماضوية المتخلفة ووقوعها اسيرة الحنين لإعادة انتاج العهود الغابرة والبائدة، وقد كانت العديد من المؤشرات تؤكد بأن الفاقدين لمصالحهم والمتغايرين في توجهاتهم يخططون او خططوا لوصولهم الى السلطة بطريقة \"تدميرية\" لا ديمقراطية عقب افتراضهم بأن قبولهم بالوصول الحضاري الى سدة الحكم عن طريق التداول السلمي للسلطة وافرازات نتائج صناديق الاقتراع لن يترتب عليه سوى تكرار هزائمهم المتلاحقة حتى جاءت او اندلعت ما يسمى بثورات الربيع العربي باحتجاجاتها المتزامنة لتقتنصها تلك الاحزاب المغيبة للمصالح الوطنية العليا كفرصة لتنفيذ تلك الخطط التي تجلت قبيل صدور المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية – وتحت شعارات منمقة- باستغلال الشباب المغلوب على امرهم- بعد نشل مشروعهم المطلبي والحقوقي بالاضافة الى قيام افراد المنشق علي محسن وجيش العصيمات الاحتياطي بتحطيم ونهب المرافق الحكومية ومساكن الامنين في الحصبة وصوفان وتشريدهم منها وحرمان الطلاب والطالبات من دراستهم، واضعين في اعتبارهم بأن مصلحتهم مغلبة على المصالح الوطنية العليا وكعادتهم استغلوا الدين الاسلامي – حسب قيادي اشتراكي- ضد خصومهم ابشع استغلال تماما كما استغلوا انشغال الدولة في مكافحة الارهاب بهدف اضعافها، وعندما تم التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ووقعت عليها قيادات الاحزاب ذات الثقل بالساحة بدأ الفرز \" وعرف شعبنا\" من مع الوطن ومن مع \"استيطانه بالثقافة الماضوية؟؟ مبادرة الانقاذ الخليجية التي تم التوقيع عليها في الرياض في نوفمبر من العام الماضي، وتحت رعاية دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الشقيقة وسفراء الاتحاد الاوروبي وسفير امريكا بالرياض والممثل الاممي جمال بن عمر، كان الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح قد بادر بإرساء مداميكها يوم ان كان رئيسا لكافة اليمنيين ومراهنا على الإرادة العامة للشعب في سياق التبادل السلمي للسلطة يأتلف مع من يختلف معهم في الرؤى والتوجيهات ويشترك –من موقع الثقة- شخصيات وقيادات من خارج حزبه في المشورة وسن وصناعة القرار وشغر المواقع التنفيذية مستبعدا من قاموسه السياسي القاعدة القائلة \"من ليس معنا فهو ضدنا\" ومعترضا بأن الذين كانت سياساتهم تتغاير مع سياسات حزبه سيستغلون المصالح الوطنية العليا على مصالحهم الشخصية ومصالح احزابهم وتنظيماتهم وواثقا بأن خصومه لم ولن يستثمروا تلك الثقة ليغدروا به ولم ولن يوظفوها لأي اختراق لغرض نخر النظام من داخله، ومن مواقع المشاركة لأداء واجباتهم، او من خارج من مواقع الانتقام واضعاف النظام كرد فعل على افتقادهم لمصالحهم التي فقدوها \"بقوة القانون\" كدمج المعاهد العلمية بالتعليم العام للحد من اختفاء المشروعية غير المشروعة على وجود ونمو ثقافة مزدوجة يتولد عن القبول باستمرارها تنشئة جيلين متباينين في مخرجات المناهج المتغايرة في وطن موحد. وبالتالي فإن المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية المزمنة التي تم التوقيع عليها في نوفمبر 2011م وبعد قرابة عشرة اشهر على اشعال فتيل الأزمة وبإسناد معنوي ومادي واعلامي من قبل القيادات السياسية التي وقعت على المبادرة الخليجية ، كانت قبيل التوقيع عليها عبارة عن بنوده مستمدة مضامينها في الغالب من طروحات وخطب ووعود الرئيس السابق وتمثل استجابة للمطالب الموضوعية لا التعجيزية لمطالب الضالعين بتفجير وتأجيج وتصعيد تلك الازمة او الاحتجاجات التي شعر يومها الرئيس السابق بان عدم الاكتراث بما الت عنها من آثار تدميرية سالبة وتحت عنوان \"الشخصنة\" سيترتب عليه افعال وردود افعال قد يسفر التعاطي معها تدمير لا تغيير التحولات المنجزة والنقلات النوعية التي طالت كافة المحافظات، وبزمن قياسي ، بل وستصبح الوحدة والثوابت الوطنية في خبر \"كان الناقصة\" ولذلك وللحيلولة دون افساح المجال للغوغاء والغوغائيين، من توسيع رقعة تلك الاحتجاجات الممنهجة التي واكبتها بعض الاختلالات للمرافق وتدمير العديد من المرافق المناظرة لها لم يكن امام الرئيس السابق إلا ان ينطلق من خندق تغليب المصالح الوطنية العليا على مصالحه فتنازل قبل استهدافه الغادر والجبان بالتصفية وهو بين يدي الرحمن وكبار رجالات الدولة يؤدون صلاة الجمعة وفي توقيت زمني حرم فيه الخالق الأخذ بالقتال –أي جمعة رجب- عن حقه الدستوري والتزامه \"كوعد\" غير قابل للتراجع او الضحك على الذقون بعدم نيته بالتمسك بالثوابت او التمديد من كونه كما قال في احدى خطاباته \"لقد سئمت الحكم\" ، ولحرصه على ان يظل داخل لا خارج سطور التاريخ الذي كان قد كتبه بحبر عطائه، وكان بإمكانه يومها ومن موقع امتلاكه غير \"المخصخص\" لعناصر السلطة والقوة والنفوذ والالتفاف الجماهيري حوله ان يرد بمكر الله دون ان يضع أي اعتبار لما قد يترتب عن ذلك من ثمن ولكنه فضل وبوعي القائد المحترف والسياسي ان يتعامل مع المحاولات التي كانت تستهدف جره صوب نزوله الى معترك المواجهات ومساحات المنازلات \"بحكمة القائد الشجاع\" الذي يمتلك الاقتدار على ضبط النفس عندما يحل الغضب ولأنه من خلال خبراته التراكمية في ادارة الحكم بالإنابة على الشعب كان على اقتناع بأن تحقيق الوحدة لم يتولد من رحم الصراعات والدمار وإنما تحققت من خلال الاخذ بقاعدة الحوار، وجد قياسا بذلك بأن تحجيم الغوغاء والوقاية من عمليات تصعيد الضالعين بأفعالهم الاجرامية والتدميرية لن يتأتى الا من خلال مبادرة إنقاذية تضع كافة الاطراف امام المحك ولكي يقطع الشك باليقين ويثبت الزعيم بأنه عند مستوى الوفاء بما وعد، ابى الا ان توقع المبادرة بحضور واشهاد القادة والاشقاء وسفراء الدول الصديقة الذين كانوا وما زالوا يجمعون بأن امن واستقرار اليمن والحفاظ على الوحدة لا يهم اليمن وحدها وإنما دول الجوار والدول التي ترتبط باليمن بمصالح وعلاقات متبادلة وبالتالي فإن عدم تقيد اطراف الصراع ومنتجي الأزمة سيقابل بعقوبات رادعة وصارمة ، وقد اثبت فعلا الزعيم صالح بأنه يعكس ما كانت بعض الاطراف والشخصيات الحاقدة والمشخصنة للخلافات والاختلالات المتراكمة التي كان لتلك الاطراف باعا طويلا في إنتاجها وتمددها ومنذ ما قبل الازمة وبدليل ان المبادرة بعد التوقيع عليها وصدورها بآليتها التنفيذية المزمّنة تباينت المواقف فيها وتقاسمت الاطراف الموقعة عليها الادوار في محاولة لوأدها، حيث دفع الاصلاح بدرجة اساسية مليشياته \"لتتخذ حق الفيتو\" وتجاهر علنا برفضها بل وباتهام قادتهم الموقعين عليها او بعضهم بخيانة الأمانة وبالانحراف بمسار ما يسمى بالثورة، وجراء ذلك تصاعدت الانقسامات في الساحات وتحولت الصدامات بين المكونات المتعددة المشارب الى ظاهرة قادت الى تمزيقها والى تشكل مكونات بعضها جديدة والاخرى منسوخة، ومن جانب اخر توتير التوترات وغيرت قياداتها الموجهة والداعمة من مواقع القبول بالمبادرة الى مواقع تهدد المبادرة من خلالها بالانهيار وعدم توافر النيات الحسنة لتنفيذ بنودها كمنظومة متكاملة وطبقا لمدى زمني محدد ولعل ما حدث من هجوم ارهابي على دار الرئاسة في حضرموت عقب اداء الرئيس هادي للقسم واستهداف قوات الامن المركزي ومحاصرة قوات الحرس الجمهوري في الصمع، وتوسيع المتطرفين من رقعة التقطعات وتسليح القبائل داخل المدن وخاصة امانة العاصمة خير دليل على ذلك.