لم يترك ابناء شمال وجنوب الوطن - على السواء - متسعا للخوض في تفاصيل المناطقية وبكائيات الرقص على الجروح ، فالجميع اليوم توحدوا برفضهم المطلق لجريمة ارتكبت بحق شابين من ابناء الوطن ، بجميع انتماءاتهم وولاءاتهم ومناطقهم .. وربما ما كان ليكون كل هذا الرفض وهذا الغضب الشعبي لو لم يكن الشهيدين الشابين من ابناء الجنوب. اذن ، ما عم الشاعر اليوم هو تعبير مزدوج.. المشاعر الانسانية اولا .. فالجريمة وتفاصيلها مستفزة لانسانية و قيم وكرامة كل يمني .. آلمه الفعل الهمجي والمتنصل من كل قيم الرجولة والشرف بحق شابين اعزلين لا يزالا في ربيع العمر .. لم يكن هناك شاهدا على انهما استخدما العنف او ارادا اختلاق المشاكل .. او حتى تهجما بالكلام على القاتل الهارب حتى اللحظة من العدالة. الثانية .. هو ان ابناء الوطن وهم يتفاعلون مع ما يجري في الساحة اليمنية سلبا وايجابا .. يعرفون اليوم ان الوحدة الوطنية اضحت على المحك .. ولم يعد امام اليمنيين من مناص ولا اساليب ولا لف ولا دوران غير معالجة المشاكل المتراكمة والمبادرة بحسن النية كلا تجاه الاخر للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من الوحدة اليمنية ، وحينما يأتي مثل هذا الجرم في مثل هذا التوقيت العام المتمثل بالحوار الوطني ، والتوقيت الخاص المتمثل باقتراب الذكرى الثالثة والعشرين لاعادة تحقيق الوحدة الوطنية ، فإن ذلك يعني - بمفهوم الوطن والمواطن - هو نكأ للجروح وزيادة للتنافر .. وخدمة لرؤى ما لبثت ان تستغل كل التناقضات لتبرير مشاريعها .. معززة قناعة مفادها .. ان الشمال المتوحش بكل مكوناته ينهش في جسد الجنوب وابناءه .. وهذه هي الادلة ..! اليوم ، وفي قاعة مؤتمر الحوار الوطني ، جاءت المشاهد لتدحض كل التوقعات .. فابناء الشمال كانو في مقدمة الواقفين احتجاجا وبحناجرهم صرخوا باعلى مستوى رفضا وغضبا ومطالب لا تقبل التسويف ولا المماطلة.. ولم يقتصر الامر عند حدود الموفنبيك فكل المجتمع بشماله وجندوبه تداعى رفضا وغضبا. العادة ان الجسد واحد لا فرق .. وموقف اليوم ليس استثناء .. وهو القاعدة بمفهوم الاساس .. والاساءة لمفردات الوحدوية الوطنية وواحدية الجسد اليمني التي افضت الى نشوء قضية الجنوب لم تكن يوما من الشارع اليمني بقدر ما كان سببها منظومة حكم خليط من العسكر والقبيلة ورجال الدين والشعب براء منها .. ولكن ..! من يستطيع إنكار ان الشمال يحمل في مكوناته ما يسبب خللا في البنيوية الاجتماعية الوطنية يؤدي الى اثارة النزعات والشعور باستنقاص الذات لدى الآخر ..ومن ثم التعميم على قاعدة "السيئة تعم والحسنة تخص" .. من يستطيع انكار ان السلوك الشائن للقبيلة اصبح هو المسيطر عليها .. لدرجة اننا بتنا نراها اليوم عيبا لا مفخرة .. بعد ان تنصلت منها قيم العزة والكرم والشجاعة و النبل .. الخ ، وظهرت بشكل بشع حاملة القتل والتقطع والنهب والاستعلاء على الآخر واباحة دمه .. واقصاءه من قائمة المشهد الانساني والاجتماعي وحتى السياسي؟ لماذا تعالت صيحات فحواها اننا نريد شكل الدولة القادمة مدني بحت ، كنداء استغاثة نطلقه كسواد أعظم .. الا لأننا بتنا نريد ان نتنفس فضائلها دون ان ينهرنا شيخ بأعقاب بنادق وأسلحة مرافقيه .. هذا ان لم يطلق رصاصاته باتجاه صدورنا ورؤؤسنا في موقف قد لا نتوقعه.. قد يكون على قارعة الطريق ..او في موقف جدلي بسيط .. قد يكون مكانه قاعة حوار. من لم يبادر إلى ذهنه وهو يشاهد حادثة مقتل الشابين الخطيب وأمان هذا السؤال : كيف سنأمن على انفسنا واهلنا من ان لا نحتك مع "قبيلي" او تتقاطع طرق سيرنا به ، أو ان لا يجمعنا معه موقف انفعالي .. حتى لا نموت عقابا على فعلتنا طالما وهو يفاخر ببندقه واصوله..! اليوم .. ومن دماء أمان والخطيب .. وبعد القصاص من قاتلهم وهذا مطلب الشعب قبل اولياء الدم .. وجب علينا ان نستغلها فرصة ، وهي فرصة ممهورة بالدم وبالغضب الذي انتابنا .. في ان نعيد صياغة العقد الاجتماعي الذي يربطنا بهذا البلد ، وفي اطار المشروع الحامل له مؤتمر الحوار الوطني ، ودعوات الغالبية العظمى من الشعب اليمني .. "دولة مدنية لا قبول بغيرها .. ودستور وقانون ومؤسسات عسكرية وقضائية قوية تحرسها " ، وما دون ذلك فمشاريع غير مقبولة ولا مرغوبة. لم يعد امامنا سوى هذا الخيار لنعيش ونتآلف .. ولنطمئن على مستقبل ابنائنا ..و بأن لا تصاب امهاتهم بغصة الالم والوجع الذي ينتاب الآن والدات الشابين الشهيدين .. وامهات كثر. نحلم بيوم .. تنزع مخالب هؤلا الجبناء المستأسدين بطلقات الكلاشنكوف والمعدلات والبوازيك .. عل المدنية تعيد تأهيلهم من جديد ليكونوا بشرا مثلنا .. يعرفون قيمة الحياة للآخر ..ويقدرون حقه في العيش. فالسلاح هو كل ما يملكه اولئك .. والشي الوحيد الذي نفتقده نحن .. ولا نريده أصلا ..! * رئيس التحرير [email protected]